"سقطة إعلاميّة" في محاورة ضحيّة جريمة الزرقاء

الرابط المختصر

في مخالفة مهنيّة وأخلاقيّة وقانونيّة، أٌقلّ ما يمكن وصفها بـ "سقطة إعلاميّة"، أجرت قناة فضائيّة محليّة وموقع إخباريّ محليّ لقاءً مع الفتى ضحيّة الجريمة البشعة التي وقعت في محافظة الزرقاء.

تباهى الموقع الإخباري بأنّه أوّل وسيلة إعلاميّة تتواصل مع المجني عليه في جريمة الزرقاء البشعة "الفتي ..."، وذكر ذلك في عنوان الفيديو المنشور على صفحتهم الرسميّة فيسبوك، في دليل واضح على أنّ الهدف من إجراء اللقاء تحقيق أكبر قدر ممكن من القراءات والمتابعات ورفع نسبة المشاهدة.

وفي الفيديو الذي بلغت مدته 4:22، أجرى الصحفيّ حواراً هاتفيّاً مع المجني عليه وطرح عليه مجموعة من الأسئلة، لمعرفة تفاصيل الجريمة وعدد الأشخاص المعتدين، وحول شعوره لحظة تعرّضه للتعذيب، وكان واضحاً خلال اللقاء أنّ الحالة النفسيّة والجسديّة للفتى الضحيّة سيئة للغاية، وفي محاولة فاشلة لمواساة الفتى، قال الصحفيّ "هاي الجريمة البشعة رحمة من الله إلك".

بينما أجرت القناة الفضائيّة المحليّة، صباح اليوم، خلال نشرتها الإخباريّة في الساعة التاسعة والنصف، لقاءً مطوّلاً، عبر الهواء مباشرة مع الضحيّة، يقارب الـ 6 دقائق، وعنونت الفيديو المنشور عبر الموقع الرسمي "بحرقة وألم ودموع، الفتى صالح ضحية "جريمة الزرقاء" يكشف ما تعرض له"، والذي تمّ تقديمه على شكل تحقيق "سؤال وجواب".

طرح المذيع العديد من الأسئلة والتي تُعدّ في مجملها مخالفة للمعايير المهنيّة والقانونيّة والأخلاقيّة، وذلك لعدّة أسباب أهمّها: الحالة النفسيّة والجسديّة الصعبة التي يمرّ بها الفتى صالح، حيث لم يكن حديثه مفهوماً في الكثير من الأحيان، فيما أجاب على بعض الأسئلة بالبكاء وهو في حالة إنكار لما حدث.

الأمر الثاني، ما هي القيمة الإخباريّة المتأتية من سؤال الضحيّة عن التفاصيل، والقضيّة منظورة أمام القضاء والمجني عليه في حالة نفسيّة سيئة للغاية، ومن الممكن أن يدلي بتفاصيل ومعلومات تؤثر على مجرى سير العدالة، وهو ما حدث فعلاً، حيث أعلن المجني عليه خلال اللقاء عن مجموعة من الأسماء التي شاركت في الاعتداء عليه.

الأمر الثالث، يجب على الإعلام المهنيّ تقديم المصلحة العامة وتجنّب نشر المشاهد القاسية وذكر التفاصيل المؤلمة المتعلّقة بالاعتداء عليه، كي لا يكون لها أثر سلبي على مشاعر الضحيّة نفسه مستقبلاً، أو ذوي الضحيّة، أو مشاعر المواطنين عامة، وفي اللقاء بحث المذيع عن التفاصيل وحصل عليها من خلال حديث الضحيّة المطول وبالتفصيل عن عمليّة الاعتداء عليه وتعذيبه، وتصويره لمشاهد الدم والضرب وتصرّفات المعتدين وغيرها من المشاهد القاسية.

