دراسة:العنف المجتمعي في غالبيته يأخذ وعاء عشائريا أو عائليا
أظهرت دراسة أعدها صندوق دعم البحث العلمي في وزارة التعليم العالي حول العنف المجتمعي في الاردن أن أهم شكل للعنف المجتمعي هو المشاجرات الجماعية التي تبدأ عادة بخلافات او مشكلة بين شخصين لتتطور لاحقا الى مشاجرة جماعية بين افراد الاطر المرجعية (العشيرة او المنطقة) التي ينتمي لها الاشخاص المختلفون.
وجاءت الدراسة بتكليف من وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور وليد المعاني واجراها فريق أكاديمي ترأسه الدكتور موسى شتيوي من الجامعة الاردنية ، وضم كلا من الدكتور مجد الدين خمش والدكتور جميل الصمادي والدكتور غازي ابو عرابي من الجامعة الاردنية ، والدكتور منير كرادشة من جامعة اليرموك.
وبينت الدراسة ان عدد هذا النوع من المشاجرات منذ عام 2009 ولغاية 31 ـ 5 ـ 2010 بلغ (752) مشاجرة جماعية مسجلة رسميا لدى الاجهزة الامنية ، وقد حازت محافظة الزرقاء كما بينته البيانات الصادرة عن مديرية الامن العام نصيب الاسد من هذه المشاجرات (26,1%) تجاوزت نسبة سكان المحافظة من اجمالي سكان المملكة بعشر نقاط مئوية في حين بلغت نسبة المشاجرات في العاصمة عمان 18,1% وهي اقل بعشرين نقطة مئوية من نسبة مساهمتها من اجمالي سكان المملكة ، وحصدت معان 11,6% من مجموع المشاجرات بينما ساهمت محافظة اربد بنسبة 9,2% من مجموع المشاجرات.
واظهرت الدراسة ان ثلاث محافظات لم تشهد سوى عدد محدود من المشاجرات الجماعية وهي الطفيلة 3 مشاجرات والمفرق 8 مشاجرات والعقبة 9 مشاجرات في الفترة الزمنية قيد الدراسة.
أسباب المشاجرات
وقالت الدراسة انه في رصد الاسباب المختلفة لحدوث المشاجرات كما تم تدوينها في ملفات الامن العام فقد توزعت الى خلافات عائلية 29,1% و خلافات شخصية ومالية 64,3% وثأر قديم 6,6% تحولت فيما بعد الى عنف جماعي ، ويدل ذلك على ان العنف المجتمعي هو في غالبيته ليس عنفا عشائريا وانما يأخذ وعاء عشائريا او عائليا بعد حدوثه. ونتج عن هذه المشاجرات اضرار جسيمة على الانسان والممتلكات حيث نتج عن هذه المشاجرات 2881 اصابة اغلبها بليغة و 25 حالة وفاة بالاضافة الى تدمير عدد كبير من المنازل والمحلات التجارية والاماكن العامة والتي لم يتمكن فريق الدراسة من حصر حجم خسائرها.
ولاحظ فريق الدراسة ان غالبية الجناة هم من الفئات الشبابية بامتياز ضمن الفئة العمرية 18 - 27 سنة بنسبة %47 والفئة العمرية 28 - 37 سنة بنسبة %28 غالبيتهم من المتعطلين عن العمل 64,4%. اما بالنسبة لضحايا المشاجرات فانها تنحصر في الفئة الشبابية ايضا بنسبة %35 للفئة العمرية 18 - 27 سنة و 27,3% للفئة العمرية 28 - 37 سنة.
ووفق الدراسة فقد تميز العنف المجتمعي بكافة اشكاله بعدد من الابعاد والمظاهر منها المبالغة في ردود الافعال والعصبية الشديدة والنزعة والتطاول لعدم احترام القانون واستخدام العنف ضد الاجهزة الامنية والاستخدام الكبير للاسلحة النارية ، مشيرة الى ان العنف المجتمعي ينطوي على مخاطر كبيرة تتمثل بالتهديد للسلم الاجتماعي وتراجع هيبة الدولة والتكلفة البشرية والاقتصادية الباهظة وخطر التحول من العنف الاجتماعي الى العنف السياسي.
واكدت الدراسة أن معالجة ظاهرة العنف المجتمعي تتطلب تضافر جهود كافة المؤسسات الرسمية وغير الرسمية ، لان العنف المجتمعي هو مظهر لازمة اكبر ذات ابعاد اقتصادية واجتماعية وسياسية ، والتي نتجت عن التحولات التي عاشها المجتمع الاردني في العقدين المنصرمين. كذلك فان معالجة هذه الظاهرة الخطيرة يجب ان تستند الى قناعة مفادها انه لا يمكن معالجتها من منظور أمني فقط على الرغم من اهميته ومحوريته في معالجتها ، بل تحتاج الى منظور طويل الامد يستند الى برامج وخطط متعددة الابعاد والمجالات ، بالاضافة الى الحاجة لمعالجة هذه الظاهرة بطريقة متكاملة ومتناغمة والا ينظر الى هذه التوصيات بطريقة مجزأة ومجتزأة.
