فتح ملف "فساد الصحفيين" من جديد
عديد من القضايا الأخلاقية في مهنة الصحافة أثارت جدلا بين من يصفها بممارسات "احتواء" الحكومة للصحفيين وسياسات "إفساد" أو "فساد" الصحفيين، طفت على السطح هذا الأسبوع.
رئيس هيئة مكافحة الفساد يكشف عن صحفيين يتلقون مئات الآلاف من مؤسسات عامة للدفاع عنها في مقالاتهم.. محرر موقع "المحرر" الإخباري يسقط حقه في "جاهة صلح" حضرها كبار الصحفيين بعد تعرضه لاعتداء على خلفية ما نشره عن مسؤول أمني سابق.. ووزراء وصحفيون معا في "جاهة" زواج أحد كتاب موقع "عمون".. ورئيس المجالس التأديبية في نقابة الصحفيين لأكثر من 11 عاما يتوقف عن مهمته بعد تبرئته صحفيين من تهم تتعلق بحرية الرأي ويقول أن القانون لو طبق على الصحفيين الذين يتقاضون الهبات والمكافآت من الحكومة لفصل أكثر من ثلث أعضاء النقابة التي لم تفصل طوال سنوات عمله الـ11 سوى صحفيا واحدا لتلقي مؤسسته تمويلا أجنبيا.
صحفيون يتقاضون أموالا للدفاع عن مؤسسات رسمية
كشف رئيس هيئة مكافحة الفساد سميح بينو عن أن هناك بعض الصحافيين يتقاضون مبالغ كبيرة من جهات حكومية لمساندتها والكتابة لصالحها. وقال: "لدى الهيئة أورقا تثبت أن كثيرا من الصحفيين يتلقون أموالا من مؤسسات، للدفاع عنها". وأضاف: "أوراقنا تثبت أن كثيرا من الصحفيين يتقاضون مبالغ كبيرة من المؤسسات، مقابل دفاعهم عن المؤسسات بأسلوب عنزة ولو طارت".
ونقلت وسائل إعلام عن بينو خلال ندوة نظمتها جمعية الشفافية في غرفة صناعة عمان، قوله أن صحافيا تقاضى 135 الف دينار من جهات ومؤسسات حكومية وان هذه الجهة التي دفعت له بررت ذلك بأنها خبرات إعلامية تستفيد منها.
رئيس المجالس التأديبية سابقا والصحفي عمر عبندة أكد على صحة تصريحات بينو. "فشخص في موقعه لا يلقي كلاما جزافا، وإنما يستند على أدلة ومعلومات".
وأضاف عبندة في حديث لبرنامج عين على الإعلام أن "أسماء من يتقاضون الهبات والحوافز والمعونات كثيرة ونعرفها من خلال الزملاء الصحفيين والتجربة في العمل الصحفي والنقابي".
وبين أن قانون النقابة وقانون المطبوعات والنشر وكذلك ميثاق الشرف الصحفي الذي أصدرته هيئة نقابة الصحفيين أو ميثاق الشرف الصادر عن اتحاد الصحفيين العرب، تمنع قبول مثل هذه الهبات أو الهدايا. فالمادة 42 من قانون النقابة رقم 15 لسنة 1998، فصلت عددا من المحظورات على الصحفي ومنها قبول هبات أو تبرعات مالية. ويذهب قانون المطبوعات والنشر أبعد من ذلك، حيث اعتبر في مادته السابعة أن سعي الصحفي لجلب إعلان لمؤسسته خروجا عن آداب المهنة، "فكيف بالذي يقبض المال والهبات ويقبل الهدايا المختلفة. فكل ذلك يدخل في باب شراء الذمم وكسب ود الصحفي لاتخاذ مواقف محددة من بعض القضايا"، قال عبندة.
وعما إذا اتخذ النقابة إجراء بحق صحفي ارتكب إحدى هذه المخالفات، قال عبندة أنه طوال ترأسه للمجالس التأديبية في النقابة لأكثر من 11 سنة حولت النقابة صحفيا واحدا وفصلته لقبوله دعما من جهات أجنبية.
ويعرف أن النقابة كانت قد فصلت عضو مجلسها الصحفي ومدير مركز حماية حرية الصحفيين، نضال منصور، بسبب تلقي مركزه دعما أجنبيا.