لم يكتف المذيع من التفاصيل واللقاء المطول مع الضحيّة وإنما حاول أيضاً الحديث مع والدة صالح المتواجدة إلى جانبه في المستشفى، إلا أنّ من استلم الهاتف هو "المدعي العام" المتواجد مع صالح وطلب من المذيع عدم نشر أيّة معلومات على لسان الضحيّة، موضحاً "هنالك إجراءات قانونيّة جارية، أرجو عدم نشر أيّة معلومات"، إلا أنّ المذيع أجابه بأنّ اللقاء على الهواء مباشرة، فكان ردّ المدّعي العام "أنتم هكذا تعطلون العدالة".

القناة الفضائيّة أعادت نشر "الفيديو" كاملاً على صفحتها الرسمية فيسبوك، باستثناء مداخلة المدّعي العام، بينما بقي الفيديو كاملاً مع مداخلة المدّعي العام على "الفيديو" المباشر فيسبوك.

أوضح الدكتور صخر الخصاونة أستاذ التشريعات والأخلاقيّات في حديث سابق لـ "أكيد" أنّ من أهم المبادئ والقواعد المهنيّة والأخلاقيّة التي يتوجّب اتخاذها عند تغطية أخبار الجرائم ومعالجتها، أنَّ مخابرة ذوي الضحايا أو الضحيّة نفسها ومقابلتهم واستطلاع وجهات نظرهم وروايتهم سلوك لا يحمل أيّة قيمة صحافيّة مضافة.

ويضيف: إنّ انتزاع تصريحات منهم وهم لا يزالون في حالة ذهول وصدمة ينطوي على خطأ أخلاقيّ في مهنة الصحافة، لا سيّما إذا كانت القضية لا تزال في طور التحقيقات من قبل الجهات المختصّة، كما أنّ نشر الوقائع والتفاصيل والأخذ بوجهة نظر واحدة يدخل في سير العدالة ويؤثر عليها.

وبيَّن الخصاونة أنّ مثل هذه الجرائم والتي لا تزال مرفوعة أمام القضاء لا يجوز الكشف عن حيثياتها حفاظاً على سلامة مجريات التحقيق وسلامة القضيّة.

 وبحسب قانون المطبوعات والنشر، يؤكّد الخصاونة أنه يحقّ للصحافيّ نشر خبر الجريمة "الصامت" بالإضافة إلى إلقاء القبض على المجرم وتسليمه للقضاء، ويلتزم بعدم النشر منذ بداية التحقيق، ويشمل عدم النشر كافة مراحل التحقيق حتى تُحوّل نتائج التحقيق إلى الحفظ، أو إلى المحكمة للبدء بإجراءات التقاضي بين الخصوم.

ويُذكّر "أكيد" بمجموعة من المواد القانونيّة التي تنظم عمل الصحافة في مثل هذه الظروف والحوادث، منها المادة 39 من قانون المطبوعات والنشر والتي تنصّ على: "يحظر على المطبوعة الصحفيّة نشر محاضر التحقيق المتعلّقة بـأيّ قـضية قبـل إحالتها إلى المحكمة المختصّة إلا إذا أجازت النيابة العامة ذلك. كما أنّ للمطبوعة الصحفيّة حق نشر محاضر جلسات المحاكم وتغطيتها مـا لـم تقـرّر المحكمة غير ذلك حفاظاً على حقوق الفرد أو الأسـرة أو النظـام العـام أو الآداب العامة".

فيما تنصّ المادة 11 من قانون انتهاك حرمة المحاكم رقم 9 لسنة 1959 على:  "كلّ من نشر أموراً من شانها التأثير في القضاة الذين يناط بهم الفصل في دعوى مطروحة أمام أيّة جهة من جهات القضاء في الأردن أو في رجال القضاء أو النيابة أو غيرهم من الموظفين المكلفين بالتحقيق وفق أحكام قانون أصول المحاكمات الجزائيّة أو التأثير في الشهود الذين قد يطلبون لأداء الشهادة في تلك الدعوى أو في ذلك التحقيق أو أموراً من شانها منع شخص من الإفضاء بمعلومات لأولي الشأن أو التأثير في الرأي العام لمصلحة طرف في الدعوى أو التحقيق أو ضدّه يُعاقَب بالحبس مدة لا تتجاوز ستة أشهر وبغرامة لا تزيد على خمسين ديناراً أو بإحدى هاتين العقوبتين"