دراسة "الشباب في مواجهة الفكر المتطرف" توصي بتحقيق العدالة

دراسة "الشباب في مواجهة الفكر المتطرف" توصي بتحقيق العدالة
الرابط المختصر

خلصت دراسة بعنوان " الشباب في مواجهة الفكر المتطرف" صدرت اليوم عن صندوق دعم البحث العلمي،  في المحور التربوي والتعليمي والثقافيّ حول أسباب التطرف إلى الجهل باعتباره الأقوى أثرا وتأثيرا في بناء العقلية المتطرفة، كما بينت النتائج أن التحولات الثقافية أسهمت في نمو عدة أزمات جعلت من بعضها بيئة خصبة، وقابلة للتطرف منها: أزمة الهوية، والشرعية وسيادة القانون، وإدراك العدالة، والثقة.

 

وعزت الدراسة أسباب انتشار الفكر المتطرف من خلال تحليل معطيات العينة العشوائية التي تم اختيارها من الشباب، إلى وجود حالة من الجهل وعدم الشعور بالمسؤولية تجاه الأفراد والممتلكات وحق الآخرين في التعبير عن آرائهم بحرية، وغياب دور الأسرة والمدرسة و المؤسسات التربوية الأولى التي تسبق الجامعة في إعداد الطالب الجامعي، بالإضافة إلى ضعف وسائل الوقاية للحد من ظاهرة التطرف قبل وقوعه، وشعورهم بأنهم يعملون ضمن مناخ لا ترقى فيه حرية التعبير عن الرأي والموقف إلى المستوى المطلوب، ووجود حالة من القلق النفسي والتوتر لدى الشباب تدفعهم إلى الممارسات غير الواعية أو المحسوبة، وكذلك تعرضهم للعديد من المتغيرات وعمليات الجذب الثقافي المتأتية من تعدد وسائل الإعلام والثقافة الوافدة التي قد تبث لديهم الكثير من القيم الهدامة.

 

وخلصت الدراسة في المحور السياسي والاجتماعي والاقتصادي إلى عدة نتائج في سبب انتشار الفكر المتطرف من وجهة نظر الخبراء حول تأثير العوامل السياسية والاجتماعية على انتشار التطرف و العنف كالظلم، وضعف لغة الحوار واختلال منظومة العدالة والنزاهة، وغياب تقبل الرأي الآخر، وبدرجة أقل وجدت تأثيراً للعوامل السياسية لدى الشباب والتي منها (الديموقراطية، وحرمان الشباب من التعبير السياسي، وضعف مفهوم المواطنة لديهم).

 

كما بينت وجود اتجاهات إيجابية مرتفعة نسبياً حول تأثير بعض العوامل الاجتماعية على اتجاهات الطلبة نحو مشكلة التطرف ومن هذه العوامل انتشار الجهل، وتأثير رفقاء السوء، وانتشار الجرائم، والمخدرات، وغياب دور الأسرة، وارتفاع معدل الهجرات القسرية، وغياب دور المدرسة، والانحرافات الأخلاقية.

 

كما بينت وبدرجة أقل وجود اتجاهات إيجابية حول تأثير بعض العوامل الاقتصادية على اتجاهات الطلبة نحو مشكلة التطرف، ومن هذه العوامل حسب نتائج الدراسة ( غياب العدالة في توفير فرص الحياة، و الفقر و توزيع المكاسب التنموية، وتقلص الطبقة الوسطى).

 

كما خلصت الدراسة في المحور الإعلامي الى أن الدولة بمؤسساتها كافة ( الرسمية و الأهلية )  تعد الخيار الأول لمواجهة الفكر المتطرف، إلا أنها بينت أن مؤسسات الدولة التي يجب أن تعمل على تعميق رسالة الدولة الأيديولوجية ضعيفة الحضور، وبينت عمق الفجوة المتحققة من وسائل الإعلام الوطني وضعف البرامج الثقافية والدينية الموجهة للشباب لتحصينهم من الفكر المتطرف.

 

وتصل متابعة الشباب الأردني لوسائل الإعلام المرئية والمسموعة إلى ما نسبته 64% بمعدل 1-3 ساعات يوميا، كما يتابع شبكات التواصل الاجتماعي بنسبة 41.8% بين 1 إلى 3 ساعات و 63.9% من أفراد عينة الدراسة يستمعون ويشاهدون المحطات الدعوية الإسلامية، ويقر ما نسبته 73.8% من أفراد العينة بوجود جهود حكومية ملموسة لمواجهة الفكر المتطرف. و أظهرت الدراسة أن ما نسبته 42.6% يتابعون أخبار المنظمات الإرهابية المتطرفة، وأن 30.7% من عينة الدراسة يلجأون إلى دائرة الإفتاء في حال واجهتهم مشكلة دينية، و28.7% يتوجهون إلى الشبكات الرقميه والتواصل الاجتماعي، و24.3% يتوجهون إلى أئمة المساجد.

