تقاسيم على قانون العقوبات

 

دعوة الرئيس السوري بشار الأسد لزيارة الإمارات وتلبيته الفورية لها واستنكار الخارجية الأمريكية الدعوة والزيارة ووصفها بأنها «محاولة لإضفاء الشرعية على نظام ارتكب جرائم في حق شعبه..»، تحمل دلالات كثيرة لعل أبرزها محاولة الإمارات استخدام الأدوات والمساحات المحدودة المتاحة لبعض دول المنطقة لإظهار «قدرتها» على اتخاذ مواقف مغايرة لمواقف الإدارة الأمريكية التي أفسد «العوازل منهم لله» علاقتها ببعض حلفائها التقليديين في منطقة الخليج على خلفية خلافات تيكتيكية حول ملفات عديدة من أهمها: الحرب في اليمن وحقوق الإنسان، ومؤخراً الموقف من الغزو الروسي لأوكرانيا. في الوقت نفسه، ربما تسعى الإمارات إلى استثمار تقاربها مع الأسد للالتأثير على، أو في إيران التي تدعم الحوثيين بالعتاد خصوصاً الطائرات المسيرة التي تستهدف المنشءات النفطية الإماراتية بين حين وآخر، هذا فضلاً عن الملفات الأمنية الإقليمية المشتركة وعلى وجه التحديد الوضع في سوريا التي تتقاطع فيها المصالح الإسرائيلية الروسية السورية الإيرانية التي تشتبك جميعها إيجابياً مع الإمارات باستثناء إيران إلى حد ما.

 عفواً، سوف نتوقف هنا خشية أن يتسبب الاسترسال بالحديث عن هذا الموضوع بتعكير صلاتنا بإحدى الدول محل النقاش، لذلك نستميح القارئ عذراً بأن ننتقل لمناقشة موضوع آخر.

 

 نشرت شبكة سي ان ان مؤخراً معلومات نقلاً عن مصادر مطلعة أن السبب الحقيقي وراء إلغاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان زيارته إلى الصين في شهر شباط الماضي لحضور افتتاح الدورة الشتوية للألعاب الألومبية؛ كان حرصه الشديد على الاستماع إلى المكالمة الهاتفية التي دارت بين الرئيس الأمريكي بايدن والملك سلمان بن عبد العزيز في حينها. ليثور التساؤل عن دلالات هذا الحرص الشديد على حضور المحادثة وعن سبب عدم تكلم ابن سلمان خلالها كما كشفت المصادر نفسها، ثم عن مبرر الكشف عن هذه المعلومات في هذا الوقت، وما إذا كان لذلك صلة بما أطلقته جهات مقربة من ولي العهد السعودي منذ أسابيع من شائعات حول «امتناعه عن تلقي مكالمة من بايدن»، ثم نفي المتحدثة باسم البيت الأبيض لهذه الأخبار الكاذبة بنبرة قوية وواضحة تؤكد «عدم إجراء بايدن أي اتصال بمسؤوليين سعوديين بعد محادثته مع الملك سلمان بن عبد العزيز، مضيفةً بحزم «أنه لا يوجد نية لزيارة المملكة في الوقت الراهن»، مع ملاحظة أن هذه «الحركشات» السعودية تأتي في ضوء موقف الإدارة الأمريكية الحالية المستنكر لسياسات ابن سلمان في مجال الحريات وحقوق الإنسان وبطبيعة الحال قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي وربما موقفه الأخير من الحرب ضد أوكرانيا.

 عذراً، لا يمكننا الستمرار للسبب السابق ذاته، وسوف نضطر عزيزي القارئ أن نتناول موضوعاً مختلفاً قليلاً ليس فيه شبهة تعكير صلات أي أحد بأي أحد.

 

 محاولة الرئيس الأوكراني زيلينسكي تملّق المسؤولين الإسرائيليين من خلال اللعب على وتر «الهوليكوست» ارتد في وجهه، حينما أخذته الجلالة وخانته خبرته السياسية الضحلة فشبّه في خطابه أمام الكنيست ما يحدث للشعب الأوكراني «بالمحرقة التي ارتكبت ضد اليهود على أيدي النازيين»، ثم أغواه شيطانه وغلبته نشوة المظلومية؛ فمنَّ على القوم زاعماً أن «الأوكرانيين ساعدوا اليهود ضد جرائم النازية، وها هي إسرائيل لا ترد الجميل وتساعدهم..»، لينبري له الإسرائيليون من يسارهم إلى يمينهم مدشّنين ضده حملة «ردح حيّاني» تنوعت أدواتها بين نعته «بالكذاب.. وسبب جر بلاده لمأساة.. وجحوده وإنكاره للجميل الذي يشهد عليه جسر المساعدات الطبية والدوائية والغذائية الإسرائيلية لبلاده منذ بداية الحرب عليها..». في المقابل، استفز زيلينسكي الشارع العربي حينما وصف إسرائيل بأنها «ضحية الإرهاب» في حركة نفاق أكروباتية رخيصة جلبت له احتقار كل من يناصر القضية الفلسطينية، ليغدو المسكين كمن «رقص بين طابقين، فلا الذين فوق رأوه بل رشّوه بماء غسل السلالم، ولا الذين تحت سمعوه بل وبخوه ولم ينشّفوه أو يؤوه»، ليثور التساؤل في هذا المقام عن موقف السلطة الفلسطينية والأنظمة العربية الرسمية من هذه التصريحات المشينة لزيلينسكي التي جعل فيها من الجلاد الإسرائيلي ضحيةً لضحيته، ثم كيف يمكن قراءة انحياز بعض الدول العربية لروسيا ورمادية مواقف بعضها الآخر؟