وعزت الدراسة الاسباب والعوامل التي ساهمت في العنف المجتمعي الى الدور المتنامي للاطر التقليدية كالعائلة والعشيرة ومسقط الرأس (كهويات فرعية) في الحياة العامة كمرجعية للعلاقة بين الفرد والدولة بدلا من الاطر المدنية الحديثة كالاحزاب والمجتمع المدني. كذلك فان تغير نمط السلطة في العشيرة في اغلب مناطق المملكة كتراجع سلطة شيوخ العشائر التقليدية وبروز متنفذين اقتصاديا وسياسيا ساهم في اساءة استخدام التنظيم العشائري العائلي لمصالح لا تمت للعشيرة بصلة ، وكذلك فان استمرار العمل بالعرف العشائري دون وجود اختصاص قضائي كما كان في السابق وتوسع استخدامه في كثير من القضايا غير العشائرية ادى الى توسع هامش اعراف المجتمع على حساب القانون وهيبته.
بالاضافة الى ذلك فان المشاكل التي يعاني منها الشباب الاردني كالبطالة والاحباط السياسي والاجتماعي والنفسي كانت عاملا هاما جدا بالشكل والتعبير الذي اخذته هذه المشاجرات بما يدل على ان العنف الاجتماعي هو احد مظاهره الازمة التي يعيشها الشباب الاردني اليوم.
وبحسب الدراسة فقد كان للتحولات الاقتصادية ايضا وخاصة لاقتصاد السوق والعولمة وتراجع دور الدولة التنموي والاجتماعي اثار سلبية على عدد كبير من المواطنين. فاستمرار نسبة الفقر المرتفعة وتدني دخول الغالبية من الاردنيين وخاصة في المحافظات والمناطق خارج العاصمة والتي تعاني من ضعف تنموي عام لها اثر كبير في توليد الاحباط والتوتر والعنف ، كذلك فقد شهد المجتمع الاردني ازديادا في تفاوت توزيع الدخل بين الفئات والشرائح المختلفة والذي انعكس سلبا على نظرة المواطنين على الاداء الاقتصادي للحكومات المختلفة والنظرة السلبية للفئات الاجتماعي الاكثر ثراء.
اما الاسباب القانونية فقد شملت ضعف الثقافة القانونية لدى المواطنين وعدم الثقة بتطبيق القانون بالتساوي على كافة الفئات العمرية مما يؤدي بالناس لعدم احترام القانون والتطاول عليه وكذلك ينتشر شعور كبير لدى فئات مختلفة بعدم المساواة وانتشار التمييز والواسطة والمحسوبية والجهوية في توزيع المكاسب في القطاع العام والخاص على حد سواء.
وقالت الدراسة ان هذا الشعور والواقع يؤدي الى عدم احترام القانون ومحاولة التعدي عليه لتحقيق مصالح محددة او شعور بعض الفئات بانها فوق القانون وبالتالي الانصياع اليه. بالاضافة الى هذه الاسباب العامة هناك بعض الاسباب القانونية الخاصة كقصور بعض النصوص القانونية المرتبطة بالعنف والجرائم بشكل عام وبطء اجراءات التقاضي امام المحاكم واحيانا عدم التطبيق السليم والصحيح للقانون.
توصيات
وتضمنت الدراسة توصيات ضمن ثمانية محاور اساسية تتضمن سياسات واجراءات مع تحدي الجهات ذات العلاقة بتنفيذها بحيث تستند الى تطبيق سيادة القانون بشكل حازم ومجرد وعادل ، الهوية الوطنية الجامعة والشاملة التي تضم كافة مكونات الشعب الاردني ، التركيز على فئة الشباب في معالجة العنف المجتمعي ، اعتماد مبدأ اللامركزية في تنفيذ السياسات والبرامج المركزية على مستوى الوطن من خلال اعطاء المجتمعات المحلية دورا فاعلا في بلورتها وتنفيذها وخلق شراكة مع الهيئات المحلية المنتخبة كالبلديات ومؤسسات المجتمع المدني المحلية الاخرى ومشاركة مؤسسات المجتمع المدني واعطائها دورا رئيسا في تنفيذ البرامج او التوصيات والعمل على توفير اشكال الدعم المختلفة لها وكذلك الارتكاز في تنفيذ هذه التوصيات على مبدأ المشاركة والحوار ومبدأ اعمال العقل والتكفير الناقد.
وفي محور المواطنة والانتماء والهوية الوطنية اوصت الدراسة بالعمل على تجسير الفجوة بين جماعات الشباب من المناطق الاجتماعية والجغرافية المختلفة وصهرهم من خلال تنظيم برامج تثقيفية وترفيهية مشتركة على مستوى المدارس والجامعات وتنمية الحوار البناء فيما بين فئات الشباب المتعددة وتعزيز الهوية الوطنية.
