ذكرى المولد النّبوي والبعثة المحمّدية في ظلال معركة طوفان الأقصى

الرابط المختصر

 

‎تمرُّ علينا ذكرى المولد النبوي الشريف هذا العام في ظلّ حرب الإبادة المستمرة لقرابة العام الكامل ضد أهلنا المظلومين في غزة، وقد تكالبت عليهم قوى الشر والظلام وخذلهم أشقّاؤهم العرب والمسلمون، تمرّ علينا هذه الذكرى وأهلنا في غزة يلقون أصناف القتل والتجويع والعذاب على يد آلة القتل الصهيوأمريكية،  على مرأى ومسمع من العالم كله في بثٍّ حيٍّ ومباشر ، دون أن تحرّك هذه المشاهد الضمير العالميَّ المنافق لوقف هذه المجازر ضد الأطفال والنساء والشيوخ العزّل.

‎في ظلّ هذا كله تطلّ علينا هذه المناسبة ، ولا استغرب أن يكون اليأس والإحباط قد أصاب الكثير من المسلمين مِمّا نشاهده على مدار الساعة من قتل وتجويع وتدمير ، ولكنّ المتأمل في سيرة حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم لا بدّ له أن يزداد إيماناً بقرب وعد الله بالنصر بالرغم مما نراه من تكالب وتآمر وتخاذل.

‎فقد اقتضت العناية الإلهية لهذا الكون  أن تتدخل في سنن كونية لتصحيح مساره وإعادة توجيه بوصلته إلى الحق والعدل والفطرة السليمة كلما اقتضى ذلك.

‎فكما اقتضت الإرادة الإلهية في عام ٦١٠ ميلادي من بعثٍ لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين،  وذلك لتصحيح مسيرة البشرية بعدما أصابها ما أصابها من فسادٍ وظلمٍ وانحراف ( مرجع ١) تعود هذه الإرادة الإلهية للتدخل مرة أخرى في أحداث معركة طوفان الأقصى لتصويب بوصلة البشرية مرة أخرى بعدما شاهدنا ما أصابها قبل السابع من أكتوبر من ظلم وانحراف ، فقد علت أصوات الشذوذ ، وقد عمّ الفساد والظلم ، واختلّت القيم وتبدلت المفاهيم  حتى بتنا في حيرة من أمرنا بين الحلال و الحرام ، فأصبح الربا فائدة ، والشذوذ حرية شخصية ، والخمر مشروبات روحية ، واحتلال القدس أمراً مقبولاً ولا يمنع تطبيع العلاقات مع المحتلين ، وأصبحت الأمة ممزقة و مشرذمة بحدودٍ رسَمَها لها أعداؤها ، وقد ابتُلينا بمن يُدافع عن هذه الحدود وهذه الأنظمة ممن كنا نحسبهم على خير في مختلف أقطارها الممزقة  ، فجعلوا مصالح القطر الضيقة مقدمة على مصالح الأمة ما جعلَنا لقمةً سهلةً سائغة على طاولة ذئاب العالم الذين لا يرقبون فينا إلاًّ ولا ذمة. 

‎ثم جاء طوفان الأقصى ضمن السنن الكونية الإلهية على يد فتية آمنوا بربهم وزادهم هدى ، ليكون هذا الطوفان ميلاداً جديداً للإنسان و انبعاثاً جديداً للأمة واستئنافاً للحضارة كما يراه المفكر الإسلامي طه عبدالرحمن ( مرجع ٢) ، جاء هذا الطوفان ليصحح لنا القيم والمفاهيم، جاء ليكشف لنا زيف هذا النظام العالمي الظالم المنافق ، جاء ليُزيل ورقة التوت عن الأنظمة المتخاذلة المتآمرة على نبض وتطلعات شعوبها، جاء ليوقظ فينا مفهوم الأمة ويستنهض طاقتها ويوحّد ساحتها  كما أشار إلى ذلك الملثم في أحد خطاباته بعد ٢٠٠ يوم من حرب الإبادة  ( مرجع ٣) 

‎أما أنتم يا أهلنا في غزة ، فوالله إنا نعلم أن مصابكم جلل وأن فقدكم عظيم ، وأنكم تحملتم عن أمتكم ما لا يطيقه بشر ولا حجر ، وأن مرارة الخذلان من الأهل والإخوة أعظم من مرارة الظلم من الأعداء ، ولكنها سنن الله في خلقه وحكمته في ملكه ، ولن تكونوا أهون على الله من المؤمنين الذين حُرِّقوا في الأخدود الذين خلد ذكرهم في القرآن الكريم ، وأنتم والله مَثَلُ ذلك الغلام الذي ظن الملك الظالم أنه بقتله قد ينتهي من أمره ، فحمل ذلك السهم ورماه باسم رب الغلام ، فانقلب السحر على الساحر وتبين الحق للناس فآمنوا جميعاً برب الغلام ، فقد اطّلع ربنا على قلوب البشر ولم يجد غيركم لهذه المهمة العظيمة لتصحيح بوصلة البشرية جمعاء نحو الحق والعدل والحرية وكشف زيف هذا النظام العالمي الحقير. 

‎وفي ظل مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أجد أفضل من هَدْيِه للتخفيف عنكم  ومواساتكم فقد ذكر عنكم أنكم الطائفة المنصورة ولا يضركم من خذلكم ، وقد بشر بأن خير الرباط هو رباطكم في حديث رباط عسقلان ، وهذا والله إن احتسبتم وصبرتم لهو الفوز العظيم

.

‎أما أنتم يا أمتنا في جميع أقطار العالم ، ففي ذكرى المولد الشريف أذكركم أن أهل غزة قد أقاموا الحجة علينا جميعاً،وهم والله قد أعذروا أمرهم لله وقد فازوا فوزاً عظيماً بصبرهم وثباتهم واحتسابهم ،  وهي والله فرصتنا الأخيرة قبل الاستبدال ، فأدعوكم جميعاً  للانخراط في هذه المعركة، كلٌّ على قدر وسعه وطاقته ، والله أعلم بكم وبوسعكم ، فلا عذر لأحد بعد الآن في اختياره ، فالحق واضح وضوحَ الشمس والباطل واضح وضوحَ الشمس ، ومن لم يُصحّح بوصلته لتكون في نصرة غزة وأهلها المظلومين في معركتهم للدفاع عن الأقصى والقدس ، فوالله إنّ هذا لهو الخسران المبين.

‎واللهُ من وراءِ القصد 

* د.أسامة حامد استشاري جراحة الجهاز الهضمي والكبد والبنكرياس والسمنة العائد من غزة