حزب "الرّاسخون في العلم"

حزب "الرّاسخون في العلم"
الرابط المختصر

  "درجت بعض الآراء، من داخل منطقتنا العربية وخارجها، على القول بأن العالم العربي غير مهتم بممارسة العمل السياسي بشكله المعاصر. وذهب بعضها أبعد من ذلك، لتزعم أن شعوب العالم العربي لا ترغب بالديمقراطية، وأننا غير مستعدين، أو مؤهلين للتعامل معها أو احتضانها نهج حياة. غير أننا في الأردن، لا نقبل مثل هذه المزاعم، ولم ولن نذعن لها أبداً".   بقدر ما في هذه العبارات التي استُهِلَت بها الورقة النقاشية الملكية الرابعة من وضوح على الإرادة السياسية للدولة في قمة هرمها بتحقيق وتعميق الحياة الديمقراطية في الوطن، بقدر ما ينساها أو يتناساها أو في أحسن الأحوال يتأوّلها "الرّاسخون في العلم" من منظّري التيار "المحفوظ" ولا أقول المحافظ في هذا البلد الطيب أهله. المتتبع لخطابات وكلمات ومداخلات "الرّاسخين في العلم"، يجدهم يحرصون على الاستشهاد بالأوراق النقاشية الملكية حتى ولو كان السياق لا يقتضي ذلك، إلا أنهم في الوقت نفسه يضربون صفحاً عن هذه العبارات وما يماثلها من كلمات تنبئ عن مقاصد إصلاحية صريحة تصطدم مع قناعاتهم المتخفية غير الخفية، إذمن وجهة نظر هؤلاء، نحن شعوب ليست مؤهلة بعد للممارسة الديمقراطية بما تتضمنه من ترسيخ لمبادئ سيادة القانون والمسائلة والمشاركة في عملية صنع القرار.   ليس عسيراً تلمّس نوع من النفاق السياسي الذي يتجلى في قيام مؤسسات وأفراد حزب "الرّاسخين في العلم" بممارسات غايةً في التسلط والإقصاء بل وتكريس السلطة الأبوية على الشعب؛ مستشهدين في ما يمارسونه ب"فهمهم" و"تأويلهم" الخاص والخاص جدا؛ لمضامين الأوراق النقاشية الملكية أو بعبارات مجتزءةً من خطابات العرش أو تصريحات الملك في مناسبات عدة! ولسان حال هؤلاء يقول "لكم دينكم وليَ دين". هذا المَسلَك يحاكي تماماً استشهاد واستناد الجماعات الإسلامية "المعتدلة" والمتطرفة والطوائف والفرق المختلفة على ذات النصوص الدينية للبرهنة على صواب أفكارها ومشروعية أفعالها.   شهدت وما تزال مسيرة الإصلاح المتعثرة حزمةً من "المبادرات" التي تحمل عناوين إصلاحية لكنّها تزخر بمضامين رجعية التفافية يظّن أصحابها من "نخب" حزب "الرّاسخين في العلم" أنهم أذكى من الأمة وأقوى من طموحاتها، إذ لم يجدو غضاضةً على سبيل المثال في تأييد وتبرير ما يُسمى ب"سياسات" و"خطط" اقتصادية ماسّة بحياة الناس لا تعدو كونها ترديداً لشعارات وأبيات الرثاء على ما مضى ولم ينقضِ بعد، متكئين في نهجهم هذا على شعارات فضفاضة وجوفاء ظاهرها الخوف على "سمعة الوطن... وتحقيق التوازنات..." وباطنها التخويف وربما التخوين لكل من يعارضها. ذات النهج يُتّبَع في صياغة تشريعات "إصلاحية" على الصعد الاقتصادية والإدارية والسياسية؛ حيث آثر "طهاتها" العمل في "مطبخ" معتم بعيداً عن أنظار المعنيين بها، والسبب دائماً وأبداً هو: "عدم نضج وجهوزية الشعب للمشاركة في عملية صنع القرار ورسم المستقبل السياسي والاقتصادي للوطن"!   إن تجرء أعضاء حزب "الرّاسخين في العلم" على إرادة الشعب لا يبدو مستغرباً معه تجرؤهم على التزامات الدولة بمضامين مواثيق واتفاقيات حقوق الإنسان التي صادقت عليها ونشرتها في الجريدة الرسمية بملء إرادتها، فمن وجهة نظر هؤلاء لا تعدو هذه المواثيق والاتفاقيات كونها أحد متطلبات تلميع الواجهة السياسية للدول ولا تستأهل التعويل وإنما يجب معها تغليب التأويل! فكهنة معبد الثبات والتثبيت يمتلكون أسرار النصوص السياسية والقانونية المقدسة محليةً كانت أو دولية، وما على "عامة" الناس إلا السمع والطاعة أو الطاعة والسمع.   نحن إذن بصدد "نصوص"واضحة من رأس الدولة وقمّة هرمها السياسي على ضرورة المضي في إنجاز استحقاق وطني يتمثل في عملية مراجعة وإصلاح شاملتين، يقابلها قيادات حزب "الرّاسخين في العلم" الذين يسلّمون بوجود هذه "النصوص" ولكنهم ينازعون في فهمها وتأويلها دون اكتراث لما ينتجه "فهمهم" و"تأويلهم" الخاص من إفراغ مضامينها عن مقاصدها ومراميها، والحجة دائماً وأبدا: "الرّسوخ في العلم" و"معرفة بواطن الأمور" وتمييز ما "تشابه" من النصوص عمّا "أُحكِمَ" منها.   إن حزب "الراسخين في العلم" هو الحزب الوحيد الذي يعمل منذ عقود دون ترخيص أو تمحيص، ولا تَثريب عليه في ذلك ولا لوم، ولكن حان الوقت لينخرط هذا الحزب في عملية المراجعة والإصلاح بوصفه إحدى مقطوراتها وليس قاطرتها، والقول بغير ذلك سيبقينا في حالة ينطبق عليها قول القائل الذي لم يجد ما يقله فقال: " كأننا والماءُ من حَولِنا، قومٌ جُلوسٌ حَولَهم ماءُ".