
ركود في الأسواق قبيل عيد الأضحى... وقطاعات تلجأ إلى العروض لتعويض الخسائر

يومان تفصلنا عن عيد الأضحى، ولا زالت الأسواق المحلية تشهد حالة من الركود، وسط تراجع في الحركة التجارية وضعف في الإقبال على الشراء، بحسب تجار وممثلين عن القطاع.
ورغم العروض والتنزيلات التي أطلقتها محال الملابس والحلويات، إلا أن حجم المبيعات بقي دون المستوى المتوقع، في ظل تحديات اقتصادية متعددة أبرزها انخفاض القدرة الشرائية، وتأثير الأوضاع الإقليمية، لا سيما العدوان المستمر على غزة.
ويؤكد تجار أن الموسم الحالي يعد من الأضعف خلال السنوات الأخيرة، في وقت تشير فيه البيانات الرسمية إلى استمرار معدلات التضخم، مقابل استقرار الرواتب، مما زاد من الضغوط المعيشية على المواطنين، ودفع كثيرين لإعادة ترتيب أولويات الإنفاق.
وفقا لبيانات دائرة الإحصاءات العامة، بلغ معدل التضخم السنوي في الأردن خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2025 نحو 3.7%، بينما ارتفعت أسعار بعض المواد الغذائية الأساسية بنسبة تجاوزت 6%، في المقابل، لا تزال الرواتب ثابتة أو تحقق زيادات طفيفة لا تغطي الفجوة الشرائية.
كما أظهرت نتائج مسح نفقات ودخل الأسرة لعام 2024 أن أكثر من 63% من دخل الأسرة الأردنية ينفق على الحاجات الأساسية السكن، الغذاء، النقل، مما يترك هامشا ضيقا جدا للإنفاق على الكماليات أو المستلزمات الموسمية كملابس العيد أو الحلويات.
وفي جولة على الأسواق، بدا المشهد واضحا، محال شبه فارغة وأصحاب محلات يجلسون على الأرصفة، ويصف أحد التجار الوضع بقوله "من أول السوق لآخره ما في حركة، ولا محل فيه ناس، كل صاحب محل قاعد على طاولته بيسولف لحاله، الوضع سيئ جدا".
تاجر آخر يؤكد أن ما يحدث هذا العام غير مسبوق "في مثل هالأيام كنا نبيع باليوم 1000 إلى 1500 دينار، اليوم بالكاد نبيع بـ30 أو 40 دينار، لا بيع ولا شراء، الشعب طفران، والناس تعبانة".
ورغم قلة الحركة، يبقى هناك أمل بتحسن طفيف قبيل العيد، كما يوضح أحد أصحاب المحال "لحد الآن الحركة ضعيفة جدا، بس باقي كم يوم على العيد، ويمكن تنشط الأمور شوي، مع أنه التوقعات مش مبشرة".
يقول أحد المواطنين "في عنا حرب، حرب طاحنة في غزة، وكثير منا إله أهل ونسايب هناك، صعب تيجي تشتري قميص وأخوك أو قريبك مش لاقي لقمة يأكلها، كثير من الناس صارت تحول من مصروفها لمساندة أهل غزة، وهذا أقل واجب إنساني ووطني".
حركة خجولة رغم التخفيضات
يؤكد عضو غرفة تجارة عمان وممثل قطاع الألبسة، أسعد القواسمي، أن الأسواق تعاني من ضعف واضح في الإقبال، رغم ما قد يبدو ظاهريا من حركة في بعض المناطق التجارية.
ويضيف القواسمي في حديثه لـ "عمان نت"، أن ما نشهده هو إقبال خجول في بعض المواقع التي تتمتع بقدرة على تقديم عروض كبيرة وتملك مخزونا واسعا من البضائع، مما أعطى انطباعا خاطئا بأن هناك حركة نشطة، لكن عند القياس الشامل على مختلف نقاط البيع في المملكة، نلاحظ أن الحركة ما تزال ضعيفة ومقلقة.
ويوضح أن صرف الرواتب قبل العيد حرك السوق قليلا لفترة قليلة، لكن سرعان ما عادت الأمور إلى التراجع، وهو أمر لا يبعث على الاطمئنان، خاصة وأننا نعيش تزامنا لعدة مواسم مهمة، مثل عيد الأضحى، موسم الحج، عودة المغتربين، وبداية الصيف.
ورغم ذلك، تبقى الأسواق دون المستوى المتوقع، مما يعكس إخفاقا في الاستعدادات الكبيرة التي قام بها التجار، خصوصا في حجم الاستيراد.
الأسعار مستقرة... ومطالبات بالتنظيم
وردا على ما يقال حول ارتفاع أسعار الملابس هذا الموسم، يؤكد القواسمي أن العكس هو الصحيح، مشيرا إلى أن الأسعار تشهد استقرارا بل وميلا نحو الانخفاض، موضحا أن هناك تنافس حاد بين التجار من جهة، وبين التجارة التقليدية والتجارة الإلكترونية من جهة أخرى، وهو ما يدفع أصحاب المحال لتقليص هامش الربح إلى أدنى مستوى للحفاظ على وجودهم واستمراريتهم في السوق.
