خبراء وباحثون أردنيون يدعون لمشروع عربي مشترك في مواجهة أزمة "كورونا"

الرابط المختصر

-    يقدّم التقرير مشروعًا عربيًا للتعاون في مواجهة أزمة الوباء وتداعياتها المختلفةوعددًا من الآليات الفاعلة لتحقيقه 

-    العالم العربي هو الأكثر تأثراً بتداعيات الأزمة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وهناك غياب لأي جهد مشترك في مواجهة الأزمة

-    رجحوا سيناريون التكيف والتعايش مع استمرار أزمة كورونا

-    العديد من القراءات تشير إلى احتمال تزايد القبضة الأمنية، واستبعاد أي تحولات أو إصلاحات ديمقراطية في معظم الدول العربية

-    نظرت بعض الأنظمة العربية إلى الأزمة كفرصة لتحقيق مكاسب ميدانية أو تطوير حالات تخدم مصالحها في بعض الملفات الساخنة في المنطقة

-    أكد ضرورة الاهتمام بتحصين المنظومة الصحية والاجتماعية العربية والاقتصاد العربي، وتشكيل إطار خاص بذلك

 

دعا فريق من الخبراء والباحثين الأردنيين لمشروع عربي مشترك لمواجهة أزمة وباء "كورونا"وتداعياتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، مشيرين إلى أن العالم العربي سيكون الاكثر تأثرا بهذه التداعيات نظرًا للاختلالات الهيكلية والبنيوية، والحجم الكبير من المديونية الداخلية والخارجية نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، إضافة إلى الصراعات العسكرية والانقسامات السياسية القائمة في العديد منها.

وتناول تقرير لفريق الأزمات في مركز دراسات الشرق الأوسط وجاء في 45 صفحة توصيف الأزمة وبيئتها (الدولية والإقليمية والعربية)، وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والجيواستراتيجية على العالم، والعالم العربي بشكل خاص، مستعرضاً ثلاث سيناريوهات محتملة لمستقبل أزمة فيروس كورونا من حيث تداعياتها على العالم العربي، و كل من سيناريو احتواء الأزمة بشكل سريع وتداعيات محدودة ضمن مدى زمني قصير نسبيًا (3-6 شهور)، وسيناريو التكيّف والتعايش مع استمرار الأزمة وتداعياتها الخطرة لفترة طويلة نسبيًا (6 شهور إلى عام أو عام ونصف)، وسيناريو الفوضى وانفلات الأزمة، والفشل في احتواء تداعياتها، وخروجها عن السيطرة واستمرارها لفترة طويلة مفتوحة.

ويرجح التقرير سيناريو (التكيّف والتعايش)، مع ضرورة الانتباه إلى أنّ هذا السيناريو مرنٌ وقد يتطوّر نحو السيناريو الثالث الذي يمكن وصفه بالسيناريو الكارثي في حال فشلت الدول العربية باحتواء تداعيات الأزمة عبر تعاون وتكاتف وتكافل حقيقي وفعال، يستند إلى حشد الإمكانات اللازمة وخاصة البشرية والعلمية لمواجهة هذه الأزمة.



ويعتقد التقرير أن أزمة تداعيات انتشار وباء كورونا تعد أزمة متحركة، فهي تحمل تغيرات جوهرية ومفاجئة وتشكّل تهديدًا للوضع القائم، وتهديدًا لبقاء الدول واستقرارها وإمكانية فقدان السيطرة على نتائجها.



ويقوم المشروع العربي لمواجهة أزمة " كورونا" الذي دعا له التقرير على قواعد وأسس عدّة، أبرزها الاهتمام بتحصين المنظومة الصحية والاجتماعية العربية والاقتصاد العربي، وتشكيل إطار خاص بذلك، أو تفعيل أحد الأطر المناسبة القائمة للتعاون العربي في هذا المجال، على أن تكون سياسات وقرارات هذا الإطار توصيات ملزمة لكافة الدول، مع ضرورة فصل الإنساني والحيوي عن الخلافات السياسية بين الدول والقيادات العربية لضمان تهيئة البيئة المناسبة للتعاون المطلوب.



