سالم النحاس
في عيد الميلاد المجيد ، قبل ست سنوات ، كتبت مقالة حمل عنوانها اسم صديقي سالم النحاس ، فاتصل بي وقال: مشكلتي بعد موتي أنني لن أقرأ ما ستكتب في رثائي ، فرددت عليه بأنّ الأعمار بيد الله ، وقد يكون مضطراً للعودة للكتابة فيكون رثائي منه لا العكس.
ولا أعرف يا أبا يعرب ماذا سأكتب هنا ، وقد سبقتني إلى هناك ، ولست أجد من الكلمات أفضل ممّا كتبته عنك في حياتك فقرأته وأعجبك: فاجأني صديقي سالم النحّاس في يوم بورقة يحملها في محفظته ، فضضتها لأكتشف أنّها جزء من مقالة نُشرت في هذه الزاوية عن معاناة سيّدنا محمد صلوات الله عليه ، تتحدّث عن حادثة الطائف ، وكيف جلس الرسول على حجر وتوجّه إلى ربّه بالشكوى: اللّهم إليك أشكو ضعف قوّتي وقلّة حيلتي وهواني على الناس ، يا أرحم الراحمين ، أنت ربّ المستضعفين ، وأنت ربّي إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجّهمني أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي ، ولكنّ عافيتك هي أوسع لي ، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظُلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تُنزل بي غضبك أو يحلّ عليّ سخطك ، لكّ العتبى حتّى ترضى ولا حول ولا قوّة إلاّ بك.
ولم يكن في تلك المقالة تكملة القصّة ، فقد أتى غلام نصرانيّ اسمه عدّاس إلى محمّد بعد أن تابع كيف سبّه الناس وصاحوا به ، وأعطاه قطفاً من العنب ، وجالسه وحادثه وآمن به بعد أن استمع إلى حديثه. وفي تلك الليلة أخذنا الحديث إلى معاناة المسيح أيضاً ، وبالضرورة إلى قصص معاناة الثوار والمناضلين.
أتذكّر ذلك كلّه وأنا أقرأ خبراً حول تكريم رابطة الكتّاب لسالم النحاس ، وفي يوم عيد الميلاد المجيد ، فلا أملك إلاّ أن أربط هذا بذاك ، فصديقي الكاتب المناضل الذي تعب جسده في مراد نفسه العظيمة يستأهل منّا التكريم بعد الآخر ، ليس في عمّان فحسب بل في القدس ودمشق وبيروت والقاهرة ، وفي كلّ مكان عمل من أجله.
ولست أنسى سيارة سالم الفولكس فاغن القديمة التي كان يتنقّل فيها في إعلان صريح عن نزاهته ، ولا جملته الشهيرة في رواية "تلك الأعوام" حول حدود مادبا بالمقابر والمخيّم ، فكأنّ هذا مقبرة أيضاً ، وفي كلّ الأحوال أتمنّى أن تكون استراحة المحارب سالم النحّاس مناسبة له للكتابة ، فقد اشتقنا لقلمك يا أبا يعرب.
الدستور