ويعرب القواسمي عن قلقه من التأثير السلبي لتوسع الطرود البريدية القادمة من الخارج، والتي باتت تنافس الأسواق المحلية بشكل غير عادل، حسب وصفه، مشيرا إلى أن التجارة عبر الطرود البريدية تفتقر للوضوح من حيث المواصفات، كثير من المواطنين يشتكون من اختلاف القماش أو المقاسات أو الألوان، ورغم هذه الإشكاليات، فإن الحكومة تمنح هذه الشحنات إعفاءات ولا تفرض رقابة أو معايير واضحة عليها، مما يزيد الضغط على التاجر المحلي ويضعف سوق العمل.
ويشدد القواسمي على أن المطلوب ليس منع الطرود البريدية، بل تنظيمها بشكل يمنع استغلالها لأغراض تجارية، موضحا نحن لا نمانع أن يحصل المواطن على حاجاته الشخصية عبر الطرود، لكن أن تستغل هذه الوسيلة لإدخال مئات القطع وتعرض في السوق بشكل غير شرعي، فهذا يرهق التاجر ويشوه المنافسة، مطالبا الحكومة بوضع آلية واضحة، تحدد الكميات، وتفرض رقابة تضمن حماية السوق.
عروض الحلويات... محاولة لمجاراة الواقع الاقتصادي
في مواجهة الركود العام، حاول قطاع الحلويات تحفيز الإقبال من خلال تخفيضات كبيرة وصلت إلى 50%، سعيا لمجاراة التحديات الاقتصادية واستعادة بعض الحركة قبيل العيد.
رغم المؤشرات السلبية، يرى نقيب أصحاب المطاعم والحلويات، عمر عواد، في حديثه لـ "عمان نت"، أن الوقت لا يزال مبكرا للحكم على الموسم، مشيرا إلى أنه من الصعب إصدار حكم نهائي على حركة السوق الآن، لا يزال أمامنا يومان، وقد تشهد الأسواق انتعاشا في اللحظات الأخيرة، خاصة أن من تقاليد العائلات الأردنية تقديم الكعك والمعمول والشوكولاتة في هذه المناسبة.
ويشير عواد إلى أن العديد من محال الحلويات أطلقت عروضا كبيرة وصلت إلى 50% على مختلف الأصناف، في محاولة لمجاراة الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها المواطن، موضحا أنه لم نشهد ارتفاعا على أسعار المعمول هذا العام، الأسعار بقيت ثابتة، لكن بعض المحال لجأت إلى تقديم عروض كبيرة، فالكعك بالعجوة الذي كان يباع بـ8 إلى 10 دنانير، بات يعرض بـ4 دنانير فقط.
المطابخ الإنتاجية تراجع دورها
أما فيما يتعلق بالمطابخ الإنتاجية المنزلية، فيوضح عواد أن المنافسة كانت أقوى في السابق، لكن تراجع الإقبال يعود إلى صعوبة التصنيع اليدوي مقارنة بالمصانع الكبيرة.
ويضيف أن ست البيت تشتغل بإيدها، وهذا مكلف ومتعب، بينما المصانع تنتج أطنانا من المعمول في نصف ساعة، بتكلفة أقل بكثير، وهذا جعل المحلات التجارية أكثر قدرة على المنافسة.
وعن أبرز التحديات التي تواجه قطاع الحلويات، يؤكد عواد أن مشكلة نقص العمالة وتضخم الأسعار بشكل غير طبيعي هما أبرز ما يعانيه القطاع، فالأسعار ارتفعت بطريقة غير طبيعية، ومشاكل الاستيراد بسبب البحر الأحمر، إلى جانب تصريحات وزارة العمل التي تربك أصحاب التصاريح، ويؤثر على استقرار القطاع.
المواطن يستهلك بعقلانية
إستمع الآن
من جهته، يوضح الخبير الاقتصادي والاجتماعي أن تراجع القوة الشرائية رغم قرب العيد يعود إلى تغير جوهري في سلوك المستهلك الأردني، نتيجة الضغوط الاقتصادية المستمرة، وانخفاض القيمة الشرائية للدخل، ويوضح أن الرواتب قد تكون زادت رقميا، لكنها فعليا انخفضت من حيث القيمة الشرائية بسبب التضخم.
يقول عايش، إن المواطن أصبح يشتري مرة واحدة بدلا من مرتين، ويؤجل بعض المشتريات إلى ما بعد العيد، بسبب الارتفاع الموسمي في الأسعار، مؤكدا أن هناك عوامل نفسية أيضا تؤثر على قرارات الإنفاق، منها استمرار المجازر في غزة، مما يجعل بعض المستهلكين يشعرون بالذنب تجاه الإنفاق في أجواء الحزن والمأساة.
كما يشير إلى أن التحول نحو استهلاك المنتجات المحلية هو أحد مظاهر التكيف الاقتصادي، خصوصا في ظل المقاطعة الشعبية للمنتجات المستوردة، لافتا إلى أن هناك محاولة لتقليل النفقات بشكل مدروس لتغطية فترة ما بعد العيد بالدخل المتاح.
وفقا لنتائج مسح نفقات ودخل الأسرة في عام 2017 الأخير، يشير إلى أن متوسط الدخل الجاري السنوي للأسرة يبلغ 11241.9 دينارا.