صعوبة الوحدة المسيحية وضرورة تعريب قيادة الكنائس

الرابط المختصر

انتهى أسبوع الصلاة من أجل الوحدة المسيحية، للسنة الثالثة عشرة على التوالي، من دون أيّ تقدّم في هذا المجال، فقد أقيمت صلوات في القدس، شارك فيها رؤساء الكنائس والجمهور المسيحي من كل الطوائف، حيث جرى التجاوب مع دعوة مجلس كنائس الشرق الأوسط لإحياء هذا التقليد السنوي الرائع، فقد ترك قرار رؤساء الكنائس في القدس تلبية دعوة المعايدة السنوية في مقرّ رؤساء إسرائيل في القدس الغربية ظلاله على جمع المسيحيين، ليس فقط في القدس وباقي فلسطين، بل أيضا في الأردن المجاور.

قوبل لقاء رئيس دولة الاحتلال هيرتسوغ في ظلّ العدوان على أهلنا في غزّة بالرفض وبيانات الاستنكار ومقاطعة جزئية من بعض الكنائس. وقد قدمّت الناشطة المقدسية المسيحيّة هند شريدة مداخله معمّقة وقوية نُشرت على موقع ملح الأرض، المختصّ بالمكوّن المسيحي في فلسطين والأردن، عرضت خلالها أساس المشكلة، وهو وجود أجانب في مواقع القرار، وعرّجت على ضرورة تعريب الكنيسة. وتساءلت شريده عمّا هو المطلوب من أبناء الطوائف المسيحية، ولكي لا تكون الإدانة الاستنكارية آنية، أو حتى موسميّة، فتخمَدُ مع الوقت، ولكي نستثمر الرّفض الحاصل في حراكٍ واعٍ، مدركٍ أننا نعيش في سياقٍ احتلاليّ مُرَكّب، يعاني فيه المسيحيون من احتلالاتٍ عدة؛ يجب أن يتولد حِراك فلسطيني وطنيّ أصيل وفاعل، يتابع، بشكلٍ حثيث، ما يحصل مع رؤساء الكنائس، ولا يكتفي بإظهار استنكار لحظي على زيارة هرتسوغ، وكأنها حدثٌ منفصل عن متوالية الأحداث الأخرى، وإنما يجدر التساؤل عن الدور الحقيقي للكنيسة، ورسالتها المبنية على الإيمان والرجاء والمحبة، ومساءلة رؤساء الكنائس والبطاركة عن أدائهم وتصرّفهم بالموارد المسيحية الفلسطينية، ومطالبتهم، على اختلاف طوائفهم، بالإفصاح عن موازنتها ونشرها على مواقعهم الإلكترونية اقتضاءً بمبادئ الشفافية. كما يجدُر على الحِراك أن يكون متيقّظاً للتقاطعات التي يتمادى بها بعض رؤساء الكنائس، متجاوزين السيادة الوطنية على الممتلكات والمقدّسات، وتصرّفهم بالأوقاف الكنسية كما يحلو لهم، وعلى نحوٍ مخالفٍ للقانون، غير مكترثين لجسم الكنيسة من جماعة المؤمنين الذين يشكّلونه. وبذلك علينا أن نقف ندّاً، ونضع حدّاً، ونكمل نضالنا وصولاً إلى تعريب الكنيسة، كنيسة الفلسطيني الأول السيد يسوع المسيح، له كل المجد.

ليست الدعوة إلى تعريب الكنيسة جديدةً، حيث يجلس حالياً في أعلى مناصب الطائفة الارثوذكسية، التي تمثل أكبر شريحة من المسيحيين العرب في المشرق، ومنذ القرن الخامس عشر، ومن دون انقطاع، مواطنون من دولة اليونان. ورغم استقبال الشعب الفلسطيني بحفاوة تعيين البطريرك ميشيل صباح إبّان الانتفاضة الأولى، ثم البطريرك فؤاد طوال، بحفاوة في المنطقة، إلا أن الكنيسة الكاثوليكية عادت إلى تعيين أجنبي (إيطالي) بطريركاً للقدس للاتين فيها، وجرى أخيرا ترفيعه إلى كاردينال، ما يعني أنه أصبح عضواً في مجلس الكرادلة الذي ينتخب أهم شخصية في الكنيسة الكاثوليكية وقد يكون هو المختار.

