مع استمرار حملات المقاطعة وزيادة التفاعل الشعبي معها كوسيلة للضغط على الاحتلال الإسرائيلي بسبب اعتدائه على قطاع غزة، يؤكد خبراء الاقتصاد على أهمية إعادة النظر في الاستراتيجيات الاقتصادية لدعم المنتج المحلي والنهوض بالقطاع الصناعي، بالاضافة إلى تحسين جودة المنتج لينافس المنتجات العالمية ما يضمن استمرارية المقاطعة.
تلك الدعوات للمقاطعة قد انتشرت في الأسابيع الأخيرة بسبب تصاعد الرفض للسياسات التي تدعم إسرائيل من قبل الدول والشركات خلال عدوانها على قطاع غزة، وفي الوقت نفسه، تواجه العمليات الإنسانية والعلاجية صعوبات كبيرة في الوصول عبر المعابر.
وشهدت المنصات العالمية و العربية والمحلية حملات متعددة لمقاطعة بعض العلامات التجارية العالمية بسبب دعمها أو دعم وكلائها في إسرائيل، وذلك في إطار حملات الدعم للحكومة الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي في عدوانهما على قطاع غزة.
تم تداول قوائم على منصات التواصل الاجتماعي تضم أسماء المنتجات التي تتبعها تلك الشركات المتعاونة مع إسرائيل، مع دعوات لمقاطعتها ودعم المنتجات المحلية بدلا منها.
تشمل هذه القوائم منتجات متنوعة مثل المشروبات الغازية، والشاي والقهوة، ومطاعم الوجبات السريعة التي تمثل ماركات أمريكية وأوروبية.
لا يمكن المبالغة في حجم المقاطعة
يشير الخبير الاقتصادي مازن ارشيد إلى أن المقاطعة الاقتصادية قد تكون فعالة في التأثير على الشركات وتقليل أرباحها، خاصة في فروع خارج الولايات المتحدة ومنطقة الشرق الأوسط.
ومع ذلك، يلاحظ ارشيد أنه لا يمكن المبالغة في حجم المقاطعة حتى اللحظة، حيث لا يزال هناك الكثيرين يبحثون عن بدائل للمنتجات الاجنبية المستخدمة قد تكون غير متاحة بسهولة، مما يعني ان الخطوة الاولى لضمان استمرار المقاطعة هي تقديم بدائل للمستهلكين.
ومن بين المنتجات التي لا تزال تفتقر إلى بدائل محلية، مثل الأجهزة الحاسوب والتطبيقات المتعددة وأجهزة الهواتف المحمولة، وبعض أصناف من الأغذية التي يتم استيرادها من دول الخارج.
حتى الآن، ليست هناك إحصائيات رسمية تظهر حجم الخسائر التي تكبدتها الشركات الأجنبية بسبب المقاطعة، وتقديرات الخبراء الاقتصاديين تشير إلى أنها قد تكون محدودة نسبيا، ولا يوجد تهديد مباشر لأرباح هذه الشركات حاليا، وتبقى الأمور تحت المراقبة، حيث أنه من الممكن أن تتوقف المقاطعة إذا توقفت الأوضاع الراهنة.
لكن بالنظر إلى تأثير الحملات السابقة، ذكرت دراسة أجرتها جامعة مينيسوتا في عام 2008 أن الشركات العالمية، تأثرت بحملات المقاطعة التي بدأت في أعقاب انتفاضة الأقصى الثانية في عام 2000، مما دفعها لاتخاذ إجراءات متعددة، مثل تقديم التبرعات والتأكيد على تأثير هذه الحملات على الاقتصاد المحلي، في محاولة لوقف دعوات المقاطعة، وحاولوا جعل بعض منتجاتهم أكثر محلية.
لنجاح المقاطعة
لضمان نجاح خطوة المقاطعة وتحقيق أهدافها، يؤكد الخبير الاقتصادي ارشيد على أهمية وجود ارادة حقيقية فعالة ومستدامة لاستمرار المقاطعة، مشيرا إلى أن الفرد يتحمل المسؤولية الأكبر في عملية المقاطعة، بغض النظر عما اذا كان هناك هيئات تنسيق مختصة بذلك .
ويشدد على أهمية فهم أن المقاطعة تتطلب وقتا طويلا لتحقيق أهدافها ولا يمكن أن تكون مجرد استجابة عابرة وما يسمى بالفزعة، بالإضافة إلى ذلك، هناك العديد من السبل لدعم المنتج المحلي التي يجب أن لا تقتصر على المقاطعة.
