انتشرت مؤخرا على مواقع التواصل الاجتماعي تحذيرات من أساليب غش جديدة في زيت الزيتون، بعد تداول مقطع فيديو لمواطن كشف عن تعرضه لعملية احتيال عبر شراء زيت تبين لاحقا أنه خليط من زيوت غير صالحة للاستهلاك البشري.
التحذير أثار حالة من القلق بين المستهلكين، خاصة وأن زيت الزيتون يعد منتجا وطنيا استراتيجيا يرتبط بصحة الأردنيين وثقافتهم الغذائية، وسط مطالبات بتشديد الرقابة لمنع تكرار مثل هذه الممارسات التي تمسّ سلامة الغذاء وثقة الناس بالمنتج المحلي.
ويروى المواطن تجربته مع شراء زيت زيتون مغشوش، محذرا الآخرين من الوقوع في الفخ ذاته، ويقول إنه اشترى أربع تنكات زيت بدت في ظاهرها ممتازة من حيث اللون والرائحة والطعم، لدرجة أن الحاضرين عند شرائه أكدوا أن الزيت لا يختلف عن الزيت البلدي الأصلي.
ويضيف "أصررنا على فحص الزيت في المؤسسة العامة للغذاء والدواء للاطمئنان، لكن البائع اختفى فجأة بعد أن شعر أننا سنتحقق من جودة المنتج، وبعد إجراء الفحوصات الرسمية تبين أن الزيت ليس زيت زيتون على الإطلاق، بل خليط من زيوت غير صالحة للاستهلاك البشري، معتقدا أنها ناتