عندما تهدم "بيت شَعَر"

لا يكاد الأردنيون ينامون على قصة إلا يصحون على غيرها، وتتفاوت المسميات حسب مستوى الأطراف والشخوص. فهي أحياناً توتر، وأحياناً مشاجرة، وأخرى اشتباك، وفي حالاتٍ متطرّفة فتنة تمّ وأدها، وفي حالات أكثر تطرّفاً انقلاب خُطِّط له، ولم يستوفِ الشروط والمعايير الدولية والتاريخية لما عرفناه من تاريخ الانقلابات العسكرية الدموية المعروفة. بل إنهم أخيراً استبدلوا تحية المساء "تصبحون على خير" بتصبحون على قصة، إذا كانوا من فريق المتشائمين، وتصبحون على أمل إذا كانوا من القلة المتفائلين، المرتاحين اجتماعياً واقتصادياً، ومؤمنين وظيفياً، وتصبحون على تغيير إذا كانوا أيضاً من القلة المطالبة به.



والمثير أن الإصلاح مطلب عام، وعام جداً في الأردن، بدءاً من أصغر موظف حتى رأس الهرم. بل إن رئيس مجلس الأعيان بذاته تصدّى لهذه المهمة الحكومية، وانصاع لما جاء في أوراق الملك النقاشية، وبادر إلى حوارات تقود إلى هذا الشأن! صحيحٌ أن شباباً وشابات مستقلين، ناشطين وناشطات في العمل العام، عرف عنهم سقف حديثهم العالي في المطالبة بإصلاحاتٍ جادّة رفضوا تلك الدعوات، لكن هذا لم يمنع وفوداً شعبية لبّت الدعوات، وأمّت بيت الشعب، وتبادلوا صور تلك الاجتماعات التي راعت قواعد التباعد الاجتماعي احتراماً للوضع "الوبائي"، وظهر فيها الحاجز الزجاجي جلياً بين صاحب الدعوة والمدعوين المستمعين بوقار.

 

هذا كله وفي الخلفية حوار يدور بلغة أخرى لم يشهدها الأردن منذ مائة عام، هو عمر الدولة الأردنية الحديثة، بمملكتها الرابعة التي تواجه تحدّياتٍ لم تترك لأردني، مواطناً كان أو صاحب قرار في أي دائرة كانت، أن يلتقط أنفاسه. سيل من الأحداث المتتالية لا تترك سرعة وتيرتها مجالاً لحسن النية تجاهها، أو احتمال المصادفة في حدوثها، لا نملك جميعنا حيالها إلا السير على رؤوس أصابعنا، تأهباً لما سيحدث بعد قليل. حوار بلغة العنف تجاه أبنائه وبناته المتظاهرين أمام سفارة دولة الاحتلال، لأنهم طالبوا حكومة بلدهم بأن تستخدم أدواتها للضغط، كطرد السفير مثلاً، لغة العنف التي استخدمت بشكل غير مسبوق ضد أهم المكونات الأردنية، العشائر التي استقبلت الأمير عبد الله بن الحسين في معان، العاصمة الأردنية الأولى، جنوبيّ الأردن.



وفي العرف والعادة، إذا هُدم "بيت الشَّعر"، الرمز العشائري الأصيل، فإنك تطلب من سكانه الرحيل، بل بالأحرى إنك تطردهم، وهذا ليس شأناً أردنياً فقط، فهو موروثٌ عربيٌّ في الجزيرة العربية والبادية العربية بالعموم. للمفارقة، صوت 108 نواب أردنيين من أصل 119 نائباً حضروا جلسة خاصة عقدت عصر الأحد، 6 يونيو/ حزيران الحالي، لمدة خمس دقائق فقط، على فصل النائب أسامة العجارمة، ما قد يكون استجابة للرافضين لسلوكه ونهجه الذي يثير الفتنة كما قالوا، إلا أن طريقة التعامل الأمنية مع العشائر وهدم بيوتها والاشتباك مع أبنائها خطوة مستهجنة أردنياً.

 

زار الملك العشائر مراراً، وأشاد بها، كما اعتاد الهاشميون منذ تأسيس الدولة، لكن المشهد بشكل عام لا يوحي بأن هناك احتواءً فعلياً لما يحدث، بل توسّع الشرخ إلى أبعد من مكوّن أردني فلسطيني، عشائر وأخرى، بل وصل إلى مواطن أردني مسيحي وآخر مسلم. ينعكس ذلك في سلوك حكومي يشي، بكل وضوح، بأن لا أحد يعلم بالفعل مصدر تلك الرؤية، إن كانت هناك واحدة، تسير عليها السلطة التنفيذية الأردنية في الوقت الراهن، خصوصاً أن رئيسها يغيب عن المشهد عند كل حادثةٍ حرجةٍ كما يتداول الأردنيون.

يتحتّم على كل من يساهم في صنع تلك القرارات أن يعلم يقيناً أن ما نراه من خرق للسقوف في مواقع التواصل الاجتماعي الأردنية هو أعلى بكثير خلف الأبواب المغلقة التي تفضل الأغلبية الصامتة الاحتفاظ به لنفسها، خوفاً من الفوضى أو خوفاً من العواقب، أو يأساً وإحباطاً من التغيير.

أضف تعليقك