حملة "جمعتنا في قوتنا" نضال عاملات الزراعة في الأغوار الشمالية

الرابط المختصر

لم يستغرق الأمر سوى أشهر لتتحقق مطالب مجموعة من سيدات الأغوار الشمالية بتحسين أدوات السلامة العامة لهن أثناء العمل في ظروف العمل القاسية في وادي الأردن، واستطاعت مجموعة العاملات في الزراعة أن يقنعن أصحاب إحدى عشر مزارع في الأغوار الشمالية بتوفير أدوات السلامة للعاملات فيها.

انطلقت حملة "جمعتنا في قوتنا" من حاجة العاملات في الزراعة في الأغوار للحماية من الظروف المناخية، والبيئة الزراعية والأدوات المستخدمة في الزراعة مثل المبيدات والأسمدة الكيمائية، بعد تعرض الكثير منهن لإصابات عمل لعدم توفر واقيات من الشمس، أو كمامات، أو أحذية مناسبة تحميهم وحتى بعض حالات التحرش أثناء العمل.

هذه المجموعة بدأت عملها التوعوي ونشاطها لتحسين ظروف العاملات قبل سنوات عندما انضممن للنقابة المستقلة لعمال الزراعة بهدف تحسين أوضاعهن العمالية والمعيشية، وحققن نتائج مهمة خلال 3 سنوات فقط منها رفع الأجرة اليومية من 6 إلى سبعة دنانير للعاملة، والحد من سرقة الجور التي اعتاد بعض أصحاب العمل عليها بعدم إعطاء الأجور للعاملات كاملة أو أحيانا عدم إعطائها بالمطلق، بالإضافة إلى ما حققته حملة "جمعتنا في قوتنا" إذ كانت التطور الأبرز على عملهن المجتمعي...

هذا ما قالته المجموعة التي أسست الحملة في إحدى المزارع في غور المزرعة، تقول إحداهن "لم أكن أعرف مدى تأثيري وتأثير المجموعة حتى استطعنا تحقيق تلك الأهداف، أسسنا المجموعة شهر أيلول 2024 وكلها كمْ شهرا حتى أنضم ألنا عاملات زراعة وأصحاب مزارع، اليوم نشعر أننا قوى وأنه إلنا حقا ولازم نأخذه وما حدا راح يساعدنا إذا ما ساعدنا حالنا".

وهذا في جوهر التنظيم المجتمعي: أن يستثمر الناس في قوتهم وقوة تأثيرهم دون الحاجة لوصي أو من يعمل عنهم. وهذا ما حدث مع مجموعة من عاملات الزراعة الناشطات من بنات الأغوار الشمالية، اللواتي تعرّفت عليهن مؤسسة أهل في أحد المؤتمرات العمالية. لم يكن الدور مجرد تعريف العاملات بمفاهيم التنظيم المجتمعي أو تحفيزهن، بل العمل معهن في البداية عبر رحلة "تعلم شعبي"، حيث تبادلن التجارب ووثّقن الممارسات الفعّالة التي سمحت بصياغة فهم مشترك والتزام فردي، وعززت قدرتهن على التنظيم لإظهار قوتهن والسعي لتحقيق مطالبهن التي ما زلن يناضلن من أجلها.

باسمة ابو رمح منسقة المجموعة الفريق القيادي تتحدث إلينا ونحن ننتظر "كاسة شاي" في المزرعة التي سهل لنا صاحبها هذا اللقاء لأنه أحد الذين اقتنعوا بجدوى وأهمية مطالبهن فيما يتعلق بأدوات السلامة العامة والمطالب الأخرى، تقول باسمة " أنا والمجموعة نعمل في هذا المجال منذ سنوات لكن عندما بدأنا حملة "جمعتنا في قوتنا" استطعنا ان نحقق نتيجة لأنه اعتمدنا على مبدأ التدرج في المطالب ونقلنا المعرفة للزميلات في المزرعة خلال اجتماعنا اليومي في البيوت وأثرنا على جيل الشابات أيضا وهذا مهم لأنه إذا أردنا الاستمرار في المطالب يجب ان يكون هناك معنا عاملات أكثر من"صاحبات القضية" اللي بيدافعوا عن قضيتهم لأنهم ادرى بواقعنا وعارفين التحديات ونعرف نختار ونقترح حلول لأنه عايشين الواقع ونعرف شو اللي ممكن يتحقق واللي بده وقت واللي مستحيل يتحقق"

تقول ريما إحدى القياديات الحملة وربما أقدمهم " مين كان يصدق انه احنا نروح عالمحافظ ونشرح اله قضيتنا ويجبر أصحاب العمل ان يدفعو اجورنا وما يتأخرو علينا، كل هذا جاء بعد ما آمنا فعلا انه احنا مع بعض قوة وتؤثر على أصحاب القرار إذا كان شغلنا صح ومنظم، وهذا ما اجا بيوم وليلة بعد جلسات بالبيوت والكل يحكي تجربته نتبادل آراء ونقترح حلول ، أحلى اشي بالتنظيم المجتمعي أنه علمنا انه احنا اللي على الارض واحنا اللي قلنا الكلمة الأقوى والكل يتعلم من بعض"

