تراجع الحكومة عن رفع الحد الأدنى.. أول مشاهد إلغاء وزارة العمل

الحد الادنى للإجور
الرابط المختصر



جدل كبير ساد خلال الأيام القليلة الماضية، عنوانه الرئيس تنفيذ قرار سابق بربط الحد الأدنى للأجور بمعدلات التضخم وبخاصة بعد إعلان مؤسسة الضمان الاجتماعي اعتماد 271 ديناراً كحد أدنى لأجور المؤمن عليهم ابتداءً من هذا العام.

المشكلة لم تنبع من هذا الإعلان، وإنما جاءت مع تصريحات وزير الصناعة والتجارة والتموين وزير العمل يوسف الشمالي أمام اللجنة المالية النيابية عن عدم النية لتطبيق قرار رفع الحد الأدنى للأجور توازيا مع ارتفاع معدلات التضخم.

هذا القرار، الذي تم إقراره من اللجنة الثلاثية لشؤون العمل المشكلة وفقا للمادة 43 من قانون العمل، وتم الاتفاق على تطبيقه بدءا من عام 2022، تقرَّر تأجيله لاحقا إلى العام الحالي بداعي "الظروف الاقتصادية".

حديث الشمالي أحدث مخاوف في الأوساط العمالية وأثار جدلاً واسعاً في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، لأنه يخالف وبصراحة متناهية قرار اللجنة الثلاثية لشؤون العمل المتخذ منذ 3 سنوات، حين رفعت اللجنة الحد الأدنى للأجور إلى 260 ديناراً بدءا من عام 2021 مع تطبيق ربطه بمعدل التضخم كل عام بدءا من 2022، ليؤجل العمل فيه العام الماضي، ثم لتأتي تصريحات الشمالي المخالِفة له.

ما يزيد المسألة جدلاً أنّ الوزير أعلن عن اجتماع ستعقده اللجنة الثلاثية يوم الخميس الثاني من شهر شباط الجاري، لاتخاذ "قرار حاسم" حيال موضوع الحد الأدنى للأجور، قبل أن تنسب وسائل إعلام تصريحات إلى مصادر نقابية بأنّ الوزير سيسعى في الاجتماع إلى إلغاء قرار ربط الحد الأدنى للأجور بمعدلات التضخم سنويا ونشر القرار الجديد لتجنب الوقوع في مخالفة قانونية.

هذه التطورات فسرها مختصون ومعنيون بالشأن العمالي بأنها "مشهد تمهيدي" آخر لإلغاء وزارة العمل، تطبيقا لتوصية لجنة تحديث القطاع العام، التي من بنودها دمج مديريات علاقات العمل وما يتعلق باللجنة الثلاثية والنقابات العمالية بوزارة الصناعة والتجارة والتموين، في ظل مخاوف تتزايد يوميا من المضي قدما في تطبيق التوصية برغم المحاذير والتخوفات التي انطلقت عقب صدور التوصية.

ويرى مدير "بيت العمال" حمادة أبو نجمة أنّ ما حدث هو تجربة أولى لتوجه إلغاء وزارة العمل، خصوصا وأنّ وزير العمل اليوم وضع خبرته في الدفاع عن مصالح أصحاب المنشآت والأعمال بالمرتبة الأولى، مقدماً إياهم على العمال. 

ويقول أبو نجمة لـ"المرصد العمالي الأردني" إنّ تذرع الوزير بضرورة عدم زيادة الأعباء على أصحاب العمل، يمثل ما تخوفت منه منظمات المجتمع المدني الحقوقية ونقابات عمالية لمخاطر إلغاء وزارة العمل، التي تتمثل بترجيح كفة أصحاب العمل أكثر مما هي عليه الآن، وأن الوزارة غالباً ما ستدار بعقلية أصحاب المنشآت والأعمال دون النظر إلى حقوق العاملين.

وحول مطلب الحد الأدنى للأجور واجتماع اللجنة الثلاثية، يؤشر أبو نجمة إلى أنّ النقابات العمالية، التي هي أحد أطراف اللجنة، قادرة على تأخير القرار الذي يحتاج إلغاؤه إلى إجماع مختلف أعضاء اللجنة الثلاثية المكونة من ممثلي العمال (الاتحاد العام لنقابات عمال الأردن) وممثلي أصحاب العمل (الغرف الصناعية والتجارية) والحكومة.

ناشر موقع الراصد النقابي لعمال الأردن حاتم قطيش، يتفق مع أبو نجمة بأنّ ما جرى يكرس لترقية مصلحة أصحاب العمل على العمال أنفسهم، بالرغم من وجود الوزارة حتى اللحظة، وأن ما ينتظر مع إلغائها سيمثل تراجعاً كبيرا في شروط العمل.

ويقول قطيش لـ"المرصد العمالي الأردني" إنّ سطوة أصحاب العمل تتمثل باعتراف الوزير الحالي في مختلف اللقاءات وأحاديثه للصحافة بضرورة عدم زيادة الأعباء على أصحاب العمل، بالرغم من أنّ الطبقة العاملة لا تستطيع تلبية احتياجاتها كاملة لانخفاض الأجور.

ويشدد قطيش على أنّ على النقابات العامة للعمال، التي هي أحد أعضاء اللجنة الثلاثية، أن تتخذ موقفا، ويجب عليها اليوم أن تضغط باتجاه التعامل بالقنوات الدستورية وماهو متاح بالقانون كالإضرابات الشرعية والوقفات التي يتيحها الدستور.

وذلك المطلب والخطوات المتاحة، وفقاً لقطيش، قد تدفع الحكومة للتراجع عن التوصية التي ما تزال قيد الدراسة. لكنه يعتقد أن ما هو واضح أنّ الأمور تسير بذلك الاتجاه.

من جانبه أوضح أحمد عوض مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية، أن رفع الحد الدنى للأجور ضرورة ملحة، فهي الى جانب أنها التزام حكومي سابق، فهي ضرورة لتمكين عشرات الالاف من العاملين بشكل منظم وغير منظم من تحسين شروط حياتهم، بالإضافة الى أن زيادة الأجور بشكل عام ستؤدي الى تحسين الطلب المحلي وبالتالي دفع عجلة النمو الاقتصادي الى الأمام.

وكانت لجنة تحديث القطاع العام أوصت في مطلع آب الماضي بإلغاء وزارة العمل وتوزيع مديرياتها على عدة وزارات منها وزارة الصناعة والتجارة والتموين، وبخاصة ما يتعلق بعلاقات العمل والرقابة والتفتيش ومخالفات الأجور.

منظمات المجتمع المدني حذرت آنذاك من هذا التوجه، بصفته قد يكرس سطوة أصحاب العمل على علاقات العمل ويسهم بتراجع شروط العمل خصوصا وأنّ وزارة الصناعة والتجارة تختلف في مواقفها وأهدافها مع وزارة العمل.

وحذر المرصد العمالي الأردني، في بيان موقف عقب إعلان التوصية، من تبعات كارثية على أطراف الإنتاج في سوق العمل أكان العمال أو أصحاب العمل أو النقابات. 

ونبه المرصد في بيانه إلى أنّ إلغاء الوزارة سيؤدي إلى إضعاف شروط العمل عند غالبية العاملين، ولا يفهم من قرار إلغاء الوزارة إلا أنه تقويض جديد لسياسات العمل ومحاولة لإضعاف شبكة الحماية الاجتماعية بدلاً من تعزيزها.