حبيب زيودي "سليل القمح" الذي غيّب الشمس عن نهار العالوك
من رثى حابس في "علامك غبت والدنيا تشارين"، وغنى لوصفي متجبراً على حقيقة رحيله في "يا مهدبات الهدب"، نبض البداوة الذي لا يتوقف، وقمر العالوك الذي أبى أن ينطفئ، مُسرعاً إلى منازل أهله الأبدية، تاركاً "دلة" القهوة على النار تغلي، والخيل تصهلُ ندماً وعويلاً.
في عام1963، ولد أحد أبرز الشعراء والأدباء الأردنيين، الشاعر والأديب حبيب زيودي، في محافظة الزرقاء وترعرع في قرية العالوك، يعود أصله لقبيلة "بني حسن" التي انطلقت من أذرح جنوب الأردن و ثبت نسبها لآل البيت.
حصل على درجة البكالوريوس في الأدب العربي من الجامعة الأردنية سنة 1987م، ثم شهادة الماجستير من الجامعة الهاشمية، شغل القسم الثقافي في الإذاعة الأردنية ثم عمل في وزارة الثقافة ثم في الجامعة الأردنية.
كتب الكثير من القصائد الوطنية والغزلية، ونقل صورة عريقة دقيقة عن حياة البداوة، متمثلة في "دلة" القهوة، والكرم، والإنتماء، والأرض، والشوق للأهل والديار، والفروسية، تغنى في العالوك مسقط رأسه، وتفرد في وصف عمان وكتب لها ذات يوم معاتباً "صباح الخير يا عمان".
يقول صديقه الدكتور محمد عبد الكريم الزيود، إن عائلة حبيب كانت عائلة متدينة ذات كرامات تعالج في القرآن، وتمتد إلى السلطان عبد القادر الجيلاني في العراق وجنوب إيران، وهم أصحاب طريقة دينية متصوفة.
ويضيف الزيود ل"عمان.نت"، أننا نفقتد اليوم من يكتب للمئوية كما كتب وأبدع وتغنى حبيب في عشق الأردن، ويصعب علي القول بأن يأتي الزمن بأحدٍ كحبيب "فالشعراء تولد ولا تنتج".
ويؤكد على أهمية ما قدمه حبيب في مسيرته الشعرية والأدبية، وأنه من رواد الشعر الحديث، حيث تعددت قصائده في موضوعاتها وتفعيلاتها بين الشعر العامودي والعامي والمحكي وحتى الأغنيات.
ويتابع زيود مسيرة بزوغ الظاهرة الشعرية حبيب زيودي في بداياتها، عندما كتب "هلا يا عين أبونا" في يوم الجلوس الملكي، وغناها الفنان متعب الصقار، عدا عن رثاءه للرموز الوطنية الأردنية، كما كتب في رحيل حابس المجالي "علامك غبت والدنيا تشارين"، وفند رحيل وصفي مردداً "يا مهدبات الهدب غنن على وصفي" التي غنتها سلوى العاص، مقدماً في شعره المواطن الأردني البدوي الأصيل.
وينوه إلى أن حبيب كما قال معالي صبري ربيحات يحمل "رقماً وطنيا مثقفاً"، شكل ظاهرة شعرية فريدة في المكتبة العربية، شغل نفسه دوماً في أن يكتب الشعر وينقل التراث الأردني بقيمه ومبادئه وبساطته.
لافتاً إلى أنه في كثير من الأوقات كان صامتاً وإن تكلم لا يصمت، متواضعاً، يحب مجالسة فقراء الحال ومعرفة ما وراءهم، لاذعاً في نقده وشعره، ويخبر الناس دوماً " أنا لاذعاً في نقدي للوزراء والحكومات لأن الشاعر ليس موظفاً لدى الدولة".
ويؤكد الزيود أن رابطة المحبين لحبيب يرون أنه قد ظلم في عهده، إلا أنه كتب أكثر من عشر أغاني وصف بها عمان ومع ذلك لم يحصل على الجائزة التقديرية في حياته، لأننا لا نكرم الأموات إلا بعد رحيلهم.
