سائقون يضاعفون الأجرة على الركاب بعد تخفيض السعة المقعدية

اضطرت دانا (24 عامًا) دفع ضعف الأجرة لسائق باص الزرقاء-عمان عند ذهابها لعملها، أكثر من مرة، وردًا على سؤالها حول التقدم بشكوى للجهات المعنيّة، قالت: "المهم أوصل شغلي, يوخذوا قد ما بدهم ويحلوا عنا".

 

تراكمات ما قبل مضاعفة الأجرة.

هذه المخالفة المتمثّلة في إرغام الركاب على دفع ضعف الأجرة المحددة والصادرة من هيئة قطاع النقل، لسائقي بعض الخطوط، جدّت بعد صدور قرار الحكومة بخفض السعة المقعدية في وسائط النقل العام إلى 50%، وتقليص ساعات العمل اليومي حتى الساعة السابعة مساءً، إثر ازدياد أعداد الإصابات بفيروس كورونا في المملكة مطلع آذار الحالي.



في نفس الفترة التي انخفضت فيها السعة المقعدية ومدد العمل اليومية, ارتفعت أسعار المحروقات, مما ضخّم الكلفة على السائقين العاملين في قطاع النقل العام. يشكو السائق محمود (45 عامًا) من ارتفاع سعر الديزل وانخفاض أيام وساعات العمل التي باتت 26 يومًا عوضًا عن ثلاثين بسبب توقف العمل يوم الجمعة, ويرى أن هذه الأسباب اجتمعت كلها لتشكل كلفة مضاعفة عليهم كسائقين مما دفعهم للإضراب, والبقاء في بيوتهم والامتناع عن ممارسة عملهم.

 

هذا الإضراب الذي شارك فيه عددٌ من سائقي حافلات الزرقاء -عمان، فتح المجال أمام الآخرين غير المشاركين فيه، لاستغلال حاجة الركاب للتنقل، والمخالفة بأخذ ضعف الأجرة منهم ، أو التحرك بحمولة كاملة، كما دفع سائقي حافلات خطوط أخرى للتعدي على هذا الخط وتحميل الركاب منه مخالفين بذلك المادة (24/ج/2) من قوانين السير.

 

استنكر مدير هيئة تنظيم النقل البري صالح اللوزي هذه المخالفة الحاصلة قائلًا: "لا يجوز استغلال المواطن بهذه الطريقة غير اللائقة, ويجب الالتزام بالتعرفة الصادرة عن قطاع النقل البري, والتي أيضًا تتواجد على كرت الاتجاه الذي يعرف المواطن بالتعرفة المفروضة من قبل الدولة" مؤكدًا على تكثيف الجهود مع الجهات المعنية لضبط

 

هيئة النقل "شلناها بس ما شالتنا"

يلتزم سائقوا الحافلات وغيرهم من السائقين العموميين بدفع مستحقات قيمتها 250 دينارًا سنويًا لهيئة تنظيم قطاع النقل, لكن هذا الرقم انخفض لما يقارب النصف بعد جائحة كورونا ليصل إلى 140 دينارًا. 



يرى محمود أن خفض قيمة المستحقات لا يكفي, معلقًا "شلناكي يا الهيئة أربعين سنة ومش قادرة تشيلينا هالسنتين! ما عملوا شي إلا إنهم خصموا وصرنا ندفع 140 وال110 ما بتعمل اشي, بطالبونا بقروض للبنوك, الي سدد هيو سدد واللي بأجل بترتب عليه فوائد ربوية"

 

من جهته يرى الخبير الاقتصادي الاجتماعي حسام عايش أن مثل هذه الإجراءات من تخفيض كلف أو تخفيض مستحقات لا يمكن تسميتها بالحلول, لأن الحل يكمن في دور الحكومة في تحقيق الحماية المجتمعية للناس وهذه الحماية "ما زالت غائبة بمعناها المجتمعي الكامل", وُرجع عايش سبب عدم تحقيق الدولة أعذارها إلى عجز موازنتها وانخفاض إيراداتها بشكل كبير في هذا العام الاستثنائي، لافتًا إلى أن القرارات الصادرة عن الحكومة يجب أن تكون أيضًا استثنائية، غير مبنية على العقلية التقليدية.



 

سيناريو متوقع.

"في حال كان الراكب واحدًا أو الحمولة كاملة يتحمل السائقون الكلفة نفسها, لذلك عندما نخصص سعة مقعدية بنسبة 50% لحافلات النقل العام, فهذا حلّ للمشكلة على حساب المواطنين" يوضح عايش مضيفًا: "فعند القول أننا يجب أن نتكيف مع الوباء, يقوم السائقون فعليًا بالتكيف معه بتعديل التسعيرة لتظل عوائدهم واحدة دون أن تتأثر".

 

فإذا أردنا أن نمنع استغلال المواطن دون بخس السائقين أجورهم, فالتشاور مع العاملين قبل اتخاذ القرار هو الحل -بحسب عايش- للخروج بمعادلة تسمح بتحمل السائقين جزءً من الكلفة, وتحمل الحكومة جزء آخر إن أمكن, وتحميل المواطنين جزءّ أيضًا.



حاجة ملحة لقرارات دقيقة في مرحلة حساسة.

عشرات الآلاف من المواطنين يستقلون الحافلات متوجهين لأعمالهم صباحًا وعائدين لمنازلهم مساءً, فتوقف الحافلات عن العمل له أبعاد أخرى تتمثل بصعوبة وصول الكثير من المواطنين لأعمالهم أو منازلهم وربما لجوئهم إلى وسائل أخرى أكثر تكلفة مثل التكسي الأصفر أو السيرفيس, وقد يدفع هذا التفاقم البعض لترك عمله في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الناس في ظل الجائحة.



وفي اللحظة التي يكابد فيها الناس للحفاظ على وظائفهم يرى عايش "أن العقل الجمعي في الأردن عادة ما يعجز عن إيجاد حلول يمكن أن تشكل أرضية للبناء عليها ويتضح ذلك في كل مرة يتم الوصول فيها للمأزق وترك الأمور لتحل كيفما جاء وبالطبع على حساب الأضعف".

 

وبسبب ضبابية المشهد الخاص بجائحة كورونا والقرارات التي تفرضها "فالحلول يجب أن يتغلب عليها البعد الاستراتيجي أكثر من البعد المرحلي, لأنه من الواضح أن الحلول المرحلية لا تؤدي إلا لتفاقم المشكلة وازدياد حجم الخسائر, فنحن الآن في وضع حساس لا يسمح لنا باتخاذ قرار والتراجع عنه أو اكتشاف عيوبه مع الأيام"، وفق عايش، مما يؤدي إلى فقدان الناس ثقتهم بالقرارات الحكومية وانعدام الالتزام بها وبالتالي "فقدان هيبة الحكومة".

 

بعد سنة كاملة من التعامل مع الجائحة, يظل سؤال "كيف ستستثمر الحكومة الخبرة والمعرفة هذه لاتخاذ قرارات أفضل لا يتكبد فيها المواطن خسائر إضافية" حائرًا يبحث عن إجابته.

 

أضف تعليقك