وسط أجواء من الفرح والحذر في آن معا، خرج الاف الفلسطينيين في شوارع قطاع غزة يحتفلون عقب الإعلان الرسمي عن اتفاق وقف إطلاق النار، الذي أنهى أحد أكثر الحروب دموية ودمارا في تاريخ الشعب الفلسطيني، خلفت أكثر من 67 ألف شهيد غالبيتهم من النساء والأطفال وقرابة 170 ألف جريح، ودمرت بنى تحتية وسويت أحياء كاملة بالأرض.
وأطلق المواطنون الزغاريد، وعلت أصوات التكبير في الأحياء المتبقية، فيما تجمع آلاف الفلسطينيين في الساحات العامة، يتبادلون التهاني ويعبرون عن ارتياحهم لخلاص طال انتظاره.
لكن خلف مشاهد الفرح، حذر الدفاع المدني في غزة المواطنين من العودة إلى المناطق التي كانت تحت سيطرة قوات الاحتلال، قبل التأكد من انسحابها الكامل وتطهيرها من المخلفات الحربية، في وقت لا تزال فيه فرق الإنقاذ تواصل أعمال البحث تحت الأنقاض في ظل دمار واسع النطاق.
اتفاق برعاية ثلاثية وضغوط أمريكية
أعلنت حركة المقاومة الإسلامية حماس التوصل إلى اتفاق نهائي لوقف إطلاق النار برعاية أمريكية وقطرية ومصرية، يتضمن انسحاب قوات الاحتلال من غزة، وإدخال المساعدات الإنسانية، وتبادل الأسرى.
وأكدت الحركة في بيان رسمي أنها خاضت مفاوضات مسؤولة وجادة حول مقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في شرم الشيخ، بهدف إنهاء حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني، مشيرة إلى أن الاتفاق يقضي بانسحاب كامل للاحتلال ودخول المساعدات وتبادل الأسرى.
من جانبه، أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية، ماجد الأنصاري، فجر الخميس، أن الوسطاء توصلوا إلى تفاهم يشمل جميع بنود وآليات تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق، التي تتضمن الإفراج عن 250 أسيرا محكومين بالمؤبد و1700 معتقل منذ السابع من تشرين الأول 2023، مقابل إطلاق سراح عشرين محتجزا إسرائيليا، بينهم أحياء وجثامين.
وتشمل المرحلة الأولى كذلك انسحابات إسرائيلية مجدولة زمنيا من مناطق واسعة في القطاع، فيما رجح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن يبدأ تنفيذ تبادل المحتجزين يوم الاثنين المقبل، مؤكدا أن الرهائن سيعودون إلى منازلهم، وسيسلم جثث الموتى ضمن الصفقة.
ورغم الإعلان عن وقف إطلاق النار، لا تزال بعض مناطق القطاع تتعرض لقصف متقطع، مما يعكس حالة الارتباك داخل المؤسسة السياسية والعسكرية الإسرائيلية، بحسب الخبير العسكري والمحلل السياسي الدكتور نضال أبو زيد .
ويقول أبو زيد إن الجيش الإسرائيلي تجرع سم الاتفاق، إذ اضطر إلى قبول تسوية لا تتماشى مع طموحات قيادته السياسية، مضيفا أن المؤسسة العسكرية تجد نفسها مجبرة على تنفيذ اتفاق لا يرغب به نتنياهو ولا شركاؤه في الحكومة، بعدما فشلوا في فرض معادلة النصر المطلق.
ويوضح أن قرار وقف إطلاق النار لن ينفذ فعليا قبل الساعة الثالثة عصرا، أي بعد اجتماع المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية الكابينت، مرجحا أن نتنياهو يحاول المراوغة وتأجيل التنفيذ رغم أن الموعد المعلن هو الثانية عشرة ظهرا، معتبرا أن التباطؤ في الانسحاب يعكس قلقا استخباراتيا إسرائيليا من استهداف المقاومة للقوات المنسحبة، مؤكدا أن العملية حساسة ومعقدة بسبب الكتلة البرية الضخمة التي يجري سحبها شرق طريق صلاح الدين.
تحول في الموقف الأمريكي
من جانبه، يعتقد أستاذ العلوم السياسية الدكتور بدر ماضي أن هذه الحرب وصلت إلى نهايتها المحتومة، مشيرا إلى أن الإدارة الأمريكية توصلت إلى قناعة بأن الحرب لم تستنزف الفلسطينيين فقط، بل استنزفت الولايات المتحدة نفسها سياسيا وأخلاقيا.
ويقول ماضي إن الحرب كشفت زيف منظومة القيم التي يروج لها الغرب، ولم يعد أمام واشنطن سوى ممارسة أقصى درجات الضغط على الحكومة الإسرائيلية لإنهائها، مضيفا أن الرئيس ترامب أجبر نتنياهو على القبول بالاتفاق بعد إدراكه أن استمرار الحرب أصبح عبئا على الولايات المتحدة والعالم الحر، متوقعا أن إسرائيل ستستغل كل دقيقة قبل توقيع الاتفاق لممارسة المزيد من الضغط على الجانب الفلسطيني، أو لإرسال رسائل بأنها قادرة على العودة إلى خيار الحرب متى أرادت.
وحول الضمانات لمنع تجدد العدوان الإسرائيلي، يرى ماضي أن الأمر سيعتمد على التفاهمات التي سيتضمنها الاتفاق النهائي، وخاصة تلك المتعلقة بمستقبل القطاع ودور حركة حماس في المرحلة المقبلة.
ويشير إلى أن البنود التي تتحدث عن نزع السلاح والعفو المشروط ما تزال غامضة، معتبرا أن الصيغة الحالية للاتفاق لا تتيح مستقبلا واضحا للمقاومة المسلحة في غزة، وهو ما يمثل تحولا جوهريا في المعادلة السياسية والعسكرية.
ويطرح ماضي سيناريوهات عدة للمرحلة المقبلة، أبرزها تشكيل لجنة إدارية مؤقتة لإدارة قطاع غزة لمدة تتراوح بين ثلاث إلى خمس سنوات، تضم شخصيات تكنوقراط وفصائل فلسطينية توافقية، تمهيدا لإعادة الإعمار بدعم دولي.
هذا ويحذر خبراء من محاولات تهجير ناعمة قد تمارس عبر تسهيلات اقتصادية ومعيشية خارجية، في ظل تقديرات تشير إلى أن نحو 25% من سكان القطاع يفكرون بالهجرة إذا فتحت الحدود بشكل دائم.












































