صور القذافي: بين التسبب بالأذى ونقل الحدث كاملا

صور القذافي: بين التسبب بالأذى ونقل الحدث كاملا
الرابط المختصر

انتشرت في وسائل الإعلام المحلية والدولية صور الرئيس الليبي معمر القذافي بعد القبض عليه مضرجا بالدماء، يتلقى ضربات، مهانا ثم جثة هامدة معروضة أمام كاميرات الإعلام وعامة الليبيين.

وتعددت اجتهادات محرري الصحف، التلفزيونات ومواقع الالكترونية الإخبارية، في كيفية نشر أو بث الصور والفيديوهات التي توفرت جميعها كاملة على الانترنت وشبكات والتواصل الاجتماعي.

وتبقى خصوصية الصحف الورقية التي نشرت صورا للقذافي، ميتا، مدرجا بالدماء أو مهانا، مما لها من تأثير أكبر على قرائها من ناحية ثبات الصورة وظهورها جلية على الصفحات الأولى، وتحديدا الجزء العلوي، خلال عرضها على واجهات الجرائد في الأسواق والمرافق العامة، يشاهدها الأطفال والكبار قصرا ومن دون تخيير أو إنذار مسبق قبل تعرضهم لمشاهد قد تكون قاسية وتتسبب بالأذى.

هكذا كان حال الصحف اليومية، "الرأي" و"الغد" و"الدستور"، في اليوم التالي لمقتل القذافي، فيما تفردت "العرب اليوم" التي اختارت تخفيف أثر الصورة بنشرها في الجزء السفلي للصفحة الأولى بحيث لا تكون ظاهرة خلال عرضها على واجهات الجرائد، وفقا لرئيس تحريرها فهد الخيطان.

المحامي والمحاضر في المعهد الأردني للإعلام، د. صخر الخصاونة، يرى أن ما نشرته وعرضته وسائل الإعلام المحلية والأجنبية من صور القذافي وصور الجثث أو الأجساد الملطخة بالدماء "تشكل مخالفة لمعايير أخلاقيات العمل الصحفي، لأن من شأنها أن تضر بأهل المتوفى وتسبب أذى نفسي للمتلقي، وبذلك تخالف المعايير الدولية المتعلقة بحرمة الجسد والأموات".

وفي رأي رئيس تحرير صحيفة الغد، فؤاد أبوحجلة، يمكن لقارئ الصحيفة الورقية أن "يقرر طوعيا رؤية الصورة أو عدم رؤيتها، كما الحال مع مشاهد قناة الجزيرة الذي يستطيع أن يقرر مشاهدة الجثة أو الانتقال إلى محطة أخرى".

ويعرض أبوحجلة في حديثه "لعين على الإعلام" مبررات قرار الصحيفة بنشر صورة القذافي ميتا في الجزء العلوي من الصفحة الأولى، ويقول لعين على الإعلام: "ما فعلناه ليس فيه تجاوزا أخلاقيا، نحن التزمنا فيما نرى أنه موضوعي ومهني في عدم تغييب الحقيقة ونرى أن حق القارئ معرفة التفاصيل وأن يرى الصورة ضمن حدود معينة لا تتجاوز الأخلاق".

ويوضح أن الصورة التي نشرتها الغد "لم تكن صورة تنتهك حرمة الموت، كانت صورة تؤكد مقتل الرجل، صحيح أنه كان مضروبا وعلى وجهه دماء لكن قارئ العنوان "القذافي قتيلا" الذي نشر بجانب الصورة يتوقع أن تؤكد الصورة هذا المعنى".

لكن نشر الصور، بالنسبة للمحامي والأكاديمي الخصاونة، "لا يمكن تبريره من باب حرية التعبير أو من باب تأكيد مصداقية الخبر، لأن للإعلام وظيفة اجتماعية ودور تنموي، يجب أن يستند إلى قيم المجتمع وثقافته بحيث لا تتسبب في إهانة شعور وكرامة الأفراد المتلقين".

ويضيف: "يوجد ضرر غير مباشر على الأطفال والكبار، لكن القوانين لدينا لا تتيح مقاضاة وسائل الإعلام في هذا المجال لأن القوانين تتيح التعويض عن الأضرار المباشرة التي يمكن إثباتها فقط. الصحف الورقية محكومة بقانون المطبوعات والنشر الذي تطرق في أكثر من مادة إلى ما يمكن أن يسئ إلى شعور أفراد أو يشكل إهانة لكرامتهم الشخصية. لكن الإشكالية القانونية في نشر هذه الصور أن حق إقامة الدعاوي أو مقاضاة الصحف والمطالبة بالتعويض تقتصر على أهل المتوفى".

قرار نشر الصور في صحيفة الغد لم يكن سهلا. يقول رئيس تحريرها: "في البداية كنا في حيرة من أمرنا لأن ما جرى لم يكن أخلاقيا في الأساس. لكن مهمتنا في الإعلام نقل ما يجري وليس التعتيم عليه أو تجنب توضيح بعض التفاصيل لأنها قد تكون مؤذية للعين أو قد تساعد على تشفي بعض الفئات".

ويتابع أبوحجلة: "ندرك كل ذلك وأخذنا قرار بالحد الأدنى الذي يقتضيه نشر صورة القذافي قتيلا حتى يكون في الصورة رد على من قال في ذلك اليوم أن من اعتقل وقتل لم يكن القذافي. فيما عدا ذلك كتبنا ما يدين الممارسة الهمجية في التعامل مع القذافي عند القبض عليه وقتله وفي الأيام التالية انتقدنا عرض صور جثته وجثة ابنه ليشاهدها المتشفون"، يضيف أبوحجلة.

ويلفت رئيس التحرير إلى الصور التي بثتها وكالات أنباء يصفها بأنها "تدعي الالتزام بمعايير أخلاقية عالية"، ويقول: "نحن لسنا أنبياء لكن لدينا قناعة تامة بحق القارئ والمتلقي بالمعرفة، إذا كنا نريد أن نلبي هذا الحق بالمعرفة يجب أن نقدم المعلومة، كلمة وصورة، عندما يكون ذلك ممكنا. وهناك الكثير من الصور والكلام الذي لم تنشره الغد في الأيام التالية من ممارسات همجية".

ويبقى قرار وسائل الإعلام كيفية نشر أو عدم نشر صور الجثث أو الأجساد المضرجة بالدماء أو الأشخاص في أوضاع مهينة لكرامتهم، موضوع نسبيا يعتمد على اجتهادات كل وسيلة في فهمها وتقديرها لأخلاقيات المهنة ودورها في المجتمع وأولوياتها.

ففي حين فضلت صحف تخفيف أثر الصور التي قد تسبب الضرر للمتلقي أو لأهل صاحب الصورة وذلك بنشر أو بث الحد الأدنى من صور بعيدة لا تركز على الوجه أو الاصابات الدامية، وعرضها لمرة واحدة من دون تكرار، كما فعلت فضائية بي بي سي العربية. اختارت فضائية الجزيرة عرض صور أظهرت الحدث جليا وبشكل متكرر في تأكيد لمصداقية الخبر ونقل الحدث كاملا للمشاهد.

للاستماع للحلقة والاطلاع على المواضيع الإعلامية عبر موقع: عين على الإعلام