جدل "الأردنيات"
تصدّر الاشتباك بالأيدي وتبادل اللكمات وتراشق الشتائم بين أعضاء في مجلس النواب الأردني عناوين الأخبار، لغرائبية المعركة التي يخال لك، في البداية، أنها حدثت في حارة، وليس تحت قبّة "لها مقامها"، على ما وصفها رئيس المجلس المحامي عبد الكريم الدغمي! وهو أمر جيد ومقدّر لو لم يطلب هو نفسه في أثناء شجاره مع زميل له أن يخرس، ويصيح به: "أخرج برّا (القبة الشريفة).
وقيل في العناوين إن كلمة "الأردنيات" كانت وراء ما حدث، فاللجنة الملكية لتحديث السياسات اقترحت تعديلاتٍ على الدستور، والحكومة اقترحت أن تًضاف هذه الكلمة للباب الثاني، ليصبح عنوانه حقوق الأردنيين والأردنيات، وإضافة كلمة الجنس في نهاية المادة السادسة من الباب نفسه، والتي تنصّ على "الأردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات، وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين".
وذاعت فيديوهات لمشاهد من العراك العنيف، وصرّح ناشطون وناشطات، وكتبت عشرات التدوينات ومئات التعليقات إن تلك التعديلات وراء ما حصل، وأن كلمة "أردنيات" سببت كل هذا الهرج والمرج. والحقيقة أنها بالفعل سبّبت نقاشا موسعا، ولكن ليس تحت قبة مجلس الأمة (البرلمان) الأردني، فقد حدث ما حدث قبل الشروع أصلا بمناقشة تلك التعديلات، والقصة كانت مجرّد خلاف بين نواب، بعد شتائم متبادلة، ولم يكن أي من التعديلات المقترحة والمقدمة سببها من قريب أو بعيد. وإنما كان الجدل خارج القبة، أمام مجلس النواب، حيث اعتصمت عشرات النساء يومين متتاليين، يمثل كل منهما تيارا مغايرا. الأول تقوده قوى دينية ومحافظة يرى أن من شأن إضافة "الأردنيات" أن تهدد نسيج الأسرة الأردنية ويستهدف المجتمع، وأن الإضافة إن حدثت ستكون استجابة لاتفاقيات دولية تهدد الأمن والسلم المجتمعي وتخالف الشريعة. والثاني تقوده قوى حقوقية مدينة نسوية، تؤيد تلك التعديلات باعتبارها تحقيقا لمطالبات عشرين عاما من الحركة النسوية، والتحاقا بأحد عشر دستورا عربيا إسلاميا ينص على عدم التمييز على أساس الجنس بين مواطنيه.
يظهر المجتمع الأردني، بمكوناته المختلفة وعبر ممثليه في مجلس النواب، أنه ينظر إلى النساء مواطنات درجة ثانية
ولكي لنكون أكثر صراحة، لم تكن كلمة "الأردنيات" فقط ما أثارت هذا النقاش، وإنما تعديلات بإضافة إلغاء كل أشكال التمييز، وتمكين النساء وحمايتهن من العنف، أثارت من يقولون إن هذه الإضافات لغو وتؤثر على مواد أخرى في الدستور مستندة إلى الشريعة، وفيها نصوص لا يمكن فيها مساواة الرجل والمرأة في المطلق، المواريث مثلا!
بعيدا عن كلا التيارين ومبرّراتهما، كيف لامرأة أو رجل يرفض أن يكون كلاهما متساويين في الحقوق والواجبات، وأن يرفضا نصا يمنع العنف ويجرمه، ويعزّز العدالة والمساواة بين الجنسين وحقوق الإنسان التي تقوم، في المجمل، على احترام إنسانية البشر من دون النظر إلى جنسهم، وندّعي أننا مجتمع يحرّم حقوق المرأة ويدين العنف تجاهها.
أحد التخوفات أن من شأن تلك التعديلات أن تعطي الأردنية حق منح جنسيتها لأبنائها "إن تزوجت من غير أردني"، على الرغم من أنه من المعلوم أن مكان تعليمات الجنسية ومنحها هو قانون الجنسية وليس الدستور. وأين المشكلة أن تمنح أم أطفالها الجنسية؟ ألا يتزوج أردنيون من أميركيات وأوروبيات، مثلا، لكي يستطيعوا الحصول عليها من خلال أطفالهم!
ما أسهل أن تتمترس الآراء وراء الدين والمسموح والممنوع، إذا كان محور النقاش موضوعا يخصّ حقوق المرأة
مرّة أخرى، يظهر المجتمع الأردني، بمكوناته المختلفة وعبر ممثليه في مجلس النواب، أنه ينظر إلى النساء مواطنات درجة ثانية، وإن حدّة النقاش تعلو عند إثارة حقوق النساء ومكانتهن القانونية وحقوقهن وواجباتهن التي لا تطلب إلا أن تكون متساوية مع نصف المجتمع الآخر الذي يتحكّم حتى بالمزاج المجتمعي العام، فما أسهل أن تتمترس الآراء وراء الدين والمسموح والممنوع، إذا كان محور النقاش موضوعا يخصّ حقوق المرأة.
لماذا لم تنتظم إعتصامات على باب مجلس النواب، ولم تسمع داخله شتائم ولم يجر ضرب، عند طرح مقترحات التعديلات الحكومية المتعلقة بمجلس الأمن الوطني على سبيل المثال، وهذه، إن دققنا، أكثر خطورة على شكل الدولة وعلاقة السلطات بعضها ببعض واستقلاليتها المهدّدة، إن تم تشكيل هذا المجلس الذي يجمع السلطات جميعا بيد الملك، إلا إذا كان هذا يعني، بطريقةٍ أو بأخرى، "دسترة الواقع".
عادة ما يقال إن من شأن التشريع أن يغير المجتمعات نحو الأفضل، إذا تمت صياغته بالشكل الذي يراعي التنوع والسياق الاجتماعي والثقافي العام. وبالتالي ينعكس على الثقافة العامة، ويتم تغييرها، فنحن اليوم في حاجة لكي يقتنع الناس جميعا بأن النصوص يجب أن تُراعي التنوع في المجتمع، وتبادل الأدوار مناصفة بين الرجل والمرأة، وتحقق العدالة بينهما، لكي نؤسّس لمرحلة وعي جديدة، تنقلنا إلى القدرة على تخطّي كل تحدّيات التنمية التي يجب أن تشغلنا، وليس ترتيب المقامات والأدوار بناء على اختلافاتٍ شكليةٍ، كالجنس أو الجندر.
*العربي الجديد