عالم من الكذب
بعد قرار رئيس الجامعة الأردنيّة بالوكالة د. عزمي محافظة إحالة 27 طالبا إلى مكتب القضايا الطلابية للتحقيق معهم على خلفية الاعتصام المفتوح، وقرار الجامعة بعدم السماح للطلبة بالمبيت داخل الحرم الجامعي، ووصول الطلبة إلى مكان عقد لجنة التحقيق وعدم حضور أعضاء اللجنة، وسط هذا التربص والتمترس الطلابي والرسمي كلٌ خلف أهدافه وإن تغيرت التفاصيل، لا يحضر في ذاكرتي سوى صوت مديرة العلاقات العامة في الجامعة الأردنية ميساء رواشدة وهي تقول لبرنامج طلة صبح "أستاذ محمد الجامعة ستظل كما كانت في عهد الرئيس الطراونة بيت الطلاب وتتعهد بحمايتهم والسماح لهم في الإستمرار في الاعتصام فهم أبنائنا ونحن معهم".. صار الصوت دافعا للكتابة.
عدا أن كلام الليل محاه النهار، وتعهدات الحكومة "صاحبة الولاية العامة" بمحاربة الفساد الذي يقسمه صحافيون إلى فساد أصغر وأكبر، تبدو الممحاه أكبر حجما عند الحديث عن الشأن الداخلي؛ فمحاربة الفساد والتغني بإستمراريته وعدم تسجيل قضايا فساد في الخمس العجاف التي مضت، يتضارب مع ما نشرت الغد تحت عنوان "رسميا .. قضايا الأردنيين الواردة بوثائق عاصفة الأوف شور خضعت للتحقيق والمحاكمة، ومصدر رسمي يستبعد فتح تحقيق أردني بقضايا أوراق بنما.
غير أنت يا أردن عن كل العالم، الذي بدأ تحقيقا أو صرح مسؤولوه عن نيتهم فتح باب التحقيق، وافترض أن تصريحات قادة العالم تأتي لتفريغ حالة الاحتقان التي ربما ولدتها قرآءة الأوراق.
بعيدا عن القضايا العامة، هناك ملفات يومية يعيشها المواطن، تدل على غياب مفهوم الحكومة ودورها، فهذا ياسر المواطن الأردني المقيم في الإمارات _ التي تحبس الأردني تيسير النجار منذ 115 يوما _ جرده موظف مطار الملكة علياء الدولي من تحفة اقتناها من وسط البلد بقيمة 150 دينارا، وألحقه بالطائرة دون تسليمه أي وصل بأن المادة قد صودرت، وهي لا تخضع لرسوم جمركية، ومنعه من إرجاعها لذويه في قاعة توديع المسافرين.
يقول بحرقة "تم تشليحي قطعة خاصة بي من قبل موظف يمثل المملكة، ولا أريد أن أشهر بالأردن موطني العزيز"، اختفاء القطعة والموظف المصادر وشركات الأوف شور والنية الحكومية لفتح تحقيقات أو تعديل القوانيين الناظمة للعمل التجاري والإستثماري الدولي لا يختلف عن اختباء رادار السير في شوارع الأردن خلف الشجر والتلال لتسجيل مخالفات على السائقين، ليتحول شعار (المواطن أغلى ما نملك) إلى المواطن وماله أغلى ما نملك.
قصص كثيرة عنوانها "عالم من الكذب"، كما يقول المفكر والأكاديمي اللبناني د. مصطفى حجازي، "في العالم المتخلف يكذب المتسلط على المقهور بوعود إصلاحية وخطط تنموية ومستقبل أفضل، ويكذب الإنسان المقهور على المتسلط متظاهرًا بالولاء والتبعية، وهكذا يصبح الكذب جزءًا من نسيج الكيان المتخلف، يكذب الشرطي حين يدَّعي الحفاظ على القيم" .. وهو أول من يخالفها.
ويكذب البائع على المشتري، والحرفي على الزبون، ويكذب الوزير ورئيسه على المستثمر، والرئيس على طلاب الجامعة، والمدير على الموظفين، والناطق الإعلامي على ذوي الأسرى ...
"حتى يصبح الآخر ليس مكافئًا لنا وإنما أداة نستغلها، وعلى كل واحد أن يلعب اللعبة كما تسمح إمكانياته، وويل لذي النية الطيبة فإنه لا يخسر فقط من خلال استغلاله، وإنما يزدرى باعتباره ساذجًا وغبيًا"، ليتحول لاحقا بإرادته أو عنوة إلى فاسد صغير، ويسجل على لائحة الشرف كذابا.