خليل ضد برجس .. الناقد والسارد بين الوهم والحقيقة

الرابط المختصر

 (علينا الصمت إذا ما اختلط الوهم بالحقيقة )..

أغلق جلال برجس روايته "دفاتر الوراق " بهذه الجملة، ويبدو أنه التزم بها تماما وهو يتابع ما خطه د.ابراهيم خليل من ملاحظات على راويته التي فازت بجائزة البوكر للرواية العربية لسنة 2021 .



وفي الوقت الذي انشغل فيه برجس بالاحتفالات المحلية والعربية بروايته، فقد انهمك .د.خليل بتتبع الهنات في الرواية، وإحصاء ما اعتبره خروجا على تقنيات السرد  الروائي في سلسلة مقالات نشرها تباعا في"القدس العربي"،بهدف تأكيد موقفه من الرواية التي حاكمها على قواعد يعتقد بوجوب توفرها في أي نص سردي، معلنا ان "دفاتر الوراق" لا ترقى للفوز بالجائزة.



يقول د.خليل إن"دفاتر الوراق، يغلب عليها المتخيَّل العشوائي، والتلفيق، واعتماد المصادفات، وفساد الحبكة، وآلية الشخوص، واضطراب العلاقات بين المرْويّات، والإفراط في الاعتماد على رواياتٍ أخرى أفسدَتِ النسَق، علاوة على اللغة المفتعلة في السَرْد، والحوار، واعتماد الكاتب على فكرةٍ مستعارة من رواية أخرى هي رواية «أبناءُ الريح». لذا نعتقد، في غير قليل من الجزْم، ألا قيمة ـ علمياً ـ لما قيل فيها من تقْريظ، وما نُشر عنها من مقالاتٍ تغضُّ النظر عما فيها من هناتٍ ومن ثَغَرات، فهي من زبَد المقالاتِ الذي يفْنى، لا مما ينفع الناس فيمكثُ في الأرض ".



ولم يلتفت جلال برجس لكل هذا، ظل موقنا تماما أن ثمة " شخصنة .." في النقد الذي وجهه د. خليل لروايته، فلم ينبس ببنت شفة، وظل ملتزما قاعدته التي ختم بها روايته "علينا الصمت إذا ما اختلط الوهم بالحقيقة ".



هذا الصمت لأب الرواية، لا يعني غير التعبير عن موقف عدم الالتفات لما يقوله د. خليل عن "دفاتره .."، وان ما يقوله عنها هو مجرد "توهمات الناقد .." على "النص "، فيما تبقى الحقيقة هي الوحيدة القتيلة بين الطرفين..



إن النقد في العادة يتبع الذوق، والتأثر، ومدى قابلية القاريء للنص وقبوله له، ومن هنا تبدو كل مساطر النقد الأدبي ومدارسه مجرد قواعد رياضية لا يمكن سحبها على التعميم، فليس النص الأدبي"شعر، رواية، قصة ..الخ" غير لحمة من الأفكار والدفقات العاطفية لا يمكن حصرها في معادلة رياضية او فيزيائية او هندسية..الخ، لكن هذا لا يعني وبالضرورة عدم توفر الحد الأدنى من شروط العمل الأدبي، فلا يمكن على سبيل المثال اعتبار القصيدة شعرا ما لم تتوافر فيها أدنى شروط الشعر من عروض، وكذلك الحال مع القصة والرواية، وهذه الاشتراطات الأخيرة هي التي دفعت بالدكتور خليل لإصدار حكمه السابق على "دفاتر الوراق " ـ وفقا لمدرسته النقدية الأكاديمية ــ.



طالعت رواية"دفاتر الوراق " كقاريء ، قبل ان ينشر د. خليل مطالعاته وملاحظاته عليها، وكقاريء عادي لم أكن معنيا تماما بتسجيل ملاحظاتي الشخصية على العديد من أحداث الرواية، لكن حين نشر د. خليل ملاحظاته النقدية استذكرت الكثير مما قاله في مقالاته، ورأيت الحق معه في بعضها، لكنني وجدت أعذارا لصاحبها، لعل أهمها أنها كتبت على عجل، ولربما لم يراجعها، ودفع بها للنشر بعقيدة الموقن أنها كاملة الأركان..



اكتفى جلال برجس بالصمت تاركا للنقاد وللقراء النبش في الرواية واختبار مدى الحقيقة في ملاحظات وانتقادات د. خليل لها، مكتفيا في الوقت نفسه بما يكتبه البعض من تقريظ لها ــ بالتاكيد لم يعجب د. خليل ــ ، وتاركا الأسئلة المعلقة عما إذا كان ما قاله ناقده صحيح تماما، أم أن ثمة غزوة ثأرية بين الناقد والمؤلف آن أوان الأخذ بالثأر..



وأيا تكن النتائج والأحكام فإن ما جرى على هامش"دفاتر الوراق " ــ حتى الآن على الأقل ــ هو عمل ايجابي أطربني ، فقد أعاد هذا التلاقح القرائي للناقد والنص والمقرظ والروائي فتح صفحة أغلقناها منذ زمن طويل مضى، واكتفينا ــ للأسف ــ بالتقريظات الدعائية لأعمال أدبية لم تلامس جوهر العمل الأدبي، ولم تسبر جوَّانيته.



وبالنتيجة فان القراء العاديين بمجملهم لا يهمهم رأي النقاد كثيرا فيما يقرأونه، لكنهم قد يهتمون أكثر إذا ما كانت العملية النقدية نفسها مثيرة للتساؤلات، وهذا ما دفعني مبكرا للتواصل أولا مع د. خليل لسؤاله عما إذا كان يرغب بالحديث للصحافة حول نقده لدفاتر الوراق، لكنه اعتذر بلباقة، وكنت سأتصل مع جلال برجس أيضا للرد عليه، لكن اعتذاره دفعني لصرف النظر عن القضية...



وبالنتيجة فان دفاتر الوراق أخذت حقها من النقد والتقريظ، بعد ان أخذت حقها من الجائزة هي وصاحبها جلال برجس، لكن يبقى نقد د. خليل للرواية نفسها مدعاة تساؤل عن الخط الفاصل هنا بين الوهم والحقيقة، فيما يبقى صمت برجس نفسه يثير المزيد من الأسئلة .. لماذا آثرت الصمت حتى تفصل بين الوهم والحقيقة..؟!.