لكن عدم اتخاذ النقابة لإجراءات تأديبية بحق أعضائها لا يعني، كما يقول عبندة، عدم وجود صحفيين يتلقون هبات وهدايا وغيرها من المخالفات. "الحالات كثيرة إلا أن مجالس النقابة المتعاقبة تتقاعس في فتح هذه الملفات". وشدد على أن "مجالس النقابة لو طبقت نصوص القانون فإنها ستفصل أكثر من ثلث أعضاء النقابة تحت عنوان الهبات والهدايا والاستشارات وغيرها من أشكال الاحتواء الحكومي للصحفيين".
وكشف عبندة عن سبب قرار مجلس نقابة الصحفيين بوقف رئاسته للمجالس التأديبية في النقابة. وقال لبرنامج عين على الإعلام: "بعد مرور 11 عاما على رئاستي لمجالس تأديبية في نقابة الصحفيين استرحت سنتين ثم أعاد مجلس النقابة الحالي تعييني لرئاسة مجالس تأديبية وأحال لي ثلاث قضايا، وبحكم الخبرة والالتفات لنصوص القانون برأ المجلس الذي كنت أرأسه الزملاء الثلاثة الذين أحيلوا إلى المجلس التأديبي في قضايا متعلقة بحرية الرأي. إلا أن مجلس النقابة بتحريض من النقيب الحالي عبد الوهاب زغيلات لم يعجبه هذا القرار وطلب إعادة النظر بتشكيل المجالس".
رئيس منتدى الشفافية الأردني والكاتب الصحفي باسم سكجها وصف الحالة التي كشف عنها بينو بـ"الفساد البين" و"استخدام المال والسلطة العامة لمنافع شخصية من الجهتين، المؤسسة التي دفعت والصحفي الذي قبض". واعتبر أن المعلومة كونها صادرة عن رئيس هيئة مكافحة الفساد فهي صحيحة لكن عليه أن يعلن عن أسماء الصحفيين وأن لا يتركها مفتوحة للتكهنات. "هناك تعليقات على الخبر الذي نشر على المواقع الاكترونية وفيها أسماء وقد يذهب الصحفي المستقل بجريرة الصحفي القابض الذي خان مهنته ووطنه. أطالب بوضع النقاط على الحروف وتسمية الأشياء بأسمائها".أما مدونة السلوك التي قدمتها الحكومة السابقة في علاقتها مع الإعلام بما في ذلك وقف ما يتقاضاه الصحفيون من الحكومة تحت بنود المستشارين الإعلاميين والناطقين باسم المؤسسات الحكومية والإعلانات، فيرى سكجها أنها "كلام حق أرادت الحكومة به باطلا".
وأضاف: "نحتاج لقانون يجرم تضارب المصالح لإنهاء هذه الظاهرة التي تعتبر أخطر أشكال الفساد في المجتمع الأردني، مثل الصحفيين الذين يقبضون من هنا وهناك (من مؤسساتهم الإعلامية ومن المؤسسات الحكومية التي يتعاقدون معها). هذه مهمة هيئة مكافحة الفساد التي تعلن عناوين وكلام في الهواء. لمحاربة الفساد يجب أن يكون لدينا شفافية للإعلان عن كل شيء ليعرف المجتمع".
وتمنى مدير مركز حماية حرية الصحفيين نضال منصور، على رئيس هيئة مكافحة الفساد سميح بينو الإعلان عن أسماء الصحفيين الذين يتم استخدامهم وتوظيفهم بغير وجه حق مثلما يعلن عن أسماء المتورطين في قضايا فساد أخرى، لأن عدم الإعلان عن أسمائهم يسيء لصورة الجسم الصحفي بالكامل، كما أن من حق المجتمع معرفتهم.
وطالب وسائل الإعلام بإعداد التحقيقات للوصول إلى الحقيقة في هذا الملف، باستخدام قانون حق الحصول على المعلومات والتقدم بطلب رسمي لهيئة مكافحة الفساد لمعرفة أسماء هؤلاء الصحفيين.
وقال: "الفساد في الجسم الصحفي ليس جديدا، ومحاولة الاحتواء الناعم وشراء الذمم الصحفية أساليب تعاقبت على استخدامها الحكومات والأجهزة الأمنية طويلا".
