سماوي: انتمائي الأول إلى علمي الأردني وهويتي العربية الأردنية الهاشمية
قدم وزير الثقافة جريس سماوي استقالته إلى رئيس الوزراء قال فيها: لقد حصلت على الجنسية الأمريكية في صغري بحكم الهجرة المؤقتة للعائلة آنذاك قبل أن أقرر الاستقرار نهائياً في بلدي قبل أكثر من اثنين وعشرين عاماً, وان انتمائي الأول إلى علمي الأردني وهويتي العربية الأردنية الهاشمية.
وفيما يلي نص الاستقالة:
دولة الدكتور معروف البخيت
رئيس الوزراء الأفخم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد,
انسجاماً مع التعديلات الدستورية الأخيرة واحتراماً للمشرّع الأردني وللدستور, أضع بين يدي دولتكم استقالتي من عملي وزيراً للثقافة.
لقد تَشرّفت يا دولة الرئيس بالخدمة بمعيتكم وأنتم تقودون المرحلة الصعبة التي نمرّ بها وتسرعون الخطى نحو الإصلاح برؤى وتوجيهات صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم (حفظه الله) يرافقكم في ذلك خُلقٌ رفيع عرفناه في شخصكم ونبلٌ وكياسة ونزاهة وسعة صدر وتحمّل هو تحمل النبيل وصبر الكبير, صبر لم نره إلا لدى الرجال الأولين , أبناء الحراثين, في وطننا الحبيب, حكماء الأرض والزرع, المؤمنين بالتراب والمجبولة أقدامهم بطينه النبيل.
ولعلَّ من الحقِ يا دولة الرئيس أن أنوّه الى أن القفزة النوعية التي قفزتها وزارة الثقافة في مشاريعها الرائدة والتي وصلت بالفعل الثقافي إلى كافة محافظات المملكة قد بدأت بخطة طموحة عام 2006 في عهد حكومتكم الأولى, وأن القفزة الجديدة التي اتسمت بالعمل الثقافي الميداني والوصول إلى الناس والمبدعين منهم فرادى وجماعات قد حدثت أيضاً في عهد حكومتكم هذه حيث وصلت الخدمةُ الثقافية إلى كل فرد معنيٍّ بها على مساحة خريطة المملكة.
أما وقد أنهيتُ خدمتي معكم في هذه الحكومة وقبلها عندما كنت أميناً عاماً فإني أرى لزاماً علي أن أقول أن الدولة في كل المواقع التي شغلتها قد أعطتني وأفاضتْ, وكرمتني وزادت, ومنحتني ما لم ولن قد تمنحه لي دولة أخرى مهما كانت جنسيتها. وإنني أحني رأسي احتراماً لكل الذين منحوني الفرصة والمنبر والمساحة ولكل الذين تلقفوا إبداعي الشعري والأدبي والفني والوظيفي واحتفوا به احتفاء عالياً فلقد كنت محاطاً بالتكريم ومغموراً بالحب والتقدير من أبناء وطني وقيادتي.
لقد أفصحت عن كوني أحمل جنسية أجنبية منذ اللحظة الأولى التي بدأ بها نقاش هذه المادة تحت قبة البرلمان, فصدعت للأمر, وسارعت بعد اتخاذ قرار عدم ازدواج الجنسية إلى التخلي عن الجنسية الأجنبية في السفارة رسمياً وبأقصى سرعة.
لقد حصلت على الجنسية الأمريكية في صغري بحكم الهجرة المؤقتة للعائلة آنذاك قبل أن أقرر الاستقرار نهائياً في بلدي قبل أكثر من اثنين وعشرين عاماً, ولقد حصّلت في أمريكا العلمَ والمعرفة والاطلاع وتعرضتُ إلى أعلى ما تنتجه مدينة مثل نيويورك من فنٍ وثقافة ومسرحٍ وموسيقا وفي لحظةٍ ما في أواخر الثمانينيات وبدايةَ التسعينيات طرحتُ على نفسي سؤال الهويّة: هل أصبح أديباً مهجرياً مثل جبران خليل جبران وإيليا أبو ماضي أم أعود إلى وطني فأنتمي إليه? ذلك الوطن الذي كان رفيقي في حلّي وترحالي أشمُ رائحةَ زيتونه وعنبه ودواليه وترابه, مؤمنا بوطني الاردني الحبيب وبقريتي الفحيص, وجذورها الغسانية العروبية حيث تهجأت في مدارسها لغتي الاولى وتعلمت في شوارعها وحواريها وملاعبها الانتماء للتراب الوطني والولاء للهاشميين.
ولقد اتخذت قراري بالاستقرار في بلدي دون رجعة وبدأت خدمةً ممتعة في التلفزيون الأردني ثم في مهرجان جرش فوزارة الثقافة فرحاً بما أنجزُ, فرحاً بألق العيون المشجّعةَ من حولي, فرحاً بالأطفال والناس مفتخراً بما تمثله الدولة من أنموذج حديث حر منفتح وما تمثله قيادتي الهاشمية ممثلة بصاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني والهاشميين, من قيادة عصرية ديمقراطية حضارية ضاربة الجذور في التاريخ والأصالة وشامخة الفروع نحو فضاء الحرية والتسامح والعدل وتكافؤ الفرص الذي عهدناه في الهاشميين.
لقد تأسست دولتنا الأردنية على الانفتاح على الآخر وعلى مفهوم عروبي إنساني واسع, فلم يكن غريباً أن يكون أول رئيس وزراء لهذه الدولة الفتية هو رشيد طليع غير الأردني ("جنسية") اللبناني الجنوبي الذي رافق الملك الشهيد عبدالله الأول مؤسس المملكة هو الذي شارك في حرب الاستقلال اللبناني واستشهد على أرض لبنان بعد أن أنهى واجبه رئيساً لوزراء الأردن.
وفي حين كانت الدول الأخرى ذات الحزب الواحد والحكم التوتاليتاري تغلق على مواطنيها الأبواب, كان أبناؤنا يذرعون الأرض مشرقاً ومغرباً متنسمين فضاء الحريّة الذي منحه لهم الهاشميون, يدرسون في أعظم جامعات العالم ويطلون على ثقافاته ولغاته وعلومه ويعودون محملين بالحب والعلم ليخدموا وطنهم. ولقد كنت واحداً منهم أفخر بوطني وأهلي وقيادتي ولم تكن الهويّة يوماً ما بالنسبة لي إلا اقتناعا ضميريا داخليا وعملا أقوم به وواجبا يؤدى ولم يكن انتمائي الأول إلا إلى علمي الأردني وهويتي العربية الأردنية الهاشمية وقيادتي.
أحييكم وأنتم تنهضون بالمسؤولية العظيمة والدقيقة التي كلفكم بها جلالة الملك وأؤكد لدولتكم ولصاحب الجلالة سيدي ومولاي الملك عبدالله المفدى أنني سأبقى جندياً من جنود هذا الوطن خادماً لترابه ورائحة جباله وسهوله, قدماي معفرتان بترابه ويداي تلوحان إلى ضوء الشمس وأفقه المطل على المستقبل العظيم.
وفقكم ووفقني الله في ظل الملك القائد والعلم والدستور.
وتفضلوا دولتكم بقبول فائق الاحترام,
المخلص
جريس حنا سماوي