ويقدّم التقرير مشروعًا عربيًا للتعاون في مواجهة أزمة الوباء وتداعياتها المختلفة، ويشمل ذلك مسوّغات المشروع وأسسه، واستراتيجية المواجهة، وتفعيل دور القطاع الخاص، وعددًا من الآليات الفاعلة لتحقيقه.



ومن أهم ما يطرحه المشروع تفعيلُ مجلس وزراء الصحة العرب، وإنشاء صندوق عربي مشترك للصرف على برامج وآليات مواجهة الأزمة بمختلف أبعادها الصحية والاجتماعية والاقتصادية، وإقرار استراتيجية مشتركة لمواجهة هذا الوباء تقوم على تحقيق التوازن بين الإجراءات المنفردة للدول العربية بقدراتها الذاتية وبين المستوى العربي الجماعي عن طريق الدور التنسيقي لجامعة الدول العربية ومجلس وزراء الصحة العرب، والذي يسمح بتجميع القوّة وتوجيهها والاستفادة من الإمكانات العربية المتوفرة.



كما يقترح التقرير خلق تكتلات مصرفية عربية لتمويل العمليات الاقتصادية، وتشكيل آليات وهيئات مشتركة حيث لزم بدعم حكومي وتسهيلات، كإنشاء صندوق البحث العلمي العربي، وصندوق خاص للتعليم التكنولوجي المتقدم، وإنشاء "بنك الفقراء" للإشراف على خفض منسوب الفقر في العالم العربي، وتقديم الدعم المالي والطبي للدول العربية التي لا تقوى منفردة على توفير مستلزمات المواجهة ومعالجة تداعياتها.



ويوصي التقرير في ختامه بسرعة اتخاذ قرار في جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين لتبنّي هذه المبادرة، وعقد مؤتمر عربي موسّع، ولو عبر التقنيات الافتراضية، من خبراء الصحة والاقتصاد والاجتماع والتكنولوجيا خصوصًا لمناقشة هذه التصورات وتطويرها وتحويلها إلى برامج عمل، كما يدعو التقرير الحكومة الأردنية التي حقّقت نجاحات مميزة في مواجهة الأزمة إلى تبنّي هذا المشروع.

 

ويبحث التقرير خيارات عربية عدّة لمواجهة الأزمة، وذلك في مجالات مختلفة، أوّلها المجال الصحي والطبي، والذي يوصي التقرير بوضعه على رأس الأولويات لمواجهة الأزمة، وهو ما يتطلب إجراءات استباقية وصارمة وتحويل جزء من ميزانيات الدول لخدمة المجال الصحي، وفي المجال السياسي والأمني يوصي التقرير باعتماد الشفافية ومصارحة الشعوب كخيار رئيسي لضمان تحقيق الإجماع الوطني في مواجهة الأزمة، وتعزيز تعاون المواطنين في تنفيذ القرارات الصارمة التي تحدّ من حريات الأشخاص، وفي المجال الاقتصادي والمالي يطرح التقرير إمكانية الاستفادة من التبرعات المالية التي يقدّمها الأفراد والشركات ومنظمات المجتمع المدني وإنشاء صناديق لذلك مقابل التقليل من الاعتماد على الاقتراض من صندوق النقد الدولي، مع ضرورة المواءمة بين الأولويات الطبية والخطط الاقتصادية لتأمين استقرار الاقتصاد وحماية الطبقات الفقيرة لمنع الاضطرابات الأمنية من خلال إدارة الموارد الاقتصادية بصورة كفؤة.

 

ويرى التقرير أن كلاً من الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، لم تلعب دورًا قياديًا يذكر في مواجهة الوباء، وبرز ضعف التعاون الاقتصادي والصحي بين أعضائهما، وانعدمت برامج تبادل الخبرات والإدارة المشتركة، باستثناء ما كان من بعض أعضائهما من مساعدات فردية أو تنسيق محدود على مستوى وزارات الصحة والخبراء، والذي لم يرتق لمستوى الأزمة وحجمها.



