خبير مياه : تحدي المياه هو الأكبر على الصعيد الوطني خلال العقود القادمه

الرابط المختصر

بعد أن كشفت صحيفة معاريف العبرية عن إبلاغ إسرائيل الأردن بعدم نيتها تسليم حصتها السنوية من مياه بحيرة طبريا، والبالغة نحو 50 مليون متر مكعب وفق اتفاقية السلام الموقعة عام 1994، تتجدد المخاوف حول الوضع المائي في المملكة.

ورغم ما أعلنه الجانب الإسرائيلي من أسباب فنية تتعلق بالمياه والتسعيرة، تؤكد وزارة المياه والري أن هذه المبررات ليست هندسية بالأساس، مما يثير تساؤلات حول احتمالات وجود أبعاد سياسية قد تهدد الأمن المائي الأردني.

ويأتي هذا التطور في ظل أزمة مائية متراكمة تعانيها المملكة منذ سنوات، حيث تتفاقم الضغوط على الموارد الطبيعية نتيجة شح المياه وغياب مشاريع استراتيجية جاهزة للتنفيذ، وفق ما يوضح الخبير في إدارة المياه والبيئة الدكتور ذيب عويس.

ويؤكد عويس أن الإجراءات الحالية مثل خفض الفاقد المائي وتشديد الرقابة على الاعتداءات على الخطوط المائية، تمثل خطوات إيجابية لكنها محدودة التأثير، بينما يشكل مشروع الناقل الوطني لتحلية مياه البحر الأحمر الأمل الأكبر لتأمين مصادر جديدة وثابتة، رغم تأخر تنفيذه لعقود وارتفاع تكلفته بشكل كبير.

وتشير البيانات إلى هشاشة الاعتماد على الاتفاقيات المائية مع دول الجوار، إذ لم تمتلئ سدود الأردن الكبرى وفق الكميات المتفق عليها من سوريا وإسرائيل، بينما تتعرض المياه الجوفية لنسب استنزاف مرتفعة، ما يزيد من أثر التغير المناخي وارتفاع الطلب على المياه خلال السنوات المقبلة، بحسب عويس.

الناطق الإعلامي باسم وزارة المياه والري، عمر سلامة، في تصريحات له يؤكد أن تزويد المواطنين بالمياه يتم حاليا مرة أسبوعياً في معظم المناطق، ومرة كل أسبوعين في مناطق أخرى حسب الإمكانات المتاحة، مشيرا إلى أن الوزارة تمكنت من تجاوز صعوبة الموسم الماضي بخطط محكمة، وخفض الفاقد المائي إلى 40.9٪ بعد أن كان 45.3٪ العام الماضي، عبر تشديد الرقابة على الاعتداءات وحماية أكثر من 30 مليون متر مكعب من الحقوق المائية للمواطنين.

 

الحصاد المائي… خيار لا غنى عنه

يرى عويس أن الحصاد المائي يمثل اليوم إحدى الركائز الاستراتيجية التي يجب أن تعتمدها الدولة للحد من الفجوة المائية، مشيرا إلى أن الجانب الزراعي من الحصاد المائي ما يزال مهمَلا رغم قدرته على توفير كميات ضخمة بكلف منخفضة إذا نفذ ضمن خطة وطنية شاملة. 

أما في قطاع الشرب، فيؤكد أن عدد السدود الصغيرة أصبح يفوق الحاجة الفعلية، وأن كثيرا منها لا يمتلئ سنويا، وتبدو حفائر البادية مثالا على ذلك، إذ تصل طاقتها التخزينية إلى 130 مليون متر مكعب، بينما لا تحتاج الماشية سوى أقل من 10 ملايين، ما يجعل ما تبقى عرضة للتبخر.

كما يلفت إلى أن الحصاد المنزلي قد يخفف الضغط على الشبكات، لكنه ليس حلًا رئيسيًا بسبب كلفة إنشاء أنظمته وغياب الحوافز الحكومية.

يركز عويس على مشروع الناقل الوطني لتحلية مياه البحر الأحمر باعتباره الأمل الأكبر لتأمين مصادر جديدة وثابتة للمياه، لكنه يشير إلى أن تأخر تنفيذ المشروع لأكثر من عقدين ضاعف تكلفته وجعل الحكومة تواجه تحديات تمويلية كبيرة.

ويحمل الخبير جزءا من مسؤولية التأخير للرهان السابق على مشروع قناة البحرين الأحمر والميت الذي تعطل بسبب المماطلة الإسرائيلية، وسط غياب خطة بديلة جاهزة، ما أدى إلى ضياع أكثر من 15 عاما وارتفاع كلفة الناقل الوطني إلى نحو ثلاثة أضعاف تقديره الأصلي.

 

 

اتفاقيات الجوار… عبء مستمر

يعزز هذا الواقع هشاشة الاعتماد الأردني على الاتفاقيات المائية مع دول الجوار، فبحسب عويس، لم يمتلئ سد الوحدة على نهر اليرموك سوى بنحو 20 إلى 30% في أغلب السنوات الأخيرة نتيجة عدم التزام سوريا بإطلاق الكميات المقررة بموجب اتفاق 1987. كما أن كميات المياه الواردة من الجانب الإسرائيلي تخضع  وفق مسؤولين أردنيين لاعتبارات سياسية وتذبذب مستمر.

ويمتد القلق ليشمل المياه الجوفية، التي تؤمن نحو نصف مياه الشرب في الأردن، بينما تتعرض اليوم لاستنزاف واسع قد يؤدي إلى تدهورها خلال سنوات قليلة إذا لم تُتخذ إجراءات صارمة لحمايتها. ويقدّر عويس أن التغير المناخي سيضاعف المشكلة مع توقع انخفاض الهطل المطري بنسبة 15 إلى 25% خلال ربع القرن القادم، وارتفاع درجات الحرارة وزيادة الطلب.

يتوقع عويس أن تواجه المملكة أزمات مائية متكررة خلال السنوات الخمس المقبلة، قد تتضمن مزيدا من التقنين ليصل التزويد إلى مرة كل أسبوعين في بعض المناطق، إلى أن يبدأ تشغيل مشروع الناقل الوطني، مشددا على أن التعامل مع ملف المياه يتطلب مشاركة وطنية شاملة، تشمل وعيا مجتمعيا أكبر، وسياسات أكثر صرامة في إدارة الموارد الحالية، وتطوير خطط بعيدة المدى لضمان أمن الأردن المائي.