غرايبة: الرسوم المسيئة للرسول هياج شعبي..حكومات أحزاب إعلام يركبون الموجة

الرابط المختصر

حول ردود الفعل على الرسوم المسيئة للرسول محمد عليه السلام والتي نشرتها صحيفة دنمركية وتبعتها صحف أوروبية، أجرينا حوارا مع الكاتب المتخصص في الشؤون الإسلامية إبراهيم غرايبة.* منذ اجتماع وزراء الخارجية العرب الشهر الماضي ومطالبتهم باعتذار من الحكومة الدنمركية على نشر صحيفة دنمركية للرسوم المسيئة للرسول عليه السلام، منذ ذلك الحين وردود الفعل الغاضبة والأحداث متسارعة، الإسلامية والعربية على المستويين الشعبي والرسمي، والتي كان أبرزها حرق السفارتين الدنمركية والنرويجية في دمشق وبيروت. ما رأيك بردود الفعل الشعبية؟



بالتأكيد يسوء المسلمين جميعا أن يتعرض الرسول صلى الله عليه وسلم والأنبياء إلى إساءة أو سخرية. ردة الفعل التي حصلت متوقعة بشكل عام كاحتجاج واعتراض على الذي الإساءة التي تعرض لها الإسلام أو السخرية التي وقعت بحق الرسول (صلعم).

أنا شخصيا لدي الكثير من التحفظات على ردود الأفعال هذه. كان يجب أولا أن لا تشمل السفارات ولا الحكومة ولا الشعب الدنمركي، وإنما تبقى موجهة ومحصورة بالصحف التي نشرت والكتاب الذين رسموا هذه الرسومات، ولا تتسع لتشمل غير هذه الجهات المسؤولة مباشرة عن الإساءة، حتى لو قيل أن كثير من الدنمركيين والنرويجيين مؤيدين لهذه الرسومات أو يتعاطفون معها أو لهم موقف معادي للإسلام. يجب أن لا يمتد الاحتجاج إلى الشعوب والحكومات لأن هذا يجعلها معركة كبيرة أكثر مما هي في الحقيقة، ويجب أن تكون محصورة في الواقعة نفسها وهي أن صحيفة أساءت إلى الرسول ويجب أن توجه الأعمال والاحتجاجات والمحاكمة والعقوبات التي نسعى لفرضها على الصحف والكتاب.

إحراق السفارات كان عملا سيئا ومخزيا لأن السفارات محصنة على مدى التاريخ والجغرافية ولا يجوز أن تمتد إليها إساءة. هذه الإساءة هي إساءة إلينا نحن المسلمين أولا، ثانيا أن نحمل الشعوب والحكومات الأوروبية مسؤولية هذه الأحداث فيه كثير من التجني. المعركة هي إعلامية وليست سياسية ولا عسكرية، وكان يمكن الاتصال بالصحف والكتاب وتوضيح بعض الأمور لهم ومحاولة إقناعهم، الحوار والمحاججة والعمل السياسي هو الأسلوب الأفضل في مثل هذه الحالات لأننا يجب أن نتوقع من الأوروبيين الذين يتعاملون مع الفكرة أنه ليس لديهم نفس التصور الذي لدينا عن الإسلام والرسول وتقاليدنا التي نتعامل بها، حتى هم كمسيحيين مثلا لا يتعاملون مع المسيح عليه السلام مثلما نتعامل نحن معه لأنهم بتجربتهم وتفكيرهم العلماني ينظرون إلى الأنبياء بنظرة فيها قدر من الحيادية، ويمكن أن يصوروا الأنبياء في الأفلام والرسومات.

نحن نعتقد أن جميع الأنبياء، وليس فقط الرسول (صلعم)، مصانين عن التعرض لهم، أو أن محاولة تمثيلهم أو رسمهم أمر يسوء معتقداتنا ونظرتنا إلى الأنبياء. لكن لا نتوقع منهم أن يكونوا ملتزمين بعقائدنا مثل التزامنا فيها. فهم غير مسلمين وموجودون خارج العالم الإسلامي ولهم طريقتهم في التفكير حتى لو كانت تسيء إلينا يمكن مواجهتها بوسائل ليست بهذا العنف والاحتجاج. وإذا فشلنا في الحوار والاتصال مع المسؤولين عن هذه الأعمال يمكن اللجوء إلى الاحتجاج أو المحاكمة أو الحكومات والعمل السياسي والدبلوماسي.