ويجمل التقرير التداعيات الاقتصادية والاجتماعية على العالم العربي بعدّة مجالات تضمنتها تقارير صادرة عن صندوق النقد الدولي ومنظمة الأسكوا ومنظمة العمل الدولية، أهمها تكبد الشركات خسائر فادحة في رأس المال السوقي بلغت قيمتها حوالي 420 مليار دولار خلال الفترة الممتدة ما بين كانون الأول/ ديسمبر 2019 إلى منتصف آذار/ مارس 2020، وتراجع مستويات الأمن الغذائي ما قد يسبب معاناة 1.9 مليون شخص إضافي من نقص التغذية بسبب تزايد الفقر، وزيادة عدد الفقراء بأكثر من 8.3 مليون شخص، إضافة إلى خسارة حوالي 5 مليون وظيفة وارتفاع معدّلات البطالة بحوالي 2% على معدلاتها المرتفعة أصلًا، إضافة إلى احتمالية أن يتراجع الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية بما لا يقل عن 42 مليار دولار في عام 2020، وخسارات كبيرة يُتوقع أن تتعرض لها البورصات العربية والصناديق السيادية العربية بسبب الوباء.



أما في البعد السياسي، فيُلقي التقرير الضوء على التعامل السياسي الداخلي للدول مع الأزمة عالميًا وإقليميًا، حيث جاء تعاطي هذه الدول مع الأزمة مختلفًا تبعًا لاختلاف البيئة السياسية السائدة فيها، ويؤكد التقرير غياب الجهد العربي المشترك بين الدول باستثناء ما كان بين بعضها من تعاون ثنائي. 

وفي المقابل نظرت بعض الأنظمة العربية إلى الأزمة كفرصة لتحقيق مكاسب ميدانية أو تطوير حالات تخدم مصالحها في بعض الملفات الساخنة في المنطقة، وهو ما ظهر في الملفَين اليمني والليبي، وإلى حد ما في الملف السوري، ومع ذلك فإنه لا يزال من الممكن استثمار هذه الجائحة وتطوير مبادرة أو أكثر لوقف الحروب رغم استمرار الاختلافات السياسية بين الأطراف.

 وداخليًا، فإن العديد من القراءات تشير إلى احتمال تزايد القبضة الأمنية، واستبعاد أي تحولات أو إصلاحات ديمقراطية في معظم الدول العربية، خصوصًا أن ثمة مخاوف من الآثار الاجتماعية الخطيرة التي تتوقع الفوضى وارتفاع نسب العنف والجريمة بسبب الفقر والجوع والصراعات الطبقية.



وفي البعد الجيواستراتيجي، تبقى الاحتمالات والتداعيات الدولية مفتوحة على العديد من الخيارات، غير أن أساس هذا الوباء ومصدره سيكون المحدد الأهم لمثل هذه التطورات، مع أنه لم يظهر أي نشاط يدل على اتجاه محدد باستثناء بعض التحركات والمناورات البحرية الأمريكية باتجاه فنزويلا، أو مع دول الناتو، ولم يظهر في المقابل أي نشاط يثير الانتباه من قِبَل الصين أو روسيا، ولا زالت الدول تكتفي بتراشقات إعلامية، حيث يقف العالم أمام خيارَين: الأول أن يستغل هذه الجائحة لتطوير النظام الدولي باتجاه التعاون والرفاه وتبادل المصالح، والثاني استغلاها لإعادة تعزيز القيادة والسيطرة ولو بالقوة. وعلى المستوى الإقليمي، لا يُتوقع أن يكون للأزمة أثر كبير على الملفات الساخنة باستثناء ما قد تسببه التداعيات الاقتصادية على طبيعة الوضع الجيواستراتيجي؛ لاحتمالية تغييرها لبعض موازين القوى في المنطقة.