 سنتوقف من فورنا عند هذا الحد لوجود شبهة تعكير صلات وصفات أنظمة ودول للمرة الثالثة، محاولين غير يائسين العثور على موضوع مختلف وآمن نتحدث فيه دون مخاطرة أو مغامرة.

 

 أثارت مداخلة أحد أعضاء مجلس النواب أثناء جلسة مناقشة قانون الأحزاب المحال من مجلس الأعيان بعد إدخال الأخير بعض التعديلات عليه؛ غضباً في أوساط الأعيان والنواب على حد سواء، حيث أهان النائب غرفتي البرلمان حينما قال: «أنه من الأفضل تعيين مجلس النواب كما يتم تعيين الأعيان ليصبح المجلسان يعملان بكبسة زر واحدة»، الأمر الذي دفع رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز إلى انتقاد هذه المداخلة وصاحبها علناً متوعداً النائب بالملاحقة القانونية والدستورية واصفاً إياه بأنه «جاهل بالدستور ودور مجلسي النواب والأعيان.. وعليه أن لا يستغل الحصانة.. وأن يتحلى بالأدب في التعامل مع الآخرين.. وأن يؤدي دوره بعيداً عن الاستعراض والشعبويات..». ليثور التساؤل عمّا إذا كان من المفيد تأمل هذه الحادثة لمناقشة مدى اكتمال الأهلية السياسية والمعرفية والمهنية لعدد لا يستهان به من ممثلي الأمة، وما إذا كان ينبغي وضع آليات واشتراطات للترشح للانتخابات البرلمانية واللا مركزية تكفل توافر الحد الأدنى من مكونات تلك الأهلية لكل من يعتزم دخول حلبة السياسة من باب البرلمان أو المجالس المحلية.

 مهلا، أعتقد أننا نحوم حول حِمى نصوص مواد «الذم والتحقير» في قانون العقوبات، لذلك سوف نتوقف عند هذا الحد، في محاولة أخيرة لإيجاد موضوع غير ذي شبهة أو اشتباه نتحدث فيه.

 

 مع توجه معظم دول العالم بما فيها الأردن إلى التعامل مع جائحة كورونا باعتبارها مرضاً موسمياً مستوطناً وليس وباءً مستجد، وبعد الإدارة البوليسية للأزمة لأكثر من سنتين تدهور خلالها الاقتصاد وضاقت الحياة على العباد وأصيبت القطاعات المختلفة بأضرار تحتاج سنوات لتتعافى منها كليا، هذا بخلاف الضرر النفسي والأكاديمي الجسيم الذي لحق بالطلاب والطالبات بسبب فشل التعليم عن بعد.. وذلك كله بسبب كثرة «الطباخين الذين لغوصوا في الطناجر»، إذ أفتى الجميع إلا أهل الاختصاص، وتعامل البعض مع جموع الشعب كأنهم أفراد في كتيبة كتب عليها الحظر بالأمر لسبب في حين ودون أسباب في أحيان.

 لكن . . . لحظة . . . قانون الدفاع ما تزال أحكامه نافذة ويبدو أنها لن تغادر لا من باب ولا من نافذة، ولا نريد أن «نمر بالمر الذي لم يمر» حينما تم توقيف اثنين من مؤسسة إعلامية على خلفية عرض تقرير عبر فيه مواطن مطحون عن أثر الحظر الشامل على قوته وقوت أولاده في بداية الجائحة، لذلك سنكفّ عن الاستفاضة في هذا الملف مؤثرين السلامة.

 

 ترى ما العمل يا صاح، والاختيار بين القلم المستباح والفم الذي يعمل بمفتاح؛ كمن يفاضل بين حياة الموتى وعيشة الأشباح، فاليحيى كل ديك صيّاح يذكّرنا أن الصباح ما لبث أن لاح وأنه لم يبقى متاح سوى الصمت المباح.

 

 

أضف تعليقك