خبر العالم عني ان القدس تحتضر
إن صاحب أحد المحلات المشهورة في القدس والذي كان مقصدا للعديد من كبار المسؤولين وللجهات الدولية لجودة ما يبيعه ويستحق ان يكون هدية من القدس ، لم يكن يحلم في اسوء احلامه، ان ياتى عليه زمان كهذا الزمان.
فكما قال ذلك الصديق الذي وجدته جالسا امام حانوته في البلدة القديمة يهش ذباب كما يقولوا بالعامية، ويراقب المارة وهم مسرعون بالخروج من البلدة القديمة ، حتى انه كان يحاول ان يتلقف عيون احد المارة عله يجدها تنظر الى حانوته، ولكن بلا فائدة ،وما ان راني اقترب منه حتى سارعنى هذا الصديق الى القول بدون مقدمات :يا صديقي خبر العالم عني ان القدس تحتضر ! نعم انها في نفسها الاخير ، انظر الى الحوانيت فهي خالية بدون زبائن الذين هجروها ، قسم منهم هجرها مضطرا لعدة اسباب اولها الاجراءات الاسرائيلية، وقسم منهم هجرها عن سبق الاصرار والترصد بحثا عن مسار في حياته ، ويضيف الصديق وقد قام من مقعده على مدخل حانوته الصغير والذي يحتوى على العشرات من المصنوعات اليدوية المميزة تخيل ان اكثر من 80 % من اصحاب الحوانيت في البلدة القديمة بالقدس والذين اعرفهم معرفة شخصية ،لا يحصلون على اجرة عامل فلسطيني في اليوم ، وهي اقل من مئة شيكل ، رغم ان مصاريفهم اليومية اكثر من ذلك بكثير، فمجرد فتح الحانوت واشعال الكهرباء واستخدام الحمام وضريبة الارنونا والداخل فان هذا سيكلف المئات من الشواكل، هذا ولم نحسب بعد ربحه الذي لم يعد يتحدث عنه احد في البلدة القديمة منذ زمن بعيد!
ما علينا
المهم ، ان جملة صديقي التاجر "خبر العالم عنى ان القدس تحتضر" ، هي كبد الحقيقة، فقسم كبير من حوانيت البلدة القديمة لا تفتح ابوابها منذ اشهر وبعضها منذ سنوات بسبب الديون والملاحقات الضرائبية الاسرائيلية ، والتي تفوق كل خيال ، فصاحب احد الحوانيت التي لا تزيد مساحته عن مترين مطالب بدفع خمسة ملايين شيكل للسلطات الاسرائيلية ، ناهيك عن ان سكان الاحياء القريبة من البلدة القيمة هجروها كليا، لدرجة ان احد الاشخاص قال بانه لم يدخل البلدة القديمة منذ ست سنوات وهو يقطن حي لا يبعد سوى خمسة كيلومترات عن القدس.
فهذه الاحياء اصبحت قائمة بحد ذاتها ولم تعد تعتمد على البلدة القديمة في توفير اي من احتياجاتها ، والاحياء التي تحيط بالقدس تقوقعت حول نفسها، ولم تعد هناك حاجة الى التوجه لقلب القدس الننابضة المريض ، وهناك تذكر الصديق التاجر وبعض التجار ،الزعيم ابن القدس البار فيصل الحسيني رحمه الله والذي تمكن من خلال تواجده اليومي في البلدة القديمة من اعادة الحياة ولو قليل الى البلدة اضافة الى مهرجان التسوق والذي كان يحمل شعاره المعروف " اشترى زمنا في القدس "،واليوم وبعد رحيل ابن القدس لم يعد احد معنى بشراء زمنا في القدس ولا حتى شراء لحظة، حتى من يطلقون على انفسهم قادة وزعماء هم اول من يهجر البلدة القديمة فهذا رجل الاعمال الذي يحاول قدر الامكان ان يكون خليفة لفيصل الحسيني ويحاول ان يقلده (لكن هيهات ) لم يقم بشراء كعكة وفلافل من البلدة القديمة ذات يوم، فما باللك بالاستثمار الذي ينادى به صباح مساء ، اما هذا القائد السياسي الذي يطل علينا صباح مساء عبر بعض الشاشات يتباكى على القدس وما تواجه من اجراءات اسرائيل تهدف الى تهويدها ، لا نجده يمر حتى بالقرب من البلدة القديمة ! ولم يقم بزيارتها منذ فترة طويلة ..،
هذه القدس المسكينة تتحول في ساعات العصر الى مدينة اشباح ، فالحوانيت في سوق اللحامين على سبيل المثال تغلق ابوابها في ساعات الظهر والعصر، اما الحوانيت في باب خان الزيت فانها تغلق ابوابها حتى الساعة السادسة مساء ، للتحول بعد ذلك البلدة القديمة الى مدينة اشباح لا تتجول فيها الا الاشباح التي تبحث عن مكان لها، تبحث عن علاقة تاريخيه تربطها بهذه المكان الاهم في العالم ، هذه الاشباح لا تقوم بالجولات التثقفيفة والتعليمية الا في ساعات المساء حتى تستطيع ان تتحدث على راحتها وتستطيع ان تكذب قدر ما تريد فلا احد من اهل البلد متواجد ، فهم اما في بيوتهم او في رام الله او في القدس الغربية ..! قالوا ان القدس عاصمة الدولة ، ولكنهم لم يقولوا كيف سيحافظون على القدس التي تحتضر يوما بعد يوم وتنتهى قطعة بعد قطعة.وبعد ان انتهى الحجر قارب البشر ان ينتهوا .. ويقولون لنا اننا متشائمون ولا نبث روح التفاؤل ، فنقول لهم : اعملوا وسيرى الله عملكم والمؤمنين ، ونحن سنكون اول المصفقين ...المهم ان لا تبيعوا اهل القدس الكلام الفارغ والمهم ايضا ان تنقذوا القدس من الاحتضار ...!
وللحديث بقية