دعوات للأردن للاستفادة من الفرص الاقتصادية في ظل التغيرات الإقليمية المرتقبة
يدعو خبراء اقتصاديون إلى ضرورة أن يستعد الأردن بوضع استراتيجيات للتعامل مع الفرص الاقتصادية المحتملة التي قد تنشأ عن التغييرات السياسية المتسارعة في المنطقة، خاصة مع التطورات المرتبطة بسقوط نظام الأسد، وما يمكن أن يفتح من آفاق اقتصادية تعزز مكانة الأردن كمحور لوجستي واستثماري رئيسي.
يمثل موقع المملكة الاستراتيجي نقطة تماس مباشر مع تداعيات الأزمات في دول الجوار، وفي مقدمتها الأزمة السورية التي فرضت تحديات على المملكة خلال السنوات الماضية، حيث تعد سوريا شريانا حيويا للنقل والتبادل التجاري مع الأردن، إلا أن التوترات السياسية أدت إلى تراجع حركة الاستيراد والتصدير بين البلدين، حيث انخفض حجم التبادل التجاري من 615 مليون دولار في عام 2010 ، إلى 56 مليون دولار فقط في عام 2021.
إضافة إلى ذلك، تأثر الأردن بتراجع المجتمع الدولي عن الوفاء بالتزاماته تجاه الدول المستضيفة للاجئين، حيث لم تتجاوز نسبة الاستجابة لاحتياجات خطة الاستجابة الأردنية للأزمة السورية لعام 2024 نسبة 6.8%.
كما شكل "قانون قيصر" عائقاً أمام التبادل التجاري والمشاريع الإقليمية الكبرى، مثل مشروع الربط الكهربائي الذي كان يمكن أن يعود بفوائد اقتصادية مشتركة على الأردن وسوريا ولبنان.
استغلال الفرص المحتملة
الخبير الاقتصادي السياسي زيان زوانة يرى أن الحديث عن الأوضاع الحالية في سوريا وتبعاتها على دول الجوار، بما فيها الأردن لا يزال مبكرا، مؤكدا في ذات الوقت على أهمية الاستعداد لاستغلال الفرص المحتملة.
ويشدد زوانة على ضرورة تجهيز الملفات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، مشيرا إلى أن العلاقات التاريخية والجغرافية والمصلحية بين الأردن وسوريا تفرض هذا الاستعداد، خاصة في ظل وجود مليون وثلاثمائة ألف سوري في الأردن.
رغم استمرار إغلاق الحدود ووجود العديد من الأسئلة التي لم تجد إجابات واضحة بعد حتى اللحظة إلا أن زوانة يعتبر العلاقة التاريخية بين البلدين تجعل من سوريا معبرا للأردن، والعكس كذلك، موضحا أن هناك اتفاقيات وشركات ومصالح تجارية مشتركة يمكن البناء عليها، بالإضافة إلى حاجة سوريا إلى إعادة الإعمار عندما يستقر الوضع، وهو ما يفتح الباب أمام الأردن للمساهمة في هذا المجال.
ويشير إلى أن سوريا تعاني من حصار دام لأكثر من 15 عاما، ما أدى إلى تراجع كبير في مرافقها الاقتصادية ذات القيمة المضافة، وبالتالي هناك حاجة لإعادة بناء القواعد الاقتصادية والعلاقات التجارية والمالية، كما يرى أن النظام المصرفي السوري الاشتراكي يمنح فرصة لإعادة بناء العلاقات المصرفية والبنكية مع الأردن.
ومن أبرز الملفات العالقة مع سوريا والتي يمكن معالجتها، مثل ملف المياه، وتشجيع العودة الطوعية والسريعة للسوريين المقيمين في الأردن منذ أكثر من عقد، فضلا عن تحضير القطاع الخاص للمشاركة في جهود إعادة الإعمار، ودعم أي مبادرات تسهم في إعادة بناء الدولة السورية.
تحول اقتصادي جديد
يشكل سقوط نظام بشار الأسد في سوريا منعطفا تاريخيا يضع المنطقة بأكملها أمام مرحلة جديدة من التحولات الاقتصادية والسياسية، بحسب خبير الاقتصاد والطاقة عامر الشوبكي الذي يعتبر أن هذا الحدث لن يقتصر على إعادة تشكيل المشهد السوري الداخلي، بل سيمتد تأثيره ليطال دول الجوار مثل الأردن، العراق، تركيا، لبنان، ودول الخليج العربي، فضلا عن إسرائيل.
ويوضح الشوبكي أن أهم التحديات تتركز في الوصول الى الاستقرار وسيادة القانون والانضباط والحد من الفوضى وإرساء النظام وعبور الفترة الانتقالية بسلام للوصول الى الديمقراطية، مع رهان كبير على قدرة الشعب السوري على المرور من هذا المنعطف التاريخي الحرج.
ويضيف ان المرحلة الاولى بعد الاستقرار ستتركز في إعادة اعمار سوريا وتتطلب استثمارات ضخمة تُقدر بمئات المليارات من الدولارات، ما يوفر فرصة كبيرة للدول والشركات وعودة اللاجئين للمشاركة في بناء سوريا الجديدة. وأن هذه العملية ستفتح أبواب الاستثمارات في قطاعات حيوية مثل البنية التحتية والطاقة والزراعة، ما سيساهم في إنعاش الاقتصاد السوري واستقراره.
ويقول الشوبكي أن انعكاسات اقتصادية مباشرة ستلمسها دول الجوار وأهمها الأردن وذلك في تعزيز التجارة مع سوريا من خلال إعادة فتح الحدود، وكذلك إحياء اتفاق تمرير الكهرباء والغاز من الاردن الى سوريا ولبنان المتعطشتان للطاقة، إضافة إلى توفير فرص لشركات البناء والخدمات الأردنية للمشاركة في مشاريع إعادة الإعمار. كما أشار إلى أن عودة اللاجئين السوريين قد تخفف الضغط على الاقتصاد الأردني .
ويؤكد الشوبكي أن سقوط الأسد يضعف النفوذ الإيراني في المنطقة، مما يمنح العراق فرصة لإعادة ترتيب أولوياته الاقتصادية والسياسية. كما يمكن للعراق أن يلعب دورًا رئيسيًا في تزويد سوريا بالمواد الخام والخدمات اللوجستية لإعادة الإعمار.
هذا ويؤكد رئيس الوزراء جعفر حسان، أن الأردن منذ سنوات يشدد على ضرورة حل الأزمة السورية بما يحفظ وحدة البلاد واستقرارها، لافتا النظر إلى أن استقرار سوريا وأمنها مصلحة استراتيجية للأردن والمنطقة العربية برمتها.
ويشير إلى أنه "نتطلع إلى مرحلة جديدة تستطيع خلالها سوريا الشقيقة تجاوز الأحداث المؤلمة التي مرت بها على مدى سنوات طويلة، وما نجم عنها من عنف واقتتال وانتشار للإرهاب وعصابات المخدرات والتهريب والميليشيات التي امتدت آثارها إلينا في الأردن وتصدت لها قواتنا المسلحة".