"الانضمام إلى الحزب أمرا غير سهل" هكذا ترى العشرينية فتحية التي تعتقد أنه يتطلب قراءة جميع برامج الأحزاب، ناهيك عن شعورها بالقلق والخوف من الانخراط في هذه التجربة، معتبرة أن هناك تابوهات سياسية واجتماعية معينة تجعلها تتردد وتشعر بالخوف من المشاركة في الحياة الحزبية.
أما ليلى، طالبة في السنة الثالثة في الجامعة، تقول إنها ليست لديها مشكلة في الانضمام إلى حزب سياسي، ومع ذلك، فإنها تشعر بعدم وجود الوعي الكافي بالعمل الحزبي وطبيعة الحزب وبرامجه، وكيفية الانتساب إليه.
من جهتها، تعتقد الثلاثينية أروى أن العديد من العوامل تؤدي إلى انخفاض مشاركة المرأة في الحياة الحزبية، منها القيود الكثيرة التي كانت تحيط بالأحزاب عموما، بالإضافة إلى نقص الوعي بأهمية وجود الأحزاب، خاصة في المنطقة العربية وفي الأردن على وجه الخصوص، ومع ذلك، فإنها لن تتردد في المشاركة في العمل الحزبي إذا حظيت لها الفرصة، شريطة أن يحمل هذا الحزب أفكارها ومعتقداتها.
وفي ظل هذه التحديات أمام المشاركة الحزبية يقول رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة، إن الشباب يقع على عاتقهم مسؤولية المشاركة في الحياة السياسية باعتبارهم محرك التغيير، متطلعا إلى تجاوز نسب المشاركة المتدنية التي شهدناها في السابق، مؤكدا على أهمية كسر المحظورات التي كانت سائدة في العمل الحزبي وتهدد الانتماء للأحزاب السياسية، مشددا على أنه لن يتم التهاون مع أي ممارسة تضيق على العمل الحزبي، إضافة الى أن هناك نصوصا تشريعية تمنع التعرض لأي شخص يمارس أي نشاط حزبي.
الخوف الموروث
تشير الإحصائيات التي نشرتها اللجنة الوطنية لشؤون المرأة مؤخرا إلى أن "مشاركة المرأة في الأحزاب السياسية لا تزيد عن 28.76٪ من إجمالي الأعضاء، ووفقا للإحصائيات ذاتها، فقد تولت امرأة واحدة منصب أمين عام الحزب.
كشفت الدراسة أيضا عن وجود عقبات تحول دون مشاركة المرأة في الحياة السياسية، وتشمل عدم قبول الرجل لعمل المرأة في الحياة السياسية بنسبة 77٪، وعدم قبول المجتمع لعمل المرأة في الحياة السياسية بنسبة 71٪، وصعوبة تحقيق التوازن بين المسؤوليات العائلية والمسؤوليات الناشئة عن المشاركة السياسية بنسبة 68٪، وعدم قدرة المرأة على المشاركة بفعالية في الحياة السياسية بنسبة 49٪.
أمين عام المكتب السياسي لحزب الشعب الديمقراطي، عبلة أبو علبة، تقول إن هناك أسبابا تفسر تدني مشاركة النساء في الأحزاب السياسية، منها يعود إلى الظروف الاجتماعية التي تؤثر بشكل كبير على وجود المرأة في المواقع السياسية أو الحزبية، بالاضافة الى ان الأحزاب كانت في العقود الماضية تواجه قيودا، بما في ذلك قيود على الجامعات والشباب التي يمكن أن تكون مصدرا لزيادة قاعدة الأحزاب الاجتماعية، وذلك بهدف منع المشاركة الحزبية.
هذه التحديات بالتأكيد أثرت على النساء وأدت إلى خوفهن من المشاركة في الأحزاب، ولا يزال هناك استخدام سلبي للتهم السياسية المتعلقة بأن والد الشخص حزبي أو والدته حزبية، وينظر إليها على أنها وصمة حتى الآن، ولم تتمكن الحملات الإعلامية والتحفيزية التي تهدف إلى تشجيع المشاركة الحزبية للنساء من إزالة العقبات التي تحول دون عمل المرأة في الأحزاب، وفقا لأبو علبة.
وعلى الرغم من ذلك، تروي أبو علبة أن فكرة الانخراط في العمل الحزبي لم تعد مستهجنة وبعيدة المنال كما كانت في السابق، بل أصبحت متاحة. يرجع ذلك إلى التغييرات التي أدخلتها القوانين المتعلقة بمشاركة المرأة، سواء كان ذلك في قانون الأحزاب السياسية أو قانون الانتخابات النيابية. هذه القوانين فتحت مساحات أوسع لانخراط المرأة في الحياة العامة.