وفي هذا السياق، يجب أيضا إعادة النظر في الاستراتيجيات الحكومية الاقتصادية لدعم المنتج المحلي وتعزيز القطاع الصناعي المحلي وتطوير المنتجات لتنافس الجودة العالمية.
ويرى الخبير الاقتصادي فائق حازين في مقال له أن سلاح المقاطعة، استخدمناه لأكثر من 30 عاما لكن دون جدوى، لأنه سرعان ما تتلاشى هذه الدعوات ويضمحل تأثيرها بعد انتهاء الحدث، وغالبا تنتهي المقاطعة دون استجابة.
لكي تكون المقاطعة منتجة وفعالة يجب أن تكون مستمرة، وعلى الدول التي تستخدم هذه الاداة الضاغطة بالفعل، أن تنشط في إيجاد البديل الوطني للمنتجات التي يتم مقاطعتها.
بالعودة إلى تطوير منتجات بديلة من مصادر محلية نحقق العديد من الاهداف ابرزها توفير فرص العمل، واستثمار الموارد المحلية، وزيادة الناتج المحلي، وتقليل الاعتماد على الاستيراد، وتوفير العملة الاجنبية، وتشجع المزيد من الإنتاج وصولا إلى درجة مقبولة من الاعتماد على الذات.
المستوردات الأجنبية تفوق المنتج المحلي
ويعتبر الأردن والولايات المتحدة شريكين اقتصاديين، حيث يستفيد الأردن من اتفاقية المدن الصناعية المؤهلة (كويز) التي تسمح للمصانع المؤهلة ضمن هذه الاتفاقية بتصدير منتجاتها إلى الولايات المتحدة، بشرط أن تستخدم ما لا يقل عن 8% من المواد الأولية من منتج إسرائيلي.
وارتفعت قيمة مستوردات المملكة من الولايات المتحدة الأمريكية في الثلث الأول من هذا العام بنسبة 18.2 بالمئة، لتصل إلى حوالي 421 مليون دينار، مقابل حوالي 357 مليونا للفترة نفسها من العام الماضي وصل حجم التبادل التجاري بين الأردن والولايات المتحدة الأمريكية حتى نهاية شهر نيسان/ أبريل الماضي من العام الحالي إلى 1.028 مليار دينار، وفقا لارقام دائرة الإحصاءات العامة.
من بين المنتجات التي تم استيرادها من الولايات المتحدة، المنتجات المعدنية ومعدات النقل والآلات والأجهزة الكهربائية والحبوب والمنتجات الكيماوية والأجهزة الطبية ومنتجات صناعة الأغذية وعجينة الخشب والمنتجات الحيوانية والأثاث والمصنوعات من الحديد والألبسة المستعملة والزيوت والدهون النباتية والخشب ومصنوعاته.
عضو مجلس إدارة غرفة تجارة عمان فلاح صغير، يشير إلى أن تشجيع المنتجات المحلية تعد واجب وطني يجب أن يلتزم به الجميع، سواء كان ذلك عن طريق المقاطعة أو وسائل اخرى.
ويوضح صغير بأن رؤية التحديث الاقتصادي تشجع على جلب الاستثمار الأجنبي إلى الأردن، خاصة في ظل التحديات التي تواجهها المنطقة، ومن أجل ذلك، يجب تنظيم الجهود لتحقيق أهداف المقاطعة بفعالية، كما أنه من الضروري ان يميز المواطن بين الشركات التي تدعم الاحتلال وتلك التي تبتعد عن السياسة، وهذا يتطلب وجود تنظيم وطني منظم لضمان نجاح المقاطعة وتحقيق أهدافها.
بالاضافة إلى ذلك، هناك مبادرات من شركات محلية تدعم توظيف الأشخاص الذين فقدوا وظائفهم في الشركات العالمية المدرجة على قوائم المقاطعة بسبب مواقفها مع الحرب على غزة.
ولتشجيع دعم المنتج الوطني، تم إطلاق حملة سابقة بعنوان "صنع في الأردن" لتعزيز التدريب المهني وتأهيل العمالة المحلية للعمل في مختلف المجالات الصناعية، بهدف زيادة الاهتمام بالصناعة الوطنية وتوفير البيئة المناسبة لدعمها وتعزيز نموها.