مناطق العزل في الزرقاء.. كيف تضررت مصالح العمّال في اسبوع الحظر
أعلنت الحكومة في مطلع تشرين الأول/ اكتوبر، فرض حظر التجوّل الشامل في أجزاء عدة من محافظة الزرقاء، وإغلاق جميع المداخل والمخارج للمنطقة، منعًا لتفشي فيروس "كورونا المستجد".
وكان الخميس الماضي 1 تشرين الأوّل/ أكتوبر، هو بداية الحظر في منطقة البتراوي والزرقاء الجديدة، والذي سيستمر حتى السابع من الشهر الجاري. وبطبيعة الحال ستضطر المنشآت الاقتصادية بمختلف أنواعها وأحجامها أن تُغلق باستثناء قطاعات أعلن عنها محافظ الزرقاء حجازي عسّاف، في تصريحٍ له على وسائل الإعلام، مثل المراكز الصحية والعيادات الطبية الخاصة، والمخابز والصيدليات والبقالات ومحال المجمدات والملاحم لتزويد سكان المنطقة باحتياجاتهم.
غادر العديد من العمّال القاطنين في منطقتي البتراوي والزرقاء الجديدة، يوم الأربعاء، قبل يوم من سريان قرار العزل، مناطق سكنهم خوفًا من فقدان أعمالهم، أو تخفيض رواتبهم، بعد سماح أوامر الدفاع لأصحاب العمل تخفيض رواتب العاملين لديهم بنسبة 50 بالمئة، في حال عدم تمكّن العاملين من الدوام بسبب العزل.
إذ ينصّ البلاغ رقم 9 الصادر بموجب أمر الدفاع 6، والخاص بتنظيم دوام وأجور العاملين في القطاع الخاص القاطنين في المناطق المعزولة ويعملون خارجها، على السماح لصاحب العمل بتخفيض ما لا يزيد على نصف الأجر الشهري للعامل، شرط ألا يقل الأجر بعد التخفيض عن الحد الأدنى للأجور.
(يزن)، الذي يسكن في حي البتراوي المعزول، ويعمل في أحد الأسواق التجارية "هايبر ماركت" في شارع السعادة، كان من ضمن العمّال الذين خرجوا من الحيّ فور إعلان لجنة استدامة سلاسل العمل والإنتاج والتوريد، في 30 أيلول الماضي، عزل الحي، هربًا من احتمالية تخفيض راتبه إلى النصف.
"الأوضاع لا تتحمل قرارات بالفصل أو الاقتطاع من الراتب، تضررنا من الشهور الأولى بما فيه الكفاية" يقول (يزن)، سُرّح يزن، في شهر أيار الماضي، من عمله في مطعم للوجبات السريعة، واستطاع أن يسدّ حاجته بعدها من خلال العمل في إحدى محلّات الخضار على نظام المياومة لقاء 10 دنانير يوميًا، ليستقر أخيرًا في عمله الحاليّ.
يرى (يزن) أن عزل مناطق معينة بهذا الشكل لن يكون مجديًا في مواجهة انتشار الفيروس، ويقترح بدلًا من ذلك فحص العاملين في مكان عملهم. "لو كنتُ مصابًا بفيروس كورونا، لتسببت في نقل العدوى إلى مناطق أخرى غير معزولة".
يبلغ عدد سكان محافظة الزرقاء نحو مليون و500 ألف نسمة، منهم نحو 715 ألفًا في مدينة الزرقاء، وفقًا لتقديرات دائرة الإحصاءات العامّة لعام 2019. وتختلف أعداد العيّنات المسحوبة من المواطنين من يوم لآخر، إلا أن المُعلن عنها وصل إلى أربع آلاف عيّنة في اليوم، قبل أيام.
بيّن (عمر) عامل في مطعم بيع الشاورما في الزرقاء الجديدة، أن الإغلاق مهما طالت مدته أو قصُرت فإنها تؤثر بشكلٍ كبير على المطعم والعاملين فيها، نظرًا إلى تواضع المستوى المعيشي لمعظمهم، واعتمادهم على البيع اليومي، وبالتالي تأثرهم بكل القرارات المتخذة و"المتخبطة" على حد تعبيره.
