صاحب "المزامير"

تعودت على قراءة الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، فضلا عن القرآن الكريم بطبيعة الحال، وكتب أخرى مقدسة لدى المؤمنين بها لعل في مقدمتها كتاب "كنزا ربا" المقدس لدى الصابئة المندائيين قراءة تعرف وبحث، ولا أكاد أترك أسبوعا يمر دون النظر في هذه الكتب التي تذهب بك الى مصدرها الالهي الوحيد بغض النظر عن التفسيرات والتأويلات التي وضعها البشر لتقريب الله تعالى الينا نحن الخاطؤون بطبعنا.

ولربما يكون العهد القديم أكثرها قسوة خاصة تلك الاسفار التي تتعدى الأسفار الخمسة الأولى والتي يقال إن من كتبها بشر تلفعوا بعباءة القدسية وأشاعوا روح"الشرير " في نصوصه واسفاره، فبدا العهد القديم وكأنه كتاب ايديولوجيا وليس كتاب ايمان.

والروح الشرير هو الشيطان أو "سلطان الهواء" كما وصفه الانجيل في أحد أياته،وله أسماء وصفات تعددت دخل بعضها الموروث الثقافي الإسلامي على نحو"بلعز" و"بعلزبول"، والروح النجس "..الخ.

اليوم يذهب المحتربون الى حدود خطيرة حين قررت أمانة عمان إزالة يافطات حملت أية من مزامير داود تقول (أَمَّا الْوُدَعَاءُ فَيَرِثُونَ الأَرْضَ، وَيَتَلَذَّذُونَ فِي كَثْرَةِ السَّلاَمَةِ ) ــ المزامير ــ اصحاح 37 ــ آية 11 ــ قائلة في تبرير فِعلتها "إنها لن تسمح بنشر عبارات تمس الدين أو القيم والعادات والآداب العامة.." ، وهذا أخطر ما في القضية كلها.

ولكل ذي بصر وبصيرة فان الاية مدار القضية كلها لا تتضمن أية عبارات تمس الدين والقيم والعادات والآداب العامة " فالاية تتحدث عن الوداعة التي تعني السكينة والهدوء وفقا لما نصت عليه كل معاجم العربية دون استثناء وفي مقدمتها لسان ابن منظور وصحاح الجوهري ومقاييس ابن فارس..الخ.

فأين هي تلك المبررات من معنى الآية ومضمونها، إلا أن يكون موقف أمانة عمان وما تبع فعلتها من تعليقات وتساؤلات نيابية تتبنى موقفا ايديولوجيا لا يستقيم أبدا مع نزعة"الإنساني " ومنظومة الآخلاقيات التي تضمنتها الكتب المقدسة لدى جمهور المؤمنين بها.

كنت سأقبل قول الامانة في تبريراتها أن الجمعية التي علقت تلك الاية لم تحصل على إذن مسبق، لكن أن تدعي زورا وبهتانا وربما جهلا أن في تلك الآية "عبارات تمس الدين أو القيم والعادات والآداب العامة.." فهذا أمر لا يحتمله العقل بل ويأباه الضمير.

هل قرأ من أصدر هذه التبريرات ما جاء في المزامير(..وَالَّذِينَ يَنْتَظِرُونَ الرَّبَّ هُمْ يَرِثُونَ الأَرْضَ ــ نفس الاصحاح أية 9 )، ثم، ألم يقرأ ما جاء في القرآن الكريم (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِى ٱلزَّبُورِ مِنۢ بَعْدِ ٱلذِّكْرِ أَنَّ ٱلْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِىَ ٱلصَّٰلِحُونَ ــ سورة الانبياء آية 105 )، ألم يلاحظ أن التناص بين المصدرين بمعنى ومضمون لا يختلفان ولا يفترقان؟!.

لن أذهب بعيدا في نقد قرار أمانة عمان، لكن يكفيني التأكيد أن مبررها أثار الكثير من الشفقة على تلك المؤسسة العظيمة كيف تقع في مثل ما وقعت فيه من نشرها هي نفسها (عبارات تمس الدين أو القيم والعادات والآداب العامة ) وليس من علق تلك اليافطة، فقد كانت مبرراتها وكأنها معاول هدم طالت الدين والقيم والعادات والتقاليد والناس والآداب العامة .

وكما قال السيد المسيح عليه السلام( لَيْسَ مَا يَدْخُلُ الْفَمَ يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ، بَلْ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْفَمِ هذَا يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ ــ متى اصحاح 15 اية 11 ).

أضف تعليقك