هناك مبالغة كبيرة في توسعة الاحتجاج والنظر إلى المسألة في سياق الحرب بين المسلمين وأعداء الإسلام والحروب الصليبية. حتى لو كانت هذه الرؤية السياقية صحيحة فلا داع لها، لسنا في حال نحتاج أن نكون في عداء مع الأوروبيين، وكلما قللنا من عداوتهم وخففنا من المواجهة والاحتقانات بيننا وبين العالم يكون هذا لصالحنا وصالح فكرتنا أيضا.



* ما سبب هذه المبالغة في ردود الفعل، هل هناك محرضين تعمدوا شحن الناس؟



هناك أسباب وتفاعلات كثيرة أدت إلى الموضوع، منها كثير من الشخصيات والحركات والحكومات التي أرادت أن تكسب مواقف الشعوب، منها اختيار الأسهل في مثل هذه القضايا فلدينا بعض النقابات والجماعات، والشعور بأن الشعوب والجماهير تؤيد هذه القضايا يغريهم بالعمل في هذا الاتجاه. ربما هناك حالة من عدم الرضى العام في المجتمعات الإسلامية كلها والتنفيس عن حالة من الاحتقان التي بدأت في السنوات الأخيرة بين المسلمين والغرب.

نسمع في أحيان كثيرة عن إساءات تتعرض لها المقدسات الإسلامية ولم يحدث مثل هذا الاحتجاج، مثل الإساءة إلى المصحف في غوانتنامو. لا أدري لماذا اختصت هذه الحادثة بالذات بهذه الموجة من الاحتجاجات. لدي تساؤلات وحيرة في المسألة، وإن كان ليس مستغربة أو مفاجئا أن يحدث هذا.



* هل ساهمت الحكومات في النفخ في الحدث، خصوصا بعد فوز حماس في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني؟



يبدو أن المسؤولين وجدوا أنفسهم تحت تأثير شعبي وجماهيري جارف ووجدوا أنهم غير قادرين على تجاهل المسألة ووجدوا أنفسهم مضطرين للتعامل معها. ربما لو لم يحدث هذا المد الشعبي لتعاملوا معها بطريقة دبلوماسية وسياسية بعيدا عن الإعلام. قد لا يكون الموقف الرسمي هو الذي خلق الحالة، أن يكون الموقف الشعبي هو الذي أنشأ هذه الحالة الرسمية لأن المسؤولين لا يستطيعون أن يكونوا منفصلين عن حالة المد الشعبي هذه.

هنالك حالة شعبية إسلامية كبيرة ممتدة وترغب الحكومات والجماعات والنقابات والجهات المختلفة في التعامل مع هذه الظاهرة بالتقرب إليها، من ضمنها هذه المسألة. قد تكون هذه المقولة صحيحة، أو أنها جزء من حالة تقرب من الظاهرة الإسلامية التي تمتد إلى الجماهير والمجتمعات ولم تعد حالة تخص أحزاب وجماعات ومنظمات إسلامية فقط.



* ما رأيك بدور وسائل الإعلام في ما يجري، هل انجرت أيضا مع الموقف الشعبي، بل وأصبحت محرضا وليست فقط ناقلة للخبر؟



نعم ساهمت في الشحن والإساءة إلى نفسها وإلى القضية أيضا. أنا شخصيا كنت أفضل أن لا تصير حالة الهياج هذه، وكان يمكن حصرها في الجهات المعنية بها. وسائل الإعلام والكتاب ركبوا الموجة، وكان هناك من ركض وراء الاهتمام الإعلامي لأنها قضية جماهيرية كبيرة تغري وسائل الإعلام والصحفيين.



