دعوات لاستيعاب العاملين الأردنيين المهددين بفقد وظائفهم نتيجة مقاطعة الشركات الداعمة للاحتلال

الرابط المختصر

بعد أيام من بدء الاحتلال الإسرائيلي عدوانه الإجرامي المتواصل على قطاع غزة، بدأت في العديد من البلدان العربية حملات شعبية واسعة تدعو مقاطعة للشركات الأجنبية الداعمة للاحتلال، لجعلها أداة ضاغطة لوقف العدوان على غزة التي تشتد وتيرتها يوما بعد يوم.

في الأردن، بدأ ناشطون ومؤثرون على منصات التواصل الاجتماعي منذ الأيام الأولى للعدوان يدعون إلى مقاطعة منتجات الشركات الداعمة للاحتلال واستبدالها بمنتجات محلية الصنع، وبخاصة بعد أن بلغ الأمر بسلسلة مطاعم شهيرة للوجبات السريعة (توجد فروع لها في الأردن) أن تعلن وبشكل صريح عبر صفحتها في إسرائيل تقديم وجبات مجانية لعناصر جيش الاحتلال.

واستجابت شرائح واسعة من الشعب الأردني لتلك الدعوات في رد فعل على دعم هذه الشركات المجازر الوحشية ومحاولة منهم للضغط على سلطات الاحتلال من أجل وقف الإبادة الجماعية التي يتعرض لها المدنيون في قطاع غزة جراء القصف الصهيوني المتواصل عليهم.

وتركزت حملات المقاطعة في الأردن على سلاسل مطاعم ومقاهٍ أميركية الأصل التي لها عشرات الفروع في المملكة، إضافة إلى مقاطعة شركات أخرى داعمة للاحتلال الصهيوني تتنوع منتجاتها بين المشروبات الغازية ومستحضرات للتجميل والإلكترونيات وغيرها.

وتداول ناشطون، بعد أيام من حملات المقاطعة، صورا تُظهر هذه المطاعم والمقاهي التي جرى مقاطعتها وهي شبه فارغة من الزبائن، بعد أن كانت سابقا مكتظة بشكل كبير.

وعلى رغم التأييد الشعبي الواسع وتزايد الانخراط الفعلي في عملية المقاطعة، إلا أن عددا من الجهات والأشخاص نبهوا في ذات الوقت إلى ضرورة الوعي ببعض الآثار السلبية لحملات المقاطعة هذه وتأثيراتها على آلاف العاملين الأردنيين في هذه الشركات، ودعوا إلى ضرورة إيجاد حلول عملية للحد من هذه التأثرات السلبية عليهم وتعويضهم بمختلف السبل، خصوصا وأنّ الكثير منهم مهددون بفقدان وظائفهم أو انخفاض دخلهم وتخفيض رواتبهم.

وركزت هذه الأصوات على أن هؤلاء العاملين لا ذنب لهم ويستنكرون مواقف الإدارات العليا لتلك الشركات الداعمة للاحتلال ويرفضونه ويؤيدون أيّ إجراءات تساهم في وقف العدوان الهمجي الصهيوني على قطاع غزة والفلسطينيين. وهو ما دفع "المرصد العمالي الأردني" إلى رصد هذه التأثيرات.

ماذا يقول العاملون بالشركات التي تتعرض للمقاطعة؟

يقول محمود، وهو يعمل "شيف" في إحدى سلاسل المطاعم المقاطَعة، إن عدد الزبائن انخفض بشكل كبير جدا منذ بداية حملات المقاطعة، وأشار إلى أنهم أصبحوا يجلسون في المطعم بدون أي عمل، ما دفع إدارة السلسلة إلى تخفيض عدد ساعات عملهم إلى النصف.

ويبين محمود لـ"المرصد العمالي" أن هناك بوادر لعدم صرف رواتبهم لشهر تشرين أول الماضي أو الاستغناء عن عدد من العاملين بهدف تقليل النفقات في ظل الانخفاض الكبير في أرباح السلسلة.

لكن في ظل ذلك، يؤكد محمود أنه مع حملات المقاطعة ويُشجع عليها من أجل وقف الحرب على غزة، ويوضح بالقول: "المقاطعة مهمة حتى ولو كانت على حساب عملي، وحاليا أبحث عن عمل في مطعم آخر غير تابع لشركات أجنبية".

أما رائد، وهو يعمل في توصيل الطلبات لصالح أحد تلك المطاعم، فيقول إنه ليس له أجر ثابت من المطعم، وإنما أجره يقصُر على كل طلب يقوم بتوصيله.

ويبين رائد لـ"المرصد العمالي" أن عدد الطلبات انخفض بشكل ملحوظ، فهو كان يأخذ في الوضع الطبيعي ما لا يقل عن 10 طلبات في اليوم، أما الآن فلا يأخذ سوى ثلاث طلبات وأحيانا أقل من ذلك".

ويشير إلى أن جميع العاملين في مجال توصيل الطعام لاحظوا أن انخفاضا كبيرا طرأ على عدد الطلبات اليومية، لكنهم لا يُمانعون ذلك، إذ أن هناك مصلحة يجب أن تتحقق ولو كانت على حساب عملهم، وهي وقف الحرب على غزة.

ما الحل للحفاظ على العمال؟

نشر ناشطون متخصصون بالتسويق عبر منصات التواصل الاجتماعي حلولا للأزمة المالية التي تمر بها الفروع المحلية الشركات العالمية الداعمة للاحتلال الإسرائيلي في الأردن، جراء توسع حملات المقاطعة الشعبية.