قانون الأحزاب والانتخابات والمرأة
تم مؤخرا إجراء تعديلات على العديد من التشريعات المتعلقة بالمرأة وتنظيم الحياة السياسية، وذلك استنادا إلى مقترحات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، وشملت هذه التعديلات تعديل قانون الانتخابات ليشترط أن تحتوي القوائم العامة للأحزاب على نسبة محددة من النساء، بالإضافة إلى زيادة عدد المقاعد المخصصة للنساء في الدوائر المحلية لجميع المحافظات.
كما تضمن مشروع قانون الأحزاب السياسية مواد تعزز دور المرأة في العمل الحزبي، بما في ذلك تأكيد ضرورة تولي الشباب والنساء المناصب القيادية في الأحزاب، وضمان أن تكون نسبة النساء في عدد المؤسسين للحزب لا تقل عن 20%.
للمرة الأولى في تاريخ الأردن، تم إصدار نظام لتنظيم الأنشطة الحزبية الطلابية في مؤسسات التعليم العالي، ويأتي هذا الإقرار ضمن منظومة التحديث السياسي التي تم إطلاقها واستند إلى قانون الأحزاب السياسية الذي تم اعتماده سابقًا في هذه المنظومة.
في تصريحات لرئيس مجلس مفوضي الهيئة المستقلة للانتخابات، المهندس موسى المعايطة، يوضح أن دور الأحزاب في تمكين المرأة يلعب دورا حيويا، ويتطلب تنفيذ التشريعات والخروج من مجرد التركيز على الأعداد والنسبة إلى دور فعال للمرأة في العمل السياسي.
من جانبها، تؤكد أبو علبة أن التشريعات الجديدة تعزز دور المرأة، ولكن المسؤولية تقع أيضا على الأحزاب في تنفيذ ما ينص عليه القانون، وضمن برامجها الحزبية، وتعزيز قيادات نسائية حزبية لتشجيع النساء الأردنيات على الانضمام والمشاركة، كما تشجع النساء أنفسهن على المبادرة وعدم الانتظار بشكل مطلق، بل أن يلعبن دورا فاعلا ومشاركا في العمل الحزبي.
ويشير الأمين العام لوزارة التنمية السياسية، علي الخوالدة، إلى أن التشريعات ضرورية ولكنها تحتاج أيضا إلى تعزيز ثقافة اجتماعية تدعم دور المرأة التنموي في المجتمع، مؤكدا أن استقلالية المرأة اقتصاديا هي العائق الأكبر أمام مشاركتها.
وعلى الرغم من ذلك، أكد الخوالدة أن هناك تطورا ملحوظا في المشاركة النسائية في البلديات والبرلمان بعد تطبيق نظام الحصص النسائية، وأن زيادة مشاركة المرأة في الحياة السياسية والبرلمانية تعد إشارة إيجابية.
دور المرأة في الأحزاب
عقدت مؤخرا لقاءات تحضيرية لمناقشة أولويات تشريعية تتعلق بدور المرأة، تهدف هذه التشريعات إلى تعزيز حقوق المرأة في المجالات الاقتصادية والسياسية والحماية الاجتماعية وحقوق الإنسان.
واحدة من الأدوار البارزة التي يجب التركيز عليها وتعزيزها هي مشاركة المرأة وانخراطها في العمل الحزبي، وذلك من خلال الاستفادة من المناخ السياسي المؤيد لذلك.
تشدد الناشطة أبو علبة على أن دور المرأة في صنع القرارات داخل الأحزاب السياسية يختلف من حزب إلى آخر، بعض الأحزاب قد تفتقر إلى وجود نساء في المناصب القيادية في المراحل الأولى، حيث قد يفتقرن إلى الخبرة الكافية، ومع التجربة والتطبيق، يتطور قدراتهن من خلال التعرف على المعالم والتثقيف.
وتشدد على أهمية دور المؤسسات الإعلامية في توعية المرأة وتشجيعها على المشاركة في العمل السياسي، بما في ذلك تعريفها بتاريخ الأحزاب السياسية وأهميتها في تقدم المجتمع، وتضمينها في مناهج التعليم، ويتطلب ذلك الاعتماد على الدراسات والثقافة الذاتية.
هذا وتؤكد دراسة، نشرها المعهد الدولي لتضامن النساء على موقعه أخيرا، على اهمية التنسيق بين كافة التنظيمات النسائية، والعمل المشترك، وتوحيد جهودها، لتشكيل قوة ضاغطة فاعلة لتغيير التوجهات العامة وتأثير التقاليد والاعراف السلبية، والوصول إلى برنامج عمل واضح ومقنع، يأخذ مصلحة الوطن والمواطن، وخاصة المرأة كأولوية متقدمة في الطرح حتى يتيح للمرأة فرص النجاح والوصول إلى مشاركة سياسية متوازنة مع الرجل، ويزيل جميع العوائق التي حالت دون وصولها في الانتخابات السابقة.
هذا التقرير تم إنتاجه ضمن التعاون المشترك مع برنامج النساء في الأخبار-مؤسسة وان افرا الدولية