اعتداءات مسؤولين على صحفيين
حلت قضية الاعتداء على الصحفي جهاد أبوبيدر، كما قال لبرنامج عين على الإعلام، "في الإطار الذي نعرفه أردنيا وهو في إطار الصلحة العشائرية، لكنني أصريت على أن يكون الاعتذار للأسرة الصحفية وليس لي شخصيا، لأن الاعتداء لم يكن علي شخصيا وإنما على وسيلة إعلام وعلى الجسم الصحفي بشكل كامل. وكانت وقفة الوسط الصحفي وقفة مشرفة أعادت للصحافة صورتها كسلطة ليس من السهل الاعتداء والتطاول عليها بسبب خبر منشور هنا أو هناك".
وبرر أبوبيدر إسقاط حقه الشخصي في المركز الأمني بأنه لم يتخذ القرار شخصيا وإنما بالتشاور مع لجنة صحفية شكلت للدفاع عنه.
وقال: "إسقاط حقه الشخصي جاء مشروط بالاعتذار للصحفيين والاعتراف بالذنب. المجتمع الأردني عشائري ولم نرد أن تتطور الأمور إلى ما هو أكثر من ذلك وأن تدخل فيها قضايا ليست ذات علاقة بالعمل الصحفي وتصبح قضية عشائرية وأن نأخذ الحق بيدنا، ولا نريد أن تثار الفتن كما حاول البعض".
ولا يرى أبو بيدر في إسقاط حقه الشخصي تشجيعا لظاهرة الاعتداء على الصحفيين لتقييد حرية الإعلام. وأضاف: "نحن بانتظار أن تنضج الفكرة لدى المواطنين حول دور الصحافة كسلطة رابعة تحميهم أولا من إساءة استخدام السلطة والفساد. تلقيت اتصالات من عائلة المعتدين تقول أنهم لا يمثلوهم".
وانتقد الكاتب الصحفي باسم سكجها أسلوب حل مشكلة الاعتداء التي اعتبرها اعتداء على الصحافة ككل. "الحل كان بجاهة في حين نحن نمثل مؤسسات تحاول الخروج على تقاليد الجاهات والفزعات. الاعتداء مدان ومرفوض وكذلك الجاهات كوسيلة لحل المشكلة".
واعتبر سكجها أن نقابة الصحفيين هي المعنية بالتعامل مع هذه المسألة وكان ينبغي أن لا تمررها بهذه السهولة. "لأن هذا يعود الناس على الاعتداء على الصحفيين وبعدها يحضر جماعته للاعتذار. هذا مرفوض لأنه يؤسس لحالة جديدة مدانة".
وأضاف أن "الصحفي الخائف والذي لا توجد جهة تدافع عنه هو الصحفي غير مكتمل الأهلية، وهذا يعيقه في أداء مهمته بحرية. والنقابة مطالبة بالدفاع عنه، وللأسف لا نرى نقابتنا تقوم بهذه المهمة إطلاقا. المطلوب من الانتخابات القادمة أن تفرز صحفيين يؤمنون بكرامة الصحفي".
مدير مركز حماية حرية الصحفيين، نضال منصور، يرى أن التهديدات والاعتداءات التي يتعرض لها الصحفيون تمثل بيئة طاردة للحريات، فحين يكون هنالك تغول على القانون، ومحاولة البعض أخذ حقه بيده، يجعل الأجواء قلقة ويزيد حزمة القيود التي كانت وما زالت تحد من حرية الإعلام.
وقال منصور لبرنامج عين على الإعلام: "نحن لدينا قوانين تقيد الحرية الإعلامية، ولدينا حكومة وأجهزة أمنية تتدخل بالعمل الإعلامي، كما أن مجتمعنا لا يعد حاضنا لحرية الإعلام، لتأتي "البلطجة والزعرنة" لتضاف على هذا السياق".
ومنصور الذي شارك في "جاهة صلح" قضية الاعتداء على الصحفي أبو بيدر أكد أنه عارض حل القضية بالتنازل عن الحق الشخصي وبالأسلوب العشائري، معتبرا أن ذلك يمس بقيم المجتمع المدني. "فالقضية ليست مشاجرة، وإنما اعتداء على صحفي إثر نشره لخبر، وجاء من يقوم بترهيبه وتأديبه. وهذا الشكل من الحلول لا يخدم حرية الإعلام ولا يمأسس لها أو يعلي من قيمتها ومن قيمة الرقابة الإعلامية على المجتمع وعلى الشخصيات العامة، بل يمثل رسالة لكل من يرغب بالاعتداء على صحفي لتنتقي القضية بتدخل "أهل الخير" وبشرب فنجان من القهوة".