احتجّ المواطنون المسيحيون في فلسطين والأردن على ما حدث، وخصوصا في الأيام التي تلت اللقاء مع الرئيس الإسرائيلي، حيث نُشرت صور للقاء، وخلف المذكور أعلام إسرائيلية، وبعد أيام، نشرت صور للرئيس نفسه وهو يوقع على صواريخ ستُستخدم لقتل أبناء الشعب الفلسطيني في غزّة، وهو الذي جرى ذكر تصريحاته العنصرية التي نزعت الإنسانية عن الشعب الفلسطيني ضمن شكوى الإبادة الجماعية لدولة افريقيا. وأقيمت الندوات وجرى التوقيع على بيانات في الأردن وفلسطين، إلا أنها لم تغير شيئاً.

استمرّت حالة الغضب والاستنكار عندما قرّر الفاتيكان، وبتأييد من بطريركية اللاتين التي تشمل أكثر من 80 ألف كاثوليكي، إرسال مطران اللاتين في الأردن جمال خضر دعيبس، فلسطيني المولد، إلى الصومال وجيبوتي، اللذين لا يزيد المسيحيون فيهما على ألف شخص، ما اعتبره كثيرون، وخصوصا أبناء قرية الزبابدة الفلسطينية، أنه قرار جائر، وجرى توقيع أكثر من ألف شخص على عريضة اعتراض، إلا أن ذلك لم يغيّر القرار.

تتجلى فكرة الوحدة المسيحية في مشكلة تعدد الاحتفالات بالأعياد المسيحية، حيث يُحتفل في القدس وبيت لحم ثلاث مرّات لطوائف مسيحية مختلفة، وفي عيد القيامة، يُحتفل في موعدين. ومن المتوقّع أن تكون الفترة بين عيد القيامة (أو عيد الفصح) أكثر من شهر، حيث سيحتفل من يسيرون على الرزنامة الغربية في 31 مارس/ آذار، في حين أن الاحتفال لمن يسير على الرزنامة الشرقية سيكون في 5 آب (في حين سيكون العام القادم سنة كبيسة تلتقي الاحتفالات في اليوم نفسه. قرّر بعض المسيحيين، باستثناء القدس وبيت لحم، الاحتفال بعيد الميلاد في 25 ديسمبر/ كانون الأول (حسب الرزنامة الغربية) على أن يُحتفل بعيد القيامة حسب الرزنامة الشرقية، والذي يتغير كل عام).

اقترح الصحافي المسيحي العربي ألفرد عصفور العمل على كسر هذا التشرذم، حيث نشر مقالاً طالب فيه الاتفاق على الأعياد، خصوصا أن العام المقبل تحل ذكرى ألف وسبعمائة سنة على انعقاد مجمع نيقية الأول، وهو أول مجمّع مسكوني كانت لقراراته آثار عميقة وجذرية على العقيدة وعلى الكنيسة وعلى المؤمنين. وأسرد بالقول: "إذا ما اجتمعت النيات الطيبة والإرادة الصالحة، يمكن الوصول إلى نتائج تخدم العقيدة وتخدم الكنيسة وتخدم المؤمنين، فالأسباب التي أوجدت هذا الاختلاف في التقويم ليست أساسية، والاحتفال بعيد الفصح في تاريخ واحد يكفل خير المسيحيين عامة ويدعم الكيان المسيحي ويصون وحدته".

المطلوب قرارات جريئة للكنائس وللمؤمنين والدول التي تسيطر على الوضع القانوني. إننا لا نزال بعيدين عن الوحدة الحقيقية، التي لا يمكن أن تتم بغياب المحبّة التي اعتبرها الرسول بولس أنها أساس الإيمان المسيحي بقوله "المحبّة لا تسقط ابداً".