طلاسم مرورية
لعل القراء يتكرمون بالمساعدة بتفسير الحالة المرورية في بلدنا، فلدينا ظواهر يصعب تفسيرها ولا أعلم كيف يمكن علاجها، ولكنها مسائل لا يمكن تجاوزها أو عدم التفكير بها برغم أنها تصيب الإنسان بالصداع والضغوط الصحية والنفسية الهائلة.
تنعطف إلى اليمين وتبدأ بمحاولة السير في مسرب الشمال لأنك بحاجة أن تنسجم في مسارك مع إشارة الشمال إلى حيث تريد، فلا يسمح لك أحد من السائقين الذين يسوقون بسرعة كبيرة برغم أن الإشارة حمراء وسيتوقفون أمامها بعد عشرات الأمتار، وتنجح أخيرا بالدخول إلى مسرب الشمال، ولكن عندما تضيء الإشارة الخضراء يبقى السائق الذي كان يسوق في شارع داخلي ومزدحم ومليء بالإشارات الضوئية بسرعة "أوتوسترادية" ولا يريد أن يتحرك، برغم أن السيارات المجاورة له تحركت ولا بد أنه عرف أن الإشارة تغيرت، ويتحرك أخيرا بسرعة بطيئة جدا هذه المرة، وكأنه مستمتع بتأخيرك وإغاظتك برغم أنه لا يعرفك ولا تعرفه إلى درجة أنك تظن أنه يعرفك بالفعل ويعرف أنك تنتقد العمليات الانتحارية وهو يؤيدها، لماذا نستغرب كيف ينفذ بعض الناس عمليات انتحارية ونحن نرى كل يوم مئات الحالات من طريقة السواقة على نحو يؤكد لك أن هؤلاء السائقين "أبطال استشهاديون" وتخزي الشيطان وتصبر على جهد البلاء، وتقرر أن تغير مسارك وتبتعد عن الشر، ولكن صدقوني عندما شعر أني سأغير اتجاهي أوقف سيارته وحاول أن يسبقني إلى الاتجاه الذي سلكته! هل كان الشاب يسير من دون هدى ولا يعرف له وجهة، هل راقبتم تقاطعات الطرق ولاحظتم كم مرة يغير السائق اتجاهه بلا سبب ولا هدف سوى أن يمنع سيارة أخرى تنتظر من المرور، لماذا يزيد سرعته عندما يرى سائقا آخر ينتظر ويتوسل فرصة للخروج من التقاطع؟
وعندما تحاول أن تطبق بعض ما تعلمته من مبادئ السلامة المرورية تدخل في مغامرة ومعركة خاسرة تجر عليك الشتائم والإشارات "غير اللائقة" وقد يقع حادث مروري، فإذا حاولت أن تترك مسافة بينك بين السيارة التي أمامك يصبح هذا الفراغ هدف جميع السائقين من اليمين والشمال برغم أن هذا الانتقال لا يساعد أبدا في شيء، فسلسلة السيارات تسير بسرعة واحدة شبه إجبارية ولا يغير من الأمر شيء أن يغير أحد مساره، فتصبح مهددا من جميع الاتجاهات، وتجد أنه ليس أمامك خيار سوى ألا تزيد المسافة بينك وبين السيارة التي أمامك عن 9 مليمترات لأنها في اللحظة التي تصبح سنتميترا واحدا تصبح هدفا للمظليين.
وإذا توقفت عند إشارة الوقوف الإجباري عندما تنتقل إلى شارع آخر ذي أولوية عليك يكاد الذين من ورائك أن يسحقوك وهم يطلقون منبهات السيارات المرعبة، ولا تملك سوى الفرار إلى مغامرة انتهاك الأولوية فربما تنجو من الموت المحتم، وإذا حاولت أن تسمح لسيارة أو مشاة بالمرور فإن آباءك وأجدادك يتعرضون لكل أنواع اللعنات والشتائم، وفي بعض الأحيان لا يكون لك خيار لأن المشاة هم الآخرون يكونون في بعض الأحيان يائسين وانتحاريين أو يكون السائق القادم من شارع فرعي قد وضع نصف سيارته في مسارك، ويحدث كثيرا أن ينعطف السائق من ورائك بنزق وسرعة إلى المسار الأيمن ويصر على منع المشاة من المرور حتى لو ضربهم بسيارته، كما حدث على سبيل المثال للطفل زيد الرشواني الذي حاول أن يقطع الشارع عندما توقفت السيارة ولكنه فوجئ بسيارة تأتي من اليمين مسببة له شللا دائما! وربما كان زيد محظوظا فقد تبقى له من المقدرة الجسدية ما يستخدم العربة ويواصل مسيرته في الحياة بإصرار وعزيمة ليحصل على معدل ممتاز في الثانوية العامة ومنحة دراسية من الديوان الملكي، ولكن زيد زيادات مازال مستلقيا منذ أكثر من عشرين سنة على سريره غير قادر على الحركة بدون مساعدة!
وهناك لغز آخر لم أفهمه أبدا، وجدت عام 2004 عندما ذهبت لتجديد رخصة سيارتي بأن هناك مخالفة بحقي لأني توقفت وقوفا ممنوعا في إربد عام 2001 وبرغم أني لم أفهم لماذا لم تظهر المخالفة عام 2002 وبرغم أني كنت في ذلك العام في الدوحة فقد دفعت المخالفة وأمري إلى الله، ولكن المخالفة نفسها ظهرت مرة أخرى عام 2008 ودفعتها مرة أخرى!
*الغد