ما لفت نظري تلك المصطلحات التي ترددت أثناء الحديث في بيارة البرتقال في غور المزرعة  وتقريبا تقاطع الحديث من المجموعة المكونة تقريبا من 10 عاملات زراعة وناشطات أعمارهن وخلفياتهن متعددة ولكنهن جميعا أعضاء في حملة "جمعتنا في قوتنا" أسم تم اختيارة للتدليل على انه لا يمكن تحقيق شيء إلا بالاجتماع والتجمع الشعبي وبالتالي يكون هناك قوة تحقق التغيير  وذلك من أبرز أهداف التنظيم المجتمعي ان يأتي التغيير من دوائر صغيرة على الأرض يكونها ويحركها أصحاب الحاجة/المصلحة/ القضية أنفسهم، يدعمها التعلم المستمر وتحقيق التغيير المجتمعي نحو الأفضل.

وذلك يتم بتكوين فرق وفي هذه الحالة من العاملات المتضررات من سوء أوضاع العمل في المزارع وخاصة للنساء، ثم التجربة والاكتشاف معا ويقاس نجاح هذا التنظيم بثلاث مستويات الأول على مستوى الفرد  بأم يظهر عليه التغيير وهذا ما لمسته شخصيا أثناء الحوار في الهواء الطلق في غور المزرعة مع السيدات حيث مستوى الثقافة وقوة التعبير والثقة بالنفس ووضوح الهدف باد بوضوح عليهن بشكل بسيط وسلس، المستوى الثاني أن يظهر التغيير على مستوى المجتمع  وهذا ما تم من موافقة أصحاب المزارع على الالتزام بتحسين ظروف السلامة العامة للعاملات،  والمستوى الثالث هل تم التغيير فعلا وبالفعل هذا ما تم من تحسن ظروف العاملات وتدخل السلطات المحلية "المحافظ" بإلزام أصحاب المزارع المخالفين بالقانون بالوفاء بالتزاماتهم.

اليوم  العاملات متفائلات ومصممات على تحقيق المزيد لأن هذا القطاع يحتاج للعديد من التحسينات المطلوبة، ولكن الطريق طويل والتعلم والتجربة عبر التنظيم المجتمعي التي رافقتهم به مؤسسة أهل ما زال مستمرا، تقول فرح هلسا ممكّنة تنظيم مجتمعي في "أهل" وهي من رافقت العاملات القياديات في رحلتهن  وضعنا معايير مبدئية ولكن أساسية لمن يمكنها الانضمام للفريق أقلها أهمها أن تكون متضررة وصاحبة قضية، مستعدة لتكوين فريق والتعليم والتعلم و وتم الإختيار بالفعل بدأنا رحلة التعلم الشعبي المتبادل،على مدار ستة أشهر لم تكن بالكامل سلسة ومريحة تعرضنا خلالها لتحديات أقلها انسحاب  3 عضوات دفعة واحدة من الحملة ولكن الفريق قرر بشكل تشاركي وتكاتف الجميع الاستمرار وبالفعل وتم تشكيل فريق وصمدت الحملة وحققت أهدافها  بالتفكير التشاركي والعمل معها عبر استراتيجية واضحة ان نلجأ لهدف يمكن تحقيقه ونعمل معا على ذلك وهذا ما كان، وهذا ببساطة أحد أهم مبادئ التنظيم المجتمعي.

تقول فرح يمكن الفريق تعلم معنا أشياء كثيرة لكن احنا كمان تعلمنا منهم " احنا ما بنعيش اللي عايشينه هم ادرى بحل مشاكلهم ، مرة انا انصحهم وكثير هم ينصحونا تعلمت كيف اكون محركة للناس أكثر هم حقوو نتائج مبهرة بهذا المجال" "العاملات والعمال هم الأدرى بواقع تحدياتهم اللي بواجهوها يوم بيوم، وأنا ما إلي الحق أحدّدلهم شو يطالبوا ليتغيّر، وإنما دوري معهم هو دعمهم في تحقيق التغيير اللي همه بقرّروه، وفي هذه الرحلة تعلّمت كتير منهم في قوّة علاقاتهم بين بعضهم البعض واللي كانت أساسية في تحقيق نجاح الحملة" 

 كلنا نعرف أنه التنظيم المجتمعي يعلم الناس كيف يواجهون الغموض، وبالفعل  استطاعت عاملات الزراعة في الغور مواجهة ظروف صعبة جدا  واليوم مستمرات بالعمل  لتحقيق أهداف أكثر وفق استراتيجية تراكمية من العمل المجتمعي القائم على التنظيم وليس الفزعة، وهو ما نحتاجه على مختلف المستويات، ملفت ما قد  تكتشفه من قدرات الناس إذا توافرت الإرادة والمعرفة  والأدوات التي تظهر ذلك.