واستاء (عمر) من قرار عزل أجزاء من الزرقاء الجديدة، وتعطّل عمله، خاصّة وأن الشهور الماضية كانت حافلة بالقرارات المتذبذبة التي جعلت الأوضاع تزداد سوءًا، فالحظر الشامل في آذار الماضي تبعه انتشار حالات التسمم في شهر آب، ثم القرار الحكومي في 14 أيلول بإغلاق صالات المطاعم لمدّة أسبوعين، وصولًا إلى حظر التجوّل الحاليّ، مبينًا أن تراكم الظروف الصعبة على مطاعم بيع الشاورما كانت أكبر من طاقتها للتحمّل.
أما (أشرف) عامل في محل ألبسة في شارع مكة المكرمة/الزرقاء الجديدة، قال أن قرار الحظر يُعمّق المعاناة التي يعاني منها قطاع الألبسة أساسًا، "كل بيع في ظل هذه الأوضاع الصعبة مهم لنا، والحظر لمدة أسبوع أو أقل يسبب ضرر كبير ويؤثر على مصالحنا".
يشهد المحل الذي يعمل فيه (أشرف)، حالة ركود عميقة حسب تعبيره، ترجع إلى خوف الناس وقلقهم من حالة الانتشار المجتمعي التي دخلت فيها المملكة في الآونة الأخيرة، إضافة إلى تعطّل موسم المدارس بعد التوجه إلى نظام "التعليم عن بُعد"، "الحكومة تخبطت بقراراتها، واستقرت على دوام المدارس، فقمنا بشراء بضاعة استعدادًا للموسم، ولكن تفاجئنا بعد الإقبال عليها والتحوّل للأونلاين".
اُعتبر قطاع الألبسة والأحذية من القطاعات الأكثر تضررًا منذ بداية الأزمة، إلا أن وزارة العمل حذفته من قائمة القطاعات الاقتصادية الأكثر تضررًا بعد التحديث الجديد لها في شهر أيلول الماضي.
خروج قطاع الألبسة من قائمة القطاعات الأكثر تضررًا أوجب على صاحب العمل دفع رواتب العاملين كاملةً، بعد أن كان مسموحًا خصم 20 بالمئة من الراتب -بحسب أوامر الدفاع- بعد الاتفاق مع العامل، ما أدى وفق (أشرف) إلى تقليل عدد العمّال في المحل من أربعة عمّال إلى عاملين.
الكثير من العاملين في مناطق العزل عبّروا عن تخوّفهم من تمديد فترة الحظر الشامل، وهو ما أشار له قرار الحظر الصادر عن لجنة استدامة سلاسل العمل والإنتاج صراحةً، إذ جاء فيه أنه "يُنظر في إمكانيّة تمديد قرار العزل وحظر التجوّل الشامل في المنطقتين، في ضوء الحالة الوبائيّة، بناءً على توصية خلية أزمة كورونا في المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات".
من جانبه قال الخبير الاقتصادي حسام عايش، أن الإغلاقات الجزئية المفاجئة للمناطق على أهميتها إلا أنها تُسبب أضرارًا كبيرة لا يمكن التغافل عنها، إذ تميل المناطق المحظورة إلى مستوى معيشي متوسط لسكانها، وتنتشر فيها المحلات والمطاعم والمنشآت الصغيرة، والتي تعتمد على البيع اليومي حتى تسدّ حاجات أصحابها والعاملين فيها.
وأشار عايش إلى خطط بديلة بإمكان الحكومة اللجوء إليها لتخفيف ضرر العمّال في المناطق المحظورة، منها؛ إنشاء صندوق خاص يُعوّض جزء من خسائر المنشآت الاقتصادية في المناطق المحظورة، وإعفاء المنشآت الاقتصادية من الرسوم والتكاليف الإضافية، إضافة إلى تشكيل توأمة بين المنشآت المغلقة ومنشآت أُخرى مفتوحة في المحافظات، تبيع لصالح من أغلقت أو تستقبل عمّالها حتى لا تنقطع أرزاقهم، إضافة إلى تنمية برامج الحماية الاجتماعية لإعانة المتضررين.
وبيّن ضرورة وجود معايير محددة، ومُعلن عنها، لإنذار الناس باحتمالية فرض حظر شامل أو جزئي في منطقة من المناطق، حتى يستعد التجار والعاملين للإغلاق وتبعاته
وفي هذا السياق أشار عايش إلى أهمية وجود دراسة أو نتائج علمية تُبين الحالة الوبائية قبل وبعد فرض الحظر والإغلاق في المنطقة، والشفافية في الإعلان عن سلبيات الحظر وإيجابياته وإلا فإن العمّال سيظلوا ساخطين على القرارات الحكومية وفاقدين الثقة بها.