وأضاف أن "الصحفيين ليسوا منزهين عن الخطأ وقد يخرجون عن أصول المهنية، ولكن هذا لا يبرر الاعتداء عليهم على خلفية عملهم، في ظل وجود قانون يمكن اللجوء إليه أو التعامل بحق الرد على المؤسسة الإعلامية".
وشدد على ضرورة تأسيس مجلس مستقل للشكاوى وإشاعة ثقافة سيادة القانون.
وكان مكتب موقع "المحرر" الإلكتروني قد تعرض الأسبوع الماضي لاعتداء ستة من أنصار رئيس هيئة الأركان المشتركة السابق الفريق أول الركن خالد جميل الصرايرة، وهددوا بحرق المكتب وقتل الصحفي جهاد أبو بيدر رميا بالرصاص إذا لم يقم بشطب خبر بثته وكالة المحرر تحت عنوان "مكافحة الفساد بدأت التحقيق مع الصرايرة في منزله بقضية موارد".
وعلى إثر الحادثة تقدم أبو بيدر بشكوى في مركز أمني ضد ستة مجهولين اقتحموا مكتبه وهددوه بالقتل وتعرضوا له لفظيا ولزميله أحمد حجاج جسديا. وتمكن الأمن من إلقاء القبض على أربعة منهم، وقرر مدعي عام عمان حسن العبدلات توقيف أحدهم على خلفية اشتراكه بحادثة الاعتداء على الصحفي جهاد أبو بيدر.
وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة طاهر العدوان أكد على ضرورة "ملاحقة المعتدين قضائيا ومحاسبتهم". وأضاف في تصريحات صحفية: "لا نقبل ان يتم الاعتداء على هذا النحو والتهجم على الصحفيين.. وهذا استخفاف واستهانة بالقضاء والقانون لن نقبل أو نسمح به".
كما نفذ عدد من الصحفيين اعتصاما أمام نقابة الصحفيين للتعبير عن رفضهم "لسياسة التهديد التي طالت الزميل كما طالت زملاء في الفترة الأخيرة".
نقابة الصحفيين الأردنيين عبرت كذلك عن استنكارها لحادثة الاعتداء على مكتب موقع "المحرر" الالكتروني والزميلين جهاد أبو بيدر وأحمد حجاج. وقالت النقابة في بيان لها أنها "تستنكر بكل عبارات الاستنكار والتنديد مثل هذا الاعتداء، وإطلاق التهديدات بحق الصحافة والصحفيين التي تقوم بأداء دورها بكل مهنية وموضوعية والتزام.
وأضافت: "إن حملة التخويف والتهديدات للصحف والصحفيين أمر يثير قلقنا في نقابة الصحفيين الأردنيين والأسرة الإعلامية ومؤسسات المجتمع المدني، ويستدعي قرع جرس الانذار بكل قوة ووضوح،فمثل هذه الاعتداءات والتهديدات لا تطال الصحافة والصحفيين فقط، بل وجه مجتمعنا الطيب، وصورة الدولة التي عرفت بدولة المؤسسات والقانون منذ عشرينيات القرن الماضي".
صداقة بين الصحفي والمسؤول
سكجها الذي أدان اللجوء "للجاهة" لتسوية قضية الاعتداء على صحفي لا يرى ضررا من تطور علاقات اجتماعية بين المسؤولين الحكوميين والصحفيين من خلال مشاركتهم في "جاهات" زواج وغيرها، مثل جاهة الكاتب في موقع عمون، فايز الفايز، الذي حضره ثلاثة رؤساء وزراء، بينهم الحالي، ووزراء حاليون وسابقون ومسؤولون أمنيون مثل مدير المخابرات السابق.
وقال سكجها: "لا ندعو لقطيعة بين المسؤولين والصحفيين، نحن في مجتمع صغير والكل يعرف الكل". وأضاف أن هذا التواصل الاجتماعي لن يؤثر على أداء الصحفي لأن هو القوي وليس المسؤول. "العلاقة بين الصحفي والمسؤول فيها دائما محاولات سيطرة واحتواء كل للآخر. ومع ذلك لن يؤثر ذلك على أداء الصحفي ما دام مستقلا وقادرا على التفريق بين الخاص والعام، الشخصي والمهني. هناك فرق بين جاهة ذهبت لتسوية اعتداء على صحفي وجاهة لطلب عروس".
للاستماع للحلقة والاطلاع على المواضيع الإعلامية على موقع: عين على الإعلام