جدلية الخوف وحرية التعبير

تشعر الحكومة بالخوف من تطاول منصات التواصل الاجتماعي وحرية الانترنت على الحياة الخاصة لمواطنيها،وتحت سياط هذا الخوف ابتدعت القانون الجديد لمكافحة الجرائم لالكترونية الجديد الذي سيصبح بعد تمريره من السلطة التشريعية قانونا للجباية الفجة، وإمعانا حكوميا في تغليظ العقوبات سواء بمدد السجن الطويلة، أو بالغرامات المالية الباهظة.

وتحت سلطة خوف المواطن من تبعات واستحقاقات القانون الجديد فان حرية التعبير مهددة تماما، بل وستصبح تحت مقصلة التأويلات وربما المحاسبة على النوايا" ولكل امريء ما نوى.."، وبامكان اي مواطن أن يؤول ما يقرأه على هواه ويتقدم بالشكوى للنائب العام، وفي القضايا الأخرى فإن الحكومة يمكنها ان تقود اي مواطن للنائب العام وعلى المواطن إثبات براءته، وبالتالي تنتفي القاعدة الدستورية "كل مواطن بريء..".

وبالرغم من أن كل ما ورد في القانون ــ قيد المناقشة ــ هي عقوبات تجريمية ،فإن المادة 15 بفقرتيها تكفي للتأشير على مدى خطورة هذا القانون على حرية التعبير، ناهيك عن ازدواجية العقوبات الواردة في قوانين أخرى "قانون العقوبات مثلا" التي لم يراعي مشروع القانون تعارضها مع بعضها البعض.

تقول المادة "15" بفقرتها "أ" (يغاقب كل من قام قصدا بارسال او إعادة إرسال أو نشر بيانات أو معلومات عن طريق الشبكة المعلوماتية أو تقنية المعلومات أو نظام المعلومات او الموقع الالكتروني أو منصات التواصل الاجتماعي تنطوي على أخبار كاذبة أو ذم أو قدح او تحقير اي شخص بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر وبغرامة لا تقل عن ( ٢٠٠٠٠ ) عشرين الف دينار ولا تزيد على ( ٤٠٠٠٠ ) اربعين الف دينار. "

وفي الفقرة "ب" من المادة ذاتها فإن "تلك الجرائم تلاحق من قبل النيابة العامة  دون الحاجة لتقديم شكوى او ادعاء بالحق الشخصي اذا كانت موجهة الى إحدى السلطات في الدولة او الهيئات الرسمية او الادارة العامة او الى احد أعضائها او الى أي موظف عام اثناء قيامه بوظيفته او بسبب ما أجراه بحكمها ".

هنا تستحكم الحلقات العقابية بطريقة مخيفة ومرعبة، فقد يتطوع النائب العام تقديم أي مواطن للمحاكمة في قضايا القدح والذم والنحقير لكونه انتقد أعمال شخص آخر دون أن يعرف هذا الشخص أن شخصا آخر يحاكم بسببه، ولسنا هنا بحاجة للعودة لقانون العقوبات لنتبين الفرق بين العقوبات المنصوص عليها في القانون الحالي وقانون العقوبات، ناهيك عن القوانين الأخرى.

أما مسألة الأخبار الكاذبة فحدث عنها ولا حرج، فالأمم المتحدة بنفسها تعترف بأنه لا يوجد تعريف يجمع عليه المجتمع الدولي لتحديد ما هية الأخبارر الكاذبة او المضللة، او المفبركة، او المزيفة، ولكل مهتم مراجعة كل ما يتعلق بهذه القضية في أدبيات ووثائق الأمم المتحدة المتعلقة بحرية التعبير وحقوق الانسان، وحرية الانترنت وحرية المعلومات.

قبل شهرين من الان كنت منهمكا بانجاز دراسة عن الأخبار المضللة والتضليل الاعلامي، حتى قبل إصدار مشروع القانون، ولم أعثر على تعريف مجمع عليه للتضليل وللأخبار المضللة والمزيفة، وإنما هي اجتهادات وتأويلات، بل إن مشروع القانون نفسه لم يضع تعريفا يمكن الاستناد اليه لتحديد ما هي الأخبار "الكاذبة "، أو حتى " الزائفة " التي استخدمها مرة واحدة في المادة" 20 ".

لا انكر بالتأكيد مخاطر الأخبار المضللة والتزييف الاعلامي الذي تتعدد جوانبه واهدافه ومراميه، ولست أيضا ضد معاقبة كل من يعبث بالحقيقة ويعمل على تضليل الرأي العام ، ولكن ضمن مسطرة عقابية واضحة، تخلو من الإزدواجية والتعددية في قوانين أخرى، شريطة صون حرية التعبير التي كفلها الدستور الأردني والاعلان العالمي لحقوق الانسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي كان الأردن من المبادرين للتوقيع عليها.

وحتى لا نترك الحبل على غاربه، فلدينا مروحة عريضة من القوانين التي تعالج موضوعة الأمن الإلكتروني او"السيبراني" وغيرها من الموضوعات التي عالجها مشروع القانون الجديد، ولا أرى أن أحدا يمكنه معارضة تغليظ العقوبات لمن يتجرأ على العبث باموال المواطنين الكترونيا أو من يخترق الأمن المعلوماتي الوطني وغيرها من جل القضايا لتي عالجها مشروع القانون، بالرغم من معالجتها في قوانين أخرى، لكننا نخاف على حرية التعبير من نصوص المواد 15 و16و17 ، تحديدا التي فرضت حصانة قانونية مفتوحة على كل السلطات الدستورية الثلاث، وعلى كلمؤسسات وموظفي الادارة العامة، مما قيد حرية النقد تقييدا فاجعا جل من أي نقد يوجه لأي موطف في القطاع العام موضوعا قضائيا منظورا امام المحاكم المختصة.

بسبب هذا القانون ومواده المتعلقة بحرية التعبير ستتراجع مكانة الأردن الدولية في معايير الحريات العامة وقد نفقد الكثير من النقاط مرة أخرى.

وللحديث بقايا لكنه حديث سيولد في جبة الخوف خوفا ورعبا من متطوع قد يدمني للقضاء لأنه حاكمني حسب تأويله وفهمه لي.. 

ورحم الله تيسير سبول حين قال"الحرية الحقيقية هي أن تكون خارج الخوف ..".

أضف تعليقك