وفي محور تكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية ، اوصت الدراسة بالقضاء على كافة اشكال التمييز القائمة على اساس الجنس او الدين او الاصل وتطبيق مبدأ المساواة بين المواطنين بمعالجة المظالم لدى الفئات المختلفة في القطاع العام والخاص بتسهيل اجراءات الوصول الى ديوان المظالم واعتماد اجراءات تنافسية علنية تقوم على الكفاءة والاختصاص في عملية التعيين للمناصب العامة والقيادية وكذلك استحداث قانون خاص لمكافحة استخدام الواسطة في القطاع العام من خلال سن القوانين والتشريعات ، ونشر الثقافة القانونية بين الناس والتوعية باهمية تطبيق القانون والاسراع في البت في القضايا المرتبطة بالعنف المجتمعي وتطوير اساليب جديدة في الوصول للمطلوبين قضائيا ، ودراسة امكانية ربط جهة التنفيذ بوزارة العدل ، وعدم الحكم بالحد الادنى للعقوبة في حالات العنف المجتمعي من اجل عدم تشجيع العودة للجريمة.
وفي محور تعزيز الكفاءة الامنية والادارية للتعامل مع العنف المجتمعي ، اوصت الدراسة باعادة النظر بنظرية الامن الشامل التي يتبناها الامن العام من حيث مدى ملاءمتها للمستجدات في المجتمع الاردني ، باتجاه التركيز على الامن الشخصي للمواطنين ، وتطوير قواعد اشتباك خاصة بالعنف المجتمعي ، واعادة النظر بالاسس والمعايير في تشكيل المجالس الامنية المحلية بحيث تضم المجالس المحلية البلديات ومؤسسات المجتمع المدني المحلية بديلا عن القيادات التقليدية او اضافة اليها واعادة النظر بالقوانين الناظمة لحمل الاسلحة المرخصة وغير المرخصة ، ولاطلاق العيارات النارية في المناسبات الخاصة والعامة.
وفي محور تعزيز المنظومة القيمية والاجتماعية ، اوصت الدراسة بتعزيز الروح الوطنية والتسامح في المنابر الدينية المختلفة من خلال ادخال الثقافة المدنية في برامج التوعية الدينية الحكومية وغير الحكومية.
وفي محور تعزيز ثقافة العمل التطوعي ، اوصت الدراسة بإحياء وتطوير فكرة المعسكرات الشبابية للعمل والبناء ، وتنشيط الحركة الكشفية وتحديث عملها على الاسس الكشفية العالمية ودعوتها لاستقطاب الشباب ، وتضمين مناهج التعليم المدرسي والجامعي مفاهيم حديثة ووسائل تعليمية لتشجيع الابتكار والابداع والتطوع ، وحفز مؤسسات القطاع الخاص والنقابات والاتحادات المهنية على تخصيص جزء من مواردها المالية لدعم مسيرة العمل التطوعي ولانجاز اعمال تطوعية ضمن مفهوم المسؤولية الاجتماعية.
وفي محور مكافحة البطالة لدى الشباب الاردني ، أوصت الدراسة بإفراد اجزاء خاصة في استراتيجية مكافحة البطالة لفئة الشباب وتطوير اهداف ومؤشرات خاصة بالشباب في خطة الاهداف الانمائية الالفية.
وفي محور تعزيز البيئة التعليمية في الجامعات ، اوصت الدراسة باعادة النظر في اجراءات قبول الطلبة وخاصة القبول الاستثنائي لتعزيز مبدأ المساواة والكفاءة ، وربط استمرار المنح المقدمة للطلبة بحسن سيرة السلوك بالاضافة للاداء الجيد ، للحيلولة دون مشاركة الطلبة المستفيدين من هذه المنح بالمشاجرات الجامعية او الانشطة غير المشروعة الاخرى ، والعمل على تحقيق مبدأ العدالة في التعيينات في الجامعات ، وانشاء مراكز ارشادية نفسية متخصصة لخدمة الطلبة الذين يعانون من مشكلات سوء التكيف النفسي والاجتماعي ، وانشاء وحدة للامن الجامعي في كل الجامعات الاردنية تتمتع بصفة نائب الضابطة العدلية تكون تابعة لرئاسة الجامعة مع اجراء التعديلات التشريعية اللازمة لذلك.
وفي محور تطوير المعرفة حول العنف في المجتمع ، اوصت الدراسة بانشاء مركز دراسات متخصص يعنى بالعنف المجتمعي بأبعاده المختلفة ، يكون مقره وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ، أو احدى الجامعات الرسمية ، وانشاء كلية أو قسم اكاديمي في احدى الجامعات الاردنية متخصص بالعدالة الجنائية والجريمة.