ورأوا أن هذه الحلول من الممكن أن تُنقذ هذه الفروع من التدهور حال استمرت حملات المقاطعة، وأيضا ستحمي العاملين في تلك الشركات من أي أضرار.

وتتمثل هذه الحلول، وفق قولهم، ببيع تراخيص العلامات التجارية الخاصة بهذه الشركات وانسحابها بشكل كامل من الأراضي الأردن كما حدث في روسيا أثناء حربها على أوكرانيا، واستبدالها بعلامات تجارية جديدة مع الحفاظ على العاملين ونفس جودة المنتجات السابقة.

مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية أحمد عوض، الذي يدعو إلى توسيع دائرة المقاطعة ويؤكد أنها أداة فاعلة للضغط، يطالب في الوقت ذاته بأن تكون هذه المقاطعة واعية ومدروسة ودقيقة، وبعيدا عن الشائعات والأخبار المفبركة والزائفة التي قد تخدم مصالح شركات منافسة بقصد تصفية الحسابات، بحيث لا تشمل شركات لا علاقة لها بدعم الاحتلال ضمن دائرة المقاطعة. 

ويرى عوض، في مقال له، أن ديناميكية السوق تسهم في إيجاد حلول للتحديات التي تنشأ عن ذلك، إذ أن الأسواق ستدفع باتجاه ظهور شركات ومؤسسات بديلة، ما يضمن بقاء فرص العمل في حال تغير مستمر، ولن تؤدي إلى اختفاء الوظائف.

ويحض عوض على جهد مؤسسي حكومي (وزارتا الصناعة والتجارة والعمل ومؤسسة الضمان الاجتماعي) ومؤسسات المجتمع المدني بالتعاون مع القطاع الخاص لبحث حلول عملية واقعية تأخذ بالحسبان استيعاب العاملين المهددين بفقد وظائفهم نتيجة المقاطعة.

إيجاد وظائف لمن فقد عمله بالشركات العالمية

في ظل مخاوف العاملين في الشركات التي تتعرض للمقاطعة الشعبية، أطلقت شركات أردنية حملة تحت شعار "وظفوهم" وتتضمن وسوما مثل "إدعم المحلي" و"المحلي بيدعمك".

وأعلنت هذه الشركات فتح باب التوظيف لديها لمن خسروا وظائفهم في الشركات العالمية في الأردن المدرجة على قوائم المقاطعة بسبب مواقفها من الحرب على غزة.

إلا أن عاملين في شركات تتعرض للمقاطعة أكدوا لـ"المرصد العمالي" أنهم قدموا سيرهم الذاتية لتلك الشركات الأردنية من أجل العمل فيها، لكنها لم ترد لهم أي جوابا.

ورأوا أن هذه الشركات تُحاول استغلال حملات المقاطعة لترويج علاماتها التجارية من خلال دعمها للعاملين في الشركات الأجنبية وللقضية الفلسطينية.

حملات المقاطعة وأثرها على الاقتصاد الوطني

الخبير الاقتصادي مفلح عقل يقول إن حملات المقاطعة على الشركات الداعمة للاحتلال الإسرائيلي لها أثر إيجابي على الجانب الوطني للشعب الأردني؛ "فهي أداة ضغط تهدف إلى رفع الظلم والعدوان على إخواننا في قطاع غزة".

أما بالنسبة إلى أثرها على الاقتصاد المحلي، فيعتقد عقل، في تصريح إلى "المرصد"، أن الاستمرار في مقاطعة المنتجات الأميركية الداعمة للاحتلال سيؤدي إلى الإضرار بالاقتصاد المحلي "إذا لم يجرِ استبدالها بمنتجات محلية الصنع".

ويشير عقل إلى أن مجمل الاستهلاك الأردني يذهب 70 بالمئة منه إلى المنتجات والبضائع المستوردة ومعظمها تابعة لشركات أجنبية منحازة إلى الاحتلال الإسرائيلي.

ويوضح أن جميع فروع الشركات الأميركية الداعمة للاحتلال المتواجدة في الأردن هي "استثمارات أردنية" ويعمل فيها عشرات الآلاف من الأردنيين، وأن مقاطعتها سيضر بالاستثمارات الأردنية التي تأخذ ترخيصا من شركات أجنبية.

لكنه ينبه إلى أنه في حال التزم الشعب الأردني باستبدال هذه المنتجات بمنتجات محلية الصنع، فسيكون لذلك أثر إيجابي على الاقتصاد المحلي من حيث زيادة الإنتاج ومبيعات الشركات الأردنية وبالتالي تشغيل المزيد من الأيدي العاملة.

ويتفق الخبير الاقتصادي حسام عايش مع ما ذهب إليه عقل من حيث أن الاعتماد على المنتج المحلي سيؤثر إيجابا على الاقتصاد المحلي الأردني وسيدفع عجلته إلى الأمام.

ويؤكد عايش لـ"المرصد العمالي" أن هذه الفائدة ستتحقق في حال التزام الشعب الأردني بالاعتماد على المنتج المحلي، خصوصا وأن صادرات المنتجات الأردنية تصل إلى نحو 140 دولة، ما يعني أنها قادرة على أن تكون بديلا للعديد من منتجات الدول الغربية التابعة لشركات تدعم الكيان الصهيوني.