ويشير إلى أن علاقته بحبيب لم تستند فقط للعشيرة وصلة القرابة كأبناء عمومة، بل "جمعنا الحبر والورق" أي العلاقة الأدبية، فكنت عندما أكتب أطلع حبيب دوماً على كتاباتي رغم أنه كان يكبرني بعشر أعوام.
ويصف ابنه محمد حبيب الزيودي والده، أن إبداعه في وصف الحياة البدوية ونقلها بتلك الدقة جاء من عشقه وتجذره في الأصل البدوي، وأن ما كتبه في شعره كفراق الديار والأهل والأحبة، كان نقلاً دقيقاً لما عاشه في طفولته من مشاعر فقدٍ وحنين.
ويصف تغير حالة والده ونقلته النوعية التي شكلت فارقاً في وضعه المادي هي قصيدة "يا صاحب التاج" التي كتبها للراحل الملك حسين بن طلال-طيب الله ثراه- وغنتها الفنانة أصالة، ومن بعدها اشتهرت غريزته الشعرية.
ويذكر زيودي العالوك أنه المكان الأغلى الذي يربط حبيب وطفولته مع أبناء عمومته، لذا أبدع وتغنى في وصفها، ولم يتخلّ عنها حتى عندما استقرت عائلته في عمان، كان يمتاز "بصفنته" فدوماً هناك عالماً خاصاً يسرحُ فيه ويستلهمُ منه شعره ولا يحب أن يفسده عليه أحد، وأن تعلق زيودي في إخوته من والده ووالدته يعود لفقده لحياة العائلة في طفولته.
ويعتبر الموسيقي والفنان الأردني محمد واصف، أن حبيب زيودي هو من كان يمنح الذائقة الموسيقية ليس فقط لأن ذائقته الموسيقية عالية ومرتفعة، لكنه في الأساس ليس شاعراً بل هو ملحناً وموسيقياً فحبيب زيودي شعره وموسيقاه هي بنات أفكاره الذي اكتسبها من العالوك وأروقة عمان.
ويرى أن ذائقة حبيب رفيعة ومتقدمة على الموسيقيين، و كما قيل عند العرب "حبيب أنشد شعراً ولم ينظمه فقط"، أما عن موسيقاه الداخلية فهي متفجرة توحي بالعظمة لذلك أغانيه كانت كلمة واحدة "مهيوب" و" حنا على حنا".
ويؤكد واصف على أن حبيب رفع مستوى الشعر للأغنية الأردنية، لذا سقطت بعد حبيب، وامتازت أغنيته بالبساطة كما في "نغمة شوق يا عمان" و "عمان يا ضف نعنع مرتوي عالمي"، فعندما حاولوا تقليده أسقطوا عمق الأغنية الأردنية وبساطتها، ظناً منهم أن يفعلوا ما فعله حبيب .
يرى الكاتب والمخرج مخلد الزيودي، إن أعمال حبيب الزيودي الأدبية هي إنعكاس حتمي على ما عاشه ومر به، من غربة الأهل وجذور البداوة التي كان لها أثر كبير على شعره وأهازيجه.
ويتابع أن عائلة حبيب كانوا ينظمون الشعر العامي ويعرفون به مما أدى إلى اكتساب حبيب موهبته منذ الصغر وتأثره بمن حوله، عدا عن تسميتهم باسم "الفقرا" بالمفهوم الديني لورعها وتدينها وزهدها.
ويؤكد الزيودي على أهمية ما قدمه حبيب من دواوين شعرية أسفرت عن صورة جمالية مدهشة وصف فيها الشام وعمان وحوران قدمها في "غيم على العالوك" و"ناي الراعي" و" منازل أهلي".
وأضاف إلى أن حبيب كان الظاهرة التي أطلق عليها خليفة عرار، إلا أن تمرد حبيب أخرجه من وصاية عرار في جعله أبا له، وبناء منظومة شعرية متفردة تدعى ذائقة "فتى العالوك".
وفي 27/10/2012، غادرت روح "فتى العالوك" إلى راحتها الأبدية إثر نوبة قلبية مفاجئة، وبهذا يكن أجاب حبيب على سؤال تيسير الشبول له عندما سأله لماذا لم تمت كالصقر؟، وحينها أجاب حبيب" أنا سليل القمح سوف أموت حين يجف عشب الحقل تحت الشمس".