* هل أثر ذلك على حرية الإعلام، فقد يكون الإعلام ساهم في التحريض والشحن ولكن ذلك سرعان ما انقلب على الإعلام وعلى حريته، ففي الأردن كثير من كتاب الرأي الذين لم يتمكنوا من التعبير عن آراء معتدلة في صحفهم المحلية، إضافة إلى ما حدث للصحف التي تجرأت ونشرت الصور المسيئة؟



صحيح أننا ككتاب وصحفيين خسرنا وصرنا في حالة من التوتر والحذر. لا تعرفين ما الذي يمكن أن يغضب الناس، ممكن أن تكتبي بحسن نية لكن لا تعلمين ما ستواجهينه من ردة فعل الجماهير ومؤسسات الإعلام. حاولت أن أكتب هذا الكلام وكان رأي رئيس التحرير، وأنا مقتنع برأيه وأعتقد أنه مصيب، أننا الآن في حالة هياج ولن يفهم الناس علينا. القدرة على فهم حرية التفكير تقل لأن هاجس الغضب الشعبي أكبر بكثير من غضب الحكومات ويخاف منها الإنسان كثيرا، ممكن أن يتعرض لمشكلة طويلة الأمد مع الجمهور الرأي العام والمجتمعات.

حالة الهياج المجتمعي والجماهيري هذه مخيفة وتؤثر على الحرية وعلى القدرة على التفكير وتخلق حالة من التوتر والحذر الشديد في التعامل مع المسائل وتناولها بموضوعية وحرية ولا تخدم القضية الأساسية. لا أظن أننا منعنا الإساءة وكان من الممكن أن نحصل على نتائج أفضل بكثير لو لم تكن حالة الهياج هذه. لسنا بحاجة إلى تأييد الرسول في المظاهرات التي تتم في عمان أو كراتشي، نحن نحب الرسول بدون هذه المظاهرات، نحن بحاجة لأن نجعلها تؤثر على الأوروبيين. ما حدث ربما زاد عداوتهم واعدت بيننا وبينهم.



* لكن هناك من يرى أن ردود الفعل ساهمت في تقوية مكانة المسلمين في العالم، في حين أن هناك من رأى أنها تخدم أصحاب نظرية صراع الثقافات وكرس نظرة البعض إلى الإسلام كدين عنف إثر عمليات الخطف وقطع الرؤوس والتفجير؟



أعتقد أنها أضافت شيئا سيئا إلى رصيدنا لدى الغرب. كانت مواجهتنا الفكرية والسياسية والإعلامية مع الغرب ليست لصالح فكرتنا، وربما أثرت على إنجازاتنا. فبعد 11 أيلول كان هناك أعمال جيدة ورائدة في توضيح الإسلام والحوار بين المسلمين والغرب، أعتقد أن ما حدث أضر بهذه المنجزات.

أعتقد أن كل الجماعات والجهات المختلفة يجب أن تعيد النظر في أسلوبها وطريقة تفكيرها وردها، وأن لا تعبر عن شعورها بالاحتقان والهزيمة والضعف واحتجاجات من هذا النوع، وأن لا تخوض معركة ليست معركتها. صحيح أن لدينا مشاكل كثيرة مع الغرب لكن ليست هذه هي المناسبة التي نخوض من أجلها هذه المعركة وليس بهذه الطريقة.



* كيف تقيم دور أمريكا في ما يجري، هل استفادت من الأحداث وحاولت زج دول اسكندنافية وأوروبية في صراعاتها في المنطقة، فمثلا كوندوليزا رايس اتهمت مؤخرا سوريا وإيران بالتحريض في أزمة الرسوم؟



بريطانيا وأمريكا كانت أكثر ذكاء ولباقة واستفادت من الأحداث في التقرب من العالم الإسلامي وفي تحسين صورتها. وربما هناك أزمة بين أوروبا وأمريكا وكسبت أمريكا في تنافسها مع أوروبا على القضايا الإقليمية والعالمية.


أضف تعليقك