 

ويرى ما نسبته 31.4% أن الظروف الإقتصادية الصعبة تساعد على نشوء التطرف والعنف في المجتمع، بينما يرى 32.9% من أفراد العينة بأن غياب العدالة والمساواة من الأسباب الرئيسية لظهور البؤر الساخنة لنشوء الفكر المتطرف. وأن ما نسبته (27.7%) من عينة الدراسة يعتقدون بأن الإعلام غير المراقب من أهم الأسباب التي تنشئ وتنمي التطرف والعنف في المجتمع، ويرى ما نسبته (41.4%) الأسباب الاجتماعية كـ (الحرمان النسبي، البحث عن الذات، الشهرة، المستوى الاجتماعي والاقتصادي لزيادة الدخل والظهور اجتماعياً) تقف وراء انجذاب الشباب إلى المنظمات المتطرفة.

 

وخلصت دراسة المحور الديني المعتمدة على المقابلات الشخصية و الحوار المباشر مع عيّنة من المتأثرين بالفكر المتطرف إلى أن من أهم أسباب إنتشار هذا الفكر: الجهل، والفراغ الفكري، وقلة التحصين، ووجود شبهات لا يملك الشباب القدرة على ردها بسبب المعرفة السطحية لهم، ومرور الشباب بظروف خاصة بسبب الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المحيطة، وانتشار المخالفات الشرعية دون معرفة لفقه الدعوة الصحيح، بالإضافة إلى وجود هجوم مبرمج وفق منهجية علمية (من حيث الظاهر) من قبل الجماعات المتطرفة موجهة للشباب مستخدمين مختلف وسائل الإعلام و وسائل التواصل الإجتماعي المتاحة وغيرها من التقنيات الحديثة.

 

وظهر بأن أكثر الشباب المنجذب للفكر المتطرف ينصب نفسه عالما قادرا على الاستنباط من النص الشرعي (القرآن والسنة) وتفسيره دون أهلية علمية كافية بحجة عدم جواز الحجر على العقول وحرية الفكر، في الوقت الذي يغيب أو يقل فيه التدريس العلمي المنهجي في المساجد خصوصا للمسائل الحيوية ذات العلاقة بالمجتمع، والاقتصار في الغالب على الحديث الوعظي والعاطفي والتدين الفردي. يضاف إلى ذلك تدني مستوى المعرفة بمفهوم الدولة الحديث والعلاقات الدولية القائمة على المصالح ومفهوم الجهاد وفقهه، و فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وكذلك ضعف ثقتهم بالمؤسسات الدينية.

 

كما أن دعاة الفكر المتطرف يستغلون الاستفزازات العلنية كالطعن في الإسلام والصحابة وأئمة المسلمين من قبل بعض الأفراد دون اتخاذ إجراءات رادعة، أو من خلال الفضائيات ووسائل الاتصال الحديثة، ووجود علني لبعض المظاهر المنكرة والغريبة على المجتمع متخذينها وسيلة للتأثير على الشباب وزيادة حماسهم للدفاع عن الدين وكذلك غلبة الخطاب الإعلامي (الديني) الذي يتعامل مع الوجدان على الخطاب العلمي الفقهي التحليلي في مسائل الفكر المتطرف وعدم قوته الحاسمة في الرد والإقناع للشباب الذي تعرض لخطاب التشكيك، و بالإضافة إلى وجود حالة من الإحباط نتيجة الوضع السياسي والإقتصادي الراهن للعالم الإسلامي المتسم بالعجز عن حماية المقدسات المحتلة والشعوب الإسلامية التي تتعرض للقتل والتهجير، ومحاولة البحث عن حل يقوم به الشباب من تلقاء أنفسهم دون الاستناد إلى مرجعية دينية واعية، واستخدام جماعات التطرف لمصطلح "الخلافة الإسلامية" أو الدولة الإسلامية" بما يجذب الشباب للحلم الذي يحلمون به لمواجهة الواقع المرير للأمة في نظرهم وخاصة في ظل الواقع الدولي الذي  يكيل بمكيالين بما يخص قضايا الأمة المعاصرة.

 

أما من حيث علاج ظاهرة التطرف فقد توصلت الدراسة إلى مجموعة من الإجراءات التي يجب اتخاذها بين مؤسسات الدولة كافة ذات العلاقة كل حسب اختصاصه.

 

في مجال التعليم العام و العالي والثقافة، خلصت الدراسة إلى أنه لابد من تكامل العلاقة بين الأسرة والمؤسسة التربوية (المدرسة والجامعة) والمجتمع لمواجهة الجهل، والتنسيق و التعاون الكامل بين المؤسسات التربوية لوضع الخطط و البرامج الهادفة في المدرسة و الجامعة لإيجاد حالة من الانسجام و التناغم و العمل المشترك، وعقد حوارات ومناظرات مفتوحة مع الشباب في المؤسسات التربوية والتعليمية حول القضايا الوطنية و الثقافية، وتفعيل الأنظمة و القوانين الناظمة و تطبيقها بمنتهى العدالة والشفافية، وتخصيص برامج متخصصة للشباب في وسائل الإعلام و إيجاد وسيلة لإيصاله من خلال رسائل التواصل الإجتماعي، والإقرار بفشل نهج العنف عبر التاريخ دون تحقيق أي نتائج إيجابية، و تدريب وتأهيل العاملين في المؤسسات التعليمية بالمستويات كافة ليتمكنوا من التصدي لأي أفكار قد تؤدي إلى انزلاق الشباب و الاستعانه بذوي الخبرة من العلماء و المختصين في علم النفس و الإجتماع، وإدخال مادة الفلسفة و علم المنطق و أدبيات الحوار و الثقافة العالمية و الوسطية، والتركيز على رسالة عمان وإدخالها في المنهاج المدرسي و الجامعي بعمقها و رسالتها العظيمة و فلسفتها، و تدريب الطلاب على إدارة الوقت و تكثيف البرامج اللامنهجية في أوقات الفراغ  وغيرها من الإجراءات.

 

وتوصل فريق المحور السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي إلى عدة توصيات التوصيات، كتحقيق العدالة الاجتماعية والسياسية من أجل الحد من الظلم الذي يساهم في انتشار ظاهرة التطرف، وتفعيل لغة الحوار وتعزيز ثقافة تقبل الرأي والرأي الآخر لدى الشباب، وتعزيز قيم الشفافية والنزاهة ومحاربة الفساد بكل أشكاله، وتطبيق القانون من خلال تعزيز المساواة أمامه، وتعزيز حرية الرأي والتعبير المسؤول، وتعزيز هيبة الدولة، والعمل على نشر الوعي من قبل جميع مؤسسات التنشئة، وتضمين مناهج التعليم والخطاب الإعلامي الذي يعزز الولاء الوطني والقومي، واتخاذ الإجراءات الوقائية والعلاجية الرادعة لمكافحة الجريمة، وتعزيز القيم والعادات الإيجابية في مواجهة التطرف، وتشجيع الشباب على الانخراط في المنظمات الاجتماعية والعمل التطوعي، وتوجيه الاستخدام الإيجابي والبناء لشبكات التواصل الاجتماعي، وتوفير فرص العمل والحد من البطالة، و العدالة في توزيع مكتسبات التنمية، وتبني المواجهة الفكرية لهذا التطرف.

 

وأوصى فريق المحور الإعلامي بالعناية باختيار الوجوه الإعلامية في البرامج الثقافية و الدينية وإعداد قوائم جديدة للضيوف الذين يظهرون في  البرامج الدينية على أن يكونوا من ذوي الثقة والصدق والأمانة والنزاهة، و بناء معايير واضحة لبث البرامج الدينية من حيث المحتوى، وتدريب شباب جدد من عمر مواز للشباب المتلقي لتقديم برامج دينية وثقافية و تعليمية بروح عصرية، ومتابعة شبكات التواصل الاجتماعي من حيث المحتوى المنشور، والذي يتضمن لغة الكراهية والتطرف، وتفعيل دور مؤسسة المسجد بطريقة حضارية و تقدمية بوصفها جهة وعظ وإرشاد ديني، وبناء حملة إعلانية وإعلامية واضحة لمواجهة الفكر المتطرف (رسائل نصية على الهواتف المتنقلة، ومضات توجيهية على وسائل الإعلام المرئي والمسموع، وملصقات في الجامعات، والاهتمام بالملاحق الدينية في الصحف من حيث المحتوى والكتّاب والقائمين عليها، وإعطاء الطلبة مساحة للتعبير عن رأيهم في الجامعات وعبر وسائل الإعلام  الجامعي المختلفة دون تمييز،  وتحقيق العدالة في النهج العام  والممارسات التي تعزز الثقة بين الشباب و مؤسسات الدولة، وبخاصة فيما يتعلق بفرص العمل والتعيينات، وإعادة النظر في محتوى مادة التربية الوطنية ودراسة تاريخ الأردن من منطلق الأحداث التي مرت به وسياسة الانفتاح و التسامح لدى القيادة في مواجهتها.

 

ووجد فريق المحور الديني و بناء على نتائج الدراسة أنه من الضروري التأكيد على الحرص على بناء الثقة بين المشاهدين و علماء الدين الذين يقدّمون الخطاب الديني الرسمي، و أن يكون شعار الدين النصيحة هو السائد في علاقة العلماء مع مؤسسات الدولة، وبناء جسور الثقة بين المؤسسة الدينية الرسمية و المجتمع بفئاته المختلفة عن طريق الالتزام شرعاً وقانوناً في هذه المؤسسة و اختيار ذوي الكفاءات والكفايات، كما يجب الرفض السريع لأي مظهر من مظاهر الفساد لتكون هذه المؤسسة نموذجاً وقدوة للآخرين، وتقييم أساليب معالجات وزارة الأوقاف و المؤسسات الدينية و المؤسسات ذات العلاقة كالإعلام وغيره في معالجة موضوع الإرهاب و التطرف، وتطوير الإساليب المتبعة في الدعوة و الحوار الفكري بشكل مستمر مواكب للأساليب المعاصرة.

 

وأكد فريق المحور الديني ضرورة تبني قيم رسالة عمان بعمق فلسفتها وقرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي بشأن الإسلام و الأمة الواحدة و المذاهب العقدية و الفقهية.

 

أضف تعليقك