تداعيات "حادثة اربد" في ميزان الشريعة
ابتلينا في هذا العصر بعدد من المُتصدرين للإفتاء والمنابر، ولوسائل الإعلام من أصحاب الجبّة والعباءات ولهم مريدين ومطبلين، ولقد كنت - كغيري من المستمعين - أتابع بعض ما يلفت الانتباه من المقالات، والطرح الإعلامي المضمَّن نصوصاً شرعية ونقولاً إسلامية لدحض الفكر الإقصائي والممارسات المتطرفة.
ومما سمعت وقرأت وشاهدت من دروس ومحاضرات في المدرسة والمسجد وعبر الإعلام، أن اجتزاء النص القرآني، وتفسيره تفسيرا حرفيا، وإنزاله على الواقع، ينم عن عدم احترام للنص القرآني في تركيبته وتعدد معانيه ودلالاته.
ويتبع ذلك أن يتجاهل هؤلاء النص النبوي _ الأحاديث النبوية _ وهو اجتزاء من نوع آخر، يمكن تفسيره بأن البعض ذهب إلى ما يخدم قضيته من نصوص دينية وتجاهل عامدا أو سهوا النصوص التي لا تدعم ما يقدمه.
رفض الفقهاء وبإصرار اتخاذ موقف ديني صارم تجاه الدولة وممارساتها والسير مع القطيع واتخاذ خطوات أخرى لتحشيد الناس لا تتفق وشرف العلم والعلماء والتوجهات الحنيفة، ولكن أحدًا لا يريد أن يعترف بذلك.
بالرغم من أن اتخاذ موقف يقول للصحيح أحسنت وللمخطئ أخطأت بحكم مرتبة الشرف العلمية، لا يعني أن لا نحارب التطرف والكراهية بشتى الوسائل.
مشكلة علماء السلطة أنهم يحاولون الظهور بمظهر المناضل الذي يدافع عن الوطن وعن الحرية وعن المستقبل، وهم في الحقيقة يدافعون عن مصالحهم ومنافعهم وامتيازاتهم، وأدعم ظني بكونهم سكتوا عن الكثير من الظلم وأحوال المظلومين الذين مكّن النص القرآني والنبوي صاحب الأمر من أنصافهم.
إن الولاء للسلطة من أجل المصالح الدنيوية عمل رخيص، يجب أن يتنزه عنه الشرفاء من الكتاب والإعلاميين وعلماء الدين، أو من لديهم بقية إحساس بالجريمة الشرعية التي يرتكبونها بصمتهم على الباطل.
وفي منطق العقل وتوجيهات الأنبياء (عليهم السلام) لا يمكن مُعاقبة البريء بسبب جريمة المذنب، وهذا تماماً عكس ما هو شائع بين عامّة الناس مِن خلال المثل الذي يقول (يحرق الأخضر واليابس معاً).
فمن منكم يا علماء الدين يستطيع اليوم أن يعتلي منبر رسول الله والوسيلة الإعلامية التي يعمل بها أو ضيفا على برامجها ليقول للسلطات أخطأت وقمت بمخالفة الأخلاق والشريعة وكرّست عقلية الإنتقام بتوقيع ذوي القتلى من الخلية الإرهابية على تعهدات بمنع تغسيل وتكفين "أعضاء الفرقة الضالة" والصلاة عليهم ؟ حتى وصل الأمر بتشجيع عدم دفنهم في مقابر المسلمين.
غاب عنكم ما جاء في مذهب أهل السنة والجماعة من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من سلف الأمة أنهم لا يكفرون أهل الكبائر؛ كالقاتل عمداً، وقاتل نفسه ونحوهما، ويرون أن يصلى عليهم، ففي مسند الإمام أحمد عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه: (أن رجلاً من المسلمين توفي بخيبر، وأنه ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «صلوا على صاحبكم»، قال فتغيرت وجوه القوم لذلك، فلما رأى الذي بهم قال: «إن صاحبكم غل في سبيل الله» ففتشنا متاعه فوجدنا فيه خرزاً من خرز اليهود ما يساوي درهمين).
والشاهد، أن صلاة الجنازة على كل من مات مسلماً في الظاهر ولو كان مرتكباً لكبيرة غير الشرك فرض كفاية، ومن أقيم عليه حد الرجم أو قتل قصاصاً صلي عليهما صلاة الجنازة وأنها لا تكون بإمامة "الإمام".
وهنا ننعي العدالة الدنيوية وشرف العلم الذي راح ضحية فرض أمر الواقع مدعوما بهيمنة السلطة السياسية والعسكرية والسلوكيات القبلية والمجتمعية على السلطة الدينية إن وجدت.