منذ أكثر من عام تتردد الأحاديث حول نية فرض رسوم على خدمة الدفع الفوري "كليك"، إلى أن حسمت الشركة الأردنية لأنظمة الدفع والتقاص "جوباك" الأمر بإصدار قرار يقضي ببدء تطبيق عمولات مالية على الشركات التي تستخدم النظام، اعتبارا من اليوم الأربعاء.
يأتي هذا القرار وسط مخاوف من عدم وجود سقف موحد للعمولات، ما قد يترك للبنوك والمحافظ الإلكترونية حرية تحديد نسبها بشكل متفاوت.
وتؤكد الرئيسة التنفيذية لـ"جوباك" مها البهو، أن الحوالات المالية للأفراد ستبقى معفاة من أي رسوم أو عمولات، بينما ستفرض عمولة على الشركات بمبالغ مقطوعة تختلف بحسب قيمة التحويل، وتعود حصيلتها لكل بنك أو محفظة إلكترونية وفقا لسياساته الداخلية.
ووفق بيانات الشركة، ارتفع حجم المدفوعات الإلكترونية عبر "كليك" خلال شهر آب الماضي إلى 1.88 مليار دينار، مسجلا نموا بنسبة 1.1% مقارنة بشهر تموز.
ويبلغ عدد مستخدمي النظام نحو مليوني فرد وشركة، بإجمالي حركات سنوية تتراوح بين 130 إلى 140 مليون حركة، وبقيمة تصل إلى 15 مليار دينار.
وفي مقابل ذلك، يشدد البنك المركزي الأردني على لسان المدير التنفيذي لدائرة الإشراف على نظام المدفوعات، غسان أبو شهاب، أنه لا نية ولا دراسة لفرض أي عمولات على الأفراد سواء كانوا مرسلين أو مستقبلين للأموال، مؤكد أن الدراسة الحالية تقتصر على إمكانية فرض رسوم "قليلة جداً" على التجار وأصحاب الأعمال.
غياب الوضوح في نسب العمولات
الخبير الاقتصادي منير دية في حديثه لـ "عمان نت"، يؤكد أن هذه الأرقام تعكس أهمية النظام في تعزيز الشمول المالي، وتنظيم السوق، وضبط الحوالات المالية ومراقبتها ضمن أطر قانونية واضحة.
ويشير دية إلى أن الأصل هو استمرار دعم هذا النظام دون فرض أي عمولات أو رسوم سواء على الأفراد أو الشركات، حتى يظل محفزا لاستخدام التحويلات الرقمية، معتبرا ان هذا التوجه سيؤدي إلى إعاقة انتشار النظام وتقليل إقبال الشركات عليه، وهو ما يتعارض مع الإيجابيات التي حققها حتى الآن.
ويوضح أن القرار يفتقر إلى الوضوح بشأن آلية احتساب الرسوم، حيث ترك الأمر للبنوك والمحافظ الإلكترونية لتحديد العمولات مع الاكتفاء برقابة البنك المركزي، مما قد يفتح الباب أمام تباينات واجتهادات واسعة، شبيهة بما جرى سابقا في قطاع الاتصالات.
ويحذر من أن غياب سقف واضح للرسوم قد يثقل كاهل الشركات الصغيرة والمتوسطة، ويدفعها إلى البحث عن بدائل قد لا تصب في مصلحة الاقتصاد الوطني، مشددا على أن استمرار النظام مجانا يضمن انتشاره ويحمي من لجوء المستخدمين إلى قنوات غير رسمية مثل السوق السوداء للتحويلات.
تشير بيانات البنك الدولي إلى أن الأردن يعد من الدول المتقدمة في المنطقة في مجال الخدمات المالية الرقمية، حيث ارتفعت نسبة البالغين الذين يمتلكون حسابات مالية من 25% عام 2014 إلى نحو 50% عام 2021، في وقت يرى فيه اقتصاديون أن "كليك" ساهم بشكل ملموس في تعزيز الشمول المالي ومكافحة الاقتصاد الموازي.
الأثر على المواطنين
وبخصوص الأثر المباشر على الأفراد، يوضح دية أن كلفة العمولات التي ستدفعها الشركات ستنعكس في نهاية المطاف على المستهلك، عبر ارتفاع أسعار السلع والخدمات، مرجحا أن تصل قيمة الرسوم السنوية المتوقعة إلى ما بين 20 و30 مليون دينار، محملة في النهاية على المواطن.
ويؤكد أن دور البنك المركزي يجب أن يكون أكثر حسما عبر وضع تعليمات شفافة تحدد سقف العمولات المسموح بها، مقترحا أن لا تتجاوز واحدا بالألف أو مبالغ مقطوعة رمزية، وذلك لمنع البنوك من فرض رسوم مبالغ بها تقوض ثقة المستخدمين بالنظام.
ويشدد دية على أن "كليك" يمثل اليوم أداة محورية في تعزيز الشمول المالي وتنظيم الحوالات المالية ومراقبتها، إذ تسجل تحويلات سنوية تتجاوز 15 مليار دينار، مما يعزز مكانة الأردن في مجال الدفع الرقمي.
ويحذر في الوقت ذاته من أن فرض رسوم غير مدروسة قد يعرقل مسيرة النظام ويحد من الإقبال عليه، لاسيما من الشركات، معتبرا أن نجاحه حتى الآن يعود بالدرجة الأولى إلى كونه خدمة مجانية وسهلة الاستخدام.
من جانيه يوضح البنك المركزي، أن البنوك ستكون ملزمة بالتمييز بين الحسابات الشخصية والتجارية، بحيث تفرض العمولات فقط على الحسابات التجارية، فيما سيتم التدقيق في أي محاولة للتحايل عبر استخدام حسابات شخصية لأغراض تجارية.
مقارنة مع تجارب دول
في الوقت الذي يبدأ فيه الأردن تطبيق العمولات على الشركات ضمن نظام "كليك"، تظهر تجارب دول المنطقة نماذج مختلفة، ففي السعودية يوفر نظام "سريع" التحويلات الفورية مجانا للأفراد، فيما تفرض رسوم رمزية على الشركات لا تتجاوز ريالا واحدا على بعض العمليات الكبيرة.
أما في الإمارات فتبقى التحويلات بين الأفراد مجانية بالكامل، بينما تفرض رسوم محدودة على التحويلات التجارية تحددها البنوك، لكنها تبقى أقل بكثير من الرسوم التقليدية.
وفي مصر، يتيح تطبيق "إنستا باي" التحويلات المجانية للأفراد حتى سقف معين، ثم تبدأ رسوم صغيرة على المبالغ التي تتجاوزه.












































