مع تصاعد معدلات التضخم، وتراجع الأوضاع الاقتصادية، تعالت الأصوات و المطالبات، بضرورة رفع الحد الأدنى للأجور، لتحسين الظروف المعيشية والاقتصادية للعمال، في ظل التحديات الاقتصادية الحالية الصعبة.
كما تأتي هذه المطالب مع المخاوف المتزايدة جراء احتمالات ارتفاع الأسعار، نتيجة لتداعيات الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة، وتحديدا أزمة البحر الأحمر.
وتستند المطالبات بنص المادة 52 من قانون العمل رقم (8) لسنة 1996، حيث بدأت الحكومة العمل بالحد الادنى للأجور في عام 2000 بمبلغ 80 دينار، ومن ثم تم رفعه بشكل تدريجي ليصل في عام 2020 الى 260 دينارا.
في ظل هذه التطورات، كانت قد أثارت قرارات الحكومة في كانون الثاني من عام 2023 جدلا واسعا، حيث تراجعت عن تنفيذ رفع الحد الأدنى للأجور الذي تم التوصل إليه باتفاق اللجنة الثلاثية، وقررت الإبقاء على الحد عند 260 دينارا بدلا من 271 دينارا، هذا القرار أثار انتقادات حادة، حيث اعتبره الكثيرون خطوة خاطئة تؤثر سلبا على العمال وتزيد من صعوبات أوضاعهم الاقتصادية، وسط توقعات بتأثيره السلبي حتى عام 2025.
تثبيت الأجور يشكل تحديا
الراصد النقابي لعمال الأردن "رنان" حاتم قطيش يرى في حديثه لـ "عمان نت" أن قضية رفع الحد الأدنى للأجور تعد قضية هامة، نظرا لتأثيرها المباشر على الشريحة الأكبر في المجتمع، موضحا أن اتخاذ قرار برفع الأجور على المدى البعيد يشكل تحديا في حد ذاته.
ويشير قطيش إلى أن هناك تسارع كبير في ارتفاع الأسعار ونسب التضخم، مما يستدعي إجراء نظرة دورية على أحوال العمال، وتوفير توازن في ظل التحديات الاقتصادية، وبالتالي تحديد أجور مناسبة للعمال لمواكبة تلك التحديات.
ويؤكد أن استمرار العمال في الانتاج يسهم في دفع عجلة الاقتصاد في البلاد، وانه لا يوجد مصلحة في ضعف أحد أطراف الإنتاج الرئيسية وهم والعمال، مشيرا إلى أن تثبيت الاجور يشكل تحديا كبيرا للعمال، خاصة في ظل التوترات المتوقعة بشأن احتمال رفع الأسعار.
وفيما يخص العمال الذين يتقاضون أجورا تعادل الحد الأدنى للأجور، أشار إلى أن معظم أصحاب العمل يتعاملون معهم بشكل غير صحيح في فهم مفهوم الحد الأدنى للأجور، موضحا أن الحد الأدنى ينبغي أن ينظر إليه كفرصة لتطوير مهارات العمال الجدد الذين يدخلون سوق العمل حديثا، وليس كحد أقصى يمكن دفعه للعمال من قبل أصحاب العمل.
تحديات العمال
في العام 2023 سجل ارتفاع التضخم بنسبة 2.08 بالمئة مقارنة مع عام 2022، وفقا لدائرة الإحصاءات العامة، فيما مستويات الأجور لم تتغير بالنسبة للحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص (البالغ 260 دينارا) أو حتى الأجور في القطاع العام وبخاصة علاوة غلاء المعيشة الشهرية البالغة 135 دينارا، التي لم يجر زيادتها منذ نحو 10 سنوات، ما رتّب أعباءاً كبيرة على المستهلكين، وفقا لتقرير المرصد العمالي.
من إحدى التحديات الرئيسية التي يواجهها العمال نتيجة عدم رفع الأجور، هي صعوبة تلبية احتياجات الحياة الاساسية للعائلة، نظرا للارتفاعات المتتالية في الاسعار وعدم استقرارها، مما يضطر الكثيرون الاستغناء عن الأمور الأساسية في منازلهم، وهذا يؤثر على نمو الاطفال وجودة الغذاء وينعكس على الحالة العامة للعائلة، مما يؤدي إلى انعكاسات اجتماعية لاحقا، بحسب الخبراء في القطاع العمالي.
وطالب رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال الأردن مازن المعايطة، بتطبيق قرار اللجنة الثلاثية لشؤون العمل، بخصوص رفع الحد الأدنى للأجور للعام الحالي 2023، بما يعادل نسبة التضخم التي ستصدر العام الحالي، وسريان تطبيق القرار لمدة ثلاث سنوات قادمة، كما نص القرار المتخذ سابقا.
وأكد المعايطة على ضرورة تطبيق القرار لمدة ثلاث سنوات، مستندًا إلى القرار السابق الذي اتخذته اللجنة الثلاثية لشؤون العمل، موضحا أن هذا القرار يهدف إلى وضع آلية ثابتة لاحتساب الحد الأدنى للأجور سنويا، مما يتيح للقطاع الخاص تنظيم أعماله بشكل أفضل فيما يتعلق بحساب الأجور.
أصوات تطالب برفع الأجور
من جانبه، طالب المرصد العمالي الأردني بضرورة رفع مستويات الأجور أكان بالنسبة للقطاع الخاص أو العام بما يتناسب مع المستوى المعيشي في الأردن مشيرا المرصد في بيانه إلى أن هناك احتمالات لمواصلة الارتفاع في معدلات التضخّم خلال الفترة المقبلة، جرّاء العدوان الاسرائيلي المستمر على قطاع غزة، وتداعيات الاضطرابات في البحر الأحمر وباب المندب.
ويؤكد المرصد على ضرورة إعادة النظر في مستويات الأجور ورفعها، وذلك في إطار توجيهات رئيس الوزراء بشر الخصاونة لاتخاذ الإجراءات الضرورية لمواجهة ارتفاعات الأسعار المتوقعة، ويرى أن هذه الخطوة ستمكن المواطنين من تحمل تداعيات الارتفاعات وتخفيف الأعباء عنهم.
ويشير إلى أن هذا الإجراء يتعارض مع ركائز رؤية التحديث الاقتصادي التي أعلنتها الحكومة في عام 2022، خاصةً فيما يتعلق بركيزة تحسين جودة الحياة وتوفير العناصر الأساسية لحياة كريمة. وأكد أن زيادة مستويات الأجور تعتبر أحد العناصر الرئيسية لتحقيق مستوى معيشي لائق للعاملين وأسرهم.
وفي سياق متصل، أوصت ورقة متخصصة صادرة عن تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان، بضرورة رفع الحد الأدنى للأجور بما يتناسب مع معدلات التضخم والغلاء، وتوسيع شمول العاملين في مظلة الضمان الاجتماعي، وتخفيض الاقتطاعات لتعزيز الشمول والوصول لجميع الشرائح.