سرطان الثدي بين الرجال في الأردن ..حقيقة مغفلة
على خلاف الكثيرين..لم يتردد سليمان 39 عاما في مقابلتي في مكان عمله المكتبي في إحدى المؤسسات الحكومية، لا يبدو وجهه شاحبا، لكنه يحمل تفاصيل معاناة لا تغيب عن ذاكرته أبدا، تنفس الصعداء، وقال: لم أتوقع أن أصاب بمرض سرطان الثدي، فمعلومتي المتواضعة أن المرض يصيب السيدات فقط ؟!!!! لم يستطع سليمان أن يخفي تفاصيل صدمته وهو يروي قصته عند سماعه خبر إصابته بالمرض، ليؤخذ وجهه بالتعرق، ويميل وجهه للسواد، ويقول: شعرت بالاستياء وبقيت ساعة لم أتكلم مع أحد، فالمرض لا يمكن أن يصيب الذكور، فليس لدى الرجل أصلا ثدي بارز كما هو المرأة ليصاب به". لكن ما خفف على سليمان وهو أب لأربعة أطفال هو أن الورم رغم مرور عامين عليه إلا أنه لم ينتشر بشكل واضح، كما قال له الأطباء، ليخضع لعلاج كيماوي وهي المرحلة الأصعب التي عزل بها نفسه عن الناس، كما يقول،"أثناؤها تساقط شعري، ووجهي دائم الشحوب، وطوال الوقت أشعر بالتعب والإعياء"، الآن يتلقى سليمان علاجا هرمونيا يداوم عليه بانتظام وبمساندة عائلته وزوجته. ذكور لا يعرفون أن المرض يصيبهم: أظهر استطلاع أجريناه مع 35 رجلا كعينة عشوائية، أن 27 منهم لا يعرفون أن المرض يصيب الرجال، ومعلوماتهم تشير إلى أن المرض يصيب المراة فقط. في حين أظهر 8 رجال معرفتهم بإصابة الرجل ومن دون التفاصيل عن المرض ككيفية الإصابة أو أعراضه ... الخ،، ووسيلة معرفتهم كانت عن طريق وسائل الإعلام وتحديدا التلفاز، كما أكد هؤلاء الرجال على ضعف التوعية بهذا المرض، مشيرين إلى أن حملات التوعية تبدي اهتماما بالنساء فقط. وفي دراسة أجراها الدكتور رامي ياغان اخصائي جراحة أورام وثدي في جامعة العلوم والتكنولوجيا وبالتعاون مع مستشفى الملك عبدالله المؤسس شملت 33 مريضا من ذكور أجريت لهم عمليات جراحية في الجامعة بإربد خلال الفترة بين 96-2002، وتراوحت أعمارهم بين (15-80)عاما، أن الوصف الوبائي لهذا السرطان عند الرجال في الأردن مشابه للغرب، إلا أن هناك حاجة لزيادة الوعي عند المرضى والأطباء. يعرف المختصون سرطان الثدي بمرض تنقسم فيه خلايا أنسجة الثدي وتنمو دون الخضوع لأنظمة التحكم الطبيعية في الجسم. ويؤكد الأطباء أن معدل الإصابة بالمرض في الأردن تتناسب مع معدلات الإصابة في دول المنطقة، ومعدل إصابة الرجل بالنسبة للمرأة في تقرير السجل الوطني لعام 2008 هي 95:1. أسباب إصابة الرجل بهذا المرض ما زالت غير معروفة، ولكنه عادة ما يصيب الكبار في السن ولكن أيضا مسألة العمر ليست مقياسا كسبب للإصابة، وبحسب الدكتور ياسر يامين من مركز الحسين للسرطان والمسؤول عن علاج 8 حالات مصابة بالمركز ، فإن المرض ليس وراثيا ولا علاقة له بعامل وظيفي أو خلقي، ولا علاقة للسكن أو طبيعة العمل بالمرض. الدكتور الطراونة أشار إلى مسببات هرمونية وجينية وراء الإصابة، والتي لا يوجد بينها وبين استخدامات أدوية أو مواد كيماوية او التعرض للإشعاعات أي علاقة للإصابة. علاج المرض يتم من خلال استئصال الثدي، أو معالجة كيماوية وعادة ما يعطى المريض سبع جرعات، ومن ثم علاج هرموني إن احتاج لذلك، أو معالجة اشعاعية عميقة، وتكون نسبة الشفاء عالية جدا عند الالتزام بمواعيد العلاج. الرجال يكتشفون المرض بالصدفة وبعد وصوله لمراحل متأخرة: سليمان كغيره من المصابين اكتشف المرض بالصدفة، ومن خلال شعوره بحكه في منطقة الثدي، ليحس حينها بكتلة صلبة غير طبيعية تحت الثدي، وهذا ما أثار ريبته، وما دفعه لإجراء العديد من الفحوصات، ليتبين بعدها بإصابته بالمرض وأن عمر الكتلة سنتين، لم يظهر حينها أي تغير في كتلة الثدي لأن الكتلة السرطانية لم تظهر بشكل واضح على السطح الخارجي للجلد. طه 65 عاما مصاب بالمرض و يعالج في مركز الحسين للسرطان علاجا كيماويا بعد استئصال الثدي لديه، وذلك لاكتشافه المرض بعد سنتين من الإصابة وصل فيها المرض إلى منطقة الإبط. هو الآخر شعر بورم بسيط تحت الثدي مباشرة ومن دون ألم، لكن وطوال السنتين أخذ المرض يزداد ألما وعلى الرغم من ذلك لم يلق له بالا، معتبرا إياه عرضا عاديا وذلك بعد مراجعته طبيبا عاما الذي لم يتنبه لها أيضا ، وبعد أن أصيب في أحد الأوقات بإنفلونزا قوية استدعته الذهاب للطبيب وأثناء الكشف على صدرة لاحظها و طلب منه مراجعة طبيب جراح وحين ذاك كانت الكتلة مليئة بالدم والصديد ليتضح بعدها أنه مصاب المرض. يقول ظاهر "زيادة حجم المرض كانت بسبب إهمالي، ولم أكن أعلم أن المرض يصيب الرجال". "الحمدلله إيماني قوي"يقول ظاهر "بسبب هذا المرض فقدت عملي، كثرة مراجعاتي تتطلب مني التغيب دائما عن عملي". الدكتور ياسر والدكتور الخطيب وغيرهما من أطباء اختصاص يؤكدون أن الحالات المصابة وبنسبة 90% تصل في مرحلة رابعة وهي مرحلة متأخرة يتفشى فيها المرض للكبد أو العظم، وبقناعة تامة لدى المرضى بأن الرجل لا يمكن أن يصاب بالمرض. ويرجع الدكتور ياسر وصول المريض في حاله متأخرة وبعد اكتشافه المرض بطريق الصدفة إلى قلة الوعي بالدرجة الاولى، والتي سببها كما يقول الدكتور "الذكور يرفضون المعرفة بوجود سرطان الثدي، ثانيا محاولة إنكار وجود وعي حول المرض، ونلاحظها من خلال رفضهم أخذ بروشور يتعلق بالمرض". الصورة التالية مأخوذة من الدراسة التي أعدها الدكتور ياغان وهي لرجل عمره 64 عاما. يظهر فيها الورم اسفل الثدي مع تغير للون الجلد.
والمريض على علم بوجود هذه الكتلة الخبيثة خلال الأشهر ال 24 الماضية. الرجال : أنا رجل فكيف أصاب بالمرض ؟!!!! يقول الدكتور ياسر إن المرضى المصابين يظهرون عدم اقتناع بإصابتهم بالمرض ولا يتقبلون ذلك وغالبا ما يوجهون السؤال التالي "هل ممكن أن يصاب الرجل بسرطان الثدي ؟!!. تجربة سليمان مع النظرة الذكورية لديه اتجاه هذا المرض لم يشعر بها سوى مرة واحدة، وأثناء أول مراجعة له في المدينة الطبية، إذ احتاج منه أن يراجع عيادة الصدر هناك ليجد جميع المراجعين من النساء، يقول "وقتها شعرت بالإحراج فأكثر من سيدة سألتني لماذا تجلس هنا، وخاصة أنه مرض يصيب السيدات ". ويتابع "حينها شعرت بأني جرحت في ذكورتي". ووفقا للدارسة العلمية للدكتور ياغان "فتشكل اضطرابات الثدي لدى الرجال مشاكل خاصة لدى المريض والطبيب على حد سواء في سائر أنحاء العالم. ويدرك الرجال أن سرطان الثدي يشكل كابوسا بالنسبة للنساء، ولكن قليلين من الرجال يدركون أنهم ضحايا محتملين لهذا المرض. ويكون الذكر في المجتمعات الشرقية الذي يصاب بتضخم أو ورم في الثدي مترددا جدا في طلب المشورة الطبية. وينظر البعض إلى ذلك كوصمة عار وعلامة على الذكورة أو الرجولة الناقصة. حملات التوعية تركز على النساء فقط : البرنامج الأردني لسرطان الثدي الذي بدأ في تقديم خدماته الصحية عام 2006 من خلال لجنة توجيهية وطنية أنشأتها وزارة الصحة بالتعاون مع مركز ومؤسسة الحسين للسرطان، ومنذ تأسيسه أخذ بالتركيز على النساء المصابات بهذا المرض، وخاصة السيدات ضمن الفئة العمرية من ٤٠ - 59.
يقول المصاب سليمان "دائما يوجهون النصائح للسيدات فقط بالفحص الذاتي ويدعونهن للانتباه إلى وجود أي تغيرات على كتلة الثدي". ويتابع "الرجال محرومون من هذه التوجيهات، فلا أذكر أني تنبهت لصدري يوما ما ". تحظى السيدات بنصيب الأسد من البرنامج ومنها الفحص والكشف المبكر الذي يتوفر للسيدات في مراكز صحية ومستشفيات وبشكل مجاني فيما لا تتوافر هذه الخدمة للرجال، نفذ البرنامج 3 حملات وطنية توعوية شاملة العام الماضي والتي عادة ما يتم إطلاقها في اليوم العالمي لسرطان الثدي الذي يصادف الخامس عشر من شهر تشرين الاول من كل عام، تضمنت محاضرات توعوية عن المرض كانت تركز فيها على النساء من خلال العناوين التي تحملها، كحملة "صار عمرنا 40 ولفحص الثدي رايحيين" وقد تشير إشارة بسيطة لإصابة الرجل لكن دون الخوض في التفاصيل، إضافة للإعلانات والنشرات التي تحمل صورا للنساء فقط، وتشرح بداخلها عن المرض وكيفية الفحص الذاتي للسيدات، فيما لم نجد فيها ما يشير إلى الرجل كمصاب. إضافة لتدريب عدد من المثقفين الصحيين مهمتهم الوصول إلى السيدات في أماكن سكناهن وعملهن لتثقيفهن عن المرض. خاصة وأن الكشف المبكر لدى السيدات ساعد في تخفيض نسبة اكتشاف الحالات المصابة بسرطان الثدي في المرحلتين الثالثة والرابعة وهي الأشد خطرا من 70 % قبل البدء بأنشطة البرنامج إلى 35 % خلال عامين من العمل المكثف. الدكتور الخطيب أبدى تأييدا لفكرة وضع صورة لرجل على البروشور، أو إصدار بروشورات خاصة بالرجال، الأمر الذي سيساهم بالكشف المبكر عن سرطان الثدي للرجال ما سيرفع نسبة الشفاء، ويرفع عدد المراجعين وقال "يجب البدء بتجريبها، فللرجل أهمية كما المرأة في الأسرة والمجتمع". مديرة البرنامج الأردني لسرطان الثدي يارا الحلبي أكدت أن الحملات تركز على النساء كعنصر أساسي دون الرجال كونهن أكثر عرضة وخطورة بالإصابة. وأشارت الحلبي إلى أن ارتفاع عدد الإصابات لدى النساء يعود لزيادة النمو السكاني، ناهيك عن أن رفع مستوى الوعي يكشف عن حالات جديدة لم تكن مسجلة، "أما للرجال فلا تستطيع أن نجزم أن زيادة الوعي لهم قد تزيد الاعداد"، على حد تعبيرها. ووفقا للحلبي فإن احتمالية زيادة نسبة الإصابة للرجل بهذا المرض مع التقدم بالسنوات متوقعة، وكذلك المرأة، وذلك وفقا للهرم الصحي للتوزيع السكاني والذي من المتوقع أن يتغير للسكان خلال العشرين سنة القادمة، ويتبين من خلاله أن الأعمار الكبيرة ستكون هي الأكثر عرضه بهذا المرض لأن أعمار الأردنيين ستزيد. وتؤكد الحلبي على أن التوعية العامة عن المرض تنبه الرجل لإصابته بالمرض، وقالت "إن ما يهمنا الآن قبل الانتقال لتوعية الرجل هو توعية المراة". وفيما يتعلق بمسألة استخدام صورة الرجل على بروشور الذي يقوم البرنامج بتوزيعه تقول الحلبي"إنه يمكن النظر فيها خلال السنوات القادمة". التوعية وعلاقتها بالأعداد الحقيقة: معظم الإطباء يجمعون على أن زيادة الوعي لدى الرجال بهذا المرض ستكشف عن مزيد من الحالات المصابة بالمرض، ما يعني زيادة في قيمة الأرقام الحقيقية للمصابين. خاصة وأن علمنا أن سرطان الثدي للنساء يصيب سنويا 900 حالة جديدة. هذا الرقم وصل إلى هذا الحد بعد تكثيف نشاط البرنامج الأردني لسرطان الثدي وبحسب الدكتور الطراونة فإن من المتوقع أن يتضاعف في غضون السنوات العشر المقبلة. ويرى الدكتور ياسر أنه لا بد من زيادة الوعي عند الذكور حول هذا المرض إما اختياريا أو إجباريا،" فلا يوجد أي رجل في أمان من المرض". الأرقام الرسمية الصادرة عن السجل الوطني التي تشير إلى عدد إصابات الذكور بالمرض لا تتوفر سوى لعام 2008، وهي 9 حالات، أما العامان الأخيران 2009و 2010 لم يتم بعد إحصاؤهما والسبب بحسب مدير السجل الوطني الدكتور محمد الطراونة أن المريض قد يحول لعدة مستشفيات كما أن فترة الفحوصات التي يجريها المريض تأخذ وقتا طويلا. إحصائيات السجل الوطني من عام 96 وهو العام الذي سجل به أول مصاب بالمرض رسميا ولغاية عام 2008 تشير إلى ثبات قيمة الإصابات لتتراوح بين 9-13 حالة، وبمعدل زيادة حالة سنويا. الدكتور سامي الخطيب استشاري الأورام والكشف المبكر و رئيس جمعية الأورام الأردنية أكد على وجود ارتفاع في حالات الإصابة بالمرض في بعض السنوات الماضية كعام 2003 الذي وصل فيه عدد الإصابات إلى 25 حالة ،وبنسبة وصلت إلى أعلى من المعدلات العالمية وبمعدل 2 رجل لكل 100 امرأة لتعاود فيما بعد لمعدلاتها الطبيعية، فيما تشير إحصائيات السجل الوطني لذات العام إلى 12 حالة فقط. أما إحصائيات مركز الحسين للسرطان وهو أحد المستشفيات الرئيسية التي يحول لها مريض السرطان، فتشير أرقامها إلى 13 مصابا خلال عام 2010. عدد الوفيات بالمرض وفق أرقام السجل الوطني وصلت من عام 96 -2008 إلى 28 حالة ،وبنسبة تصل إلى 23.73%. في حين أن بعض الأطباء الاختصاصيين شككوا في مدى دقة الأرقام الرسمية، وأرجعوا ذلك إلى أن بعض المستشفيات قد لا تبلغ عن الحالات أو تتأخر في التبليغ عنها للسجل الوطني. العلاج الهرموني للرجال يواجه استهجانا من الذكور المصابين: يؤكد الدكتور ياسر على أن أغلب المرضى لا يتقبلون فكرة استخدام دواء لتثبيط الهرمون النسائي " الاستروجين" لديه ويستهجنون الأمر وتبدأ النظرة الذكورية وقتها تظهر، فالرجل والمرأة كلاهما لديهما هرمون أنثوي وذكري، لكن في الوضع الطبيعي كمية الهرمون النسائي لدى الرجل قليلة جدا، كذلك المراة يكون لديها الهرمون الذكري قليلا جدا. لكن عند مريض سرطان الثدي تظهر اختلالات فيها، لذا نعطيه دواء يمنع عودة المرض مرة أخرى"، بحسبه. توقعات بارتفاع قيمة العلاج لمرضى السرطان: تعتمد كلفة العلاج على المرحلة التشخيصية للمرض. وبحسب الدكتور الطراونة فإن كلفة العلاج في مرحلة مبكرة تصل بين 100- 200 دينار، لكن إن كانت المرحلة متأخرة وتحتاج إلى علاجات وأشعة وكيماوي فهي تصل إلى 100 ألف دينار، ويصل معدل كلفة العلاج لكافة السرطانات من 20-30 ألف دينار، فيما تصل قيمة الفاتورة السنوية لعلاج السرطان إلى 60 مليون دينار، وهي موازنة الوزارة لتامين علاج السرطان. ومن المتوقع أن ترتفع قيمة الفاتورة السنوية للحكومة الأردنية للتجاوز 60 مليون دينار نظرا لارتفاع أسعار علاج السرطان عالميا. على الرغم من رفضهم لإصابتهم بالمرض، إلا أنهم وجهوا نداء للحكومة لتحمل على عاتقها مسؤولية اكبر اتجاه هذا المرض ،ومواجهته بالتوعية التي تساهم في الكشف عنه مبكرا ما يعطيهم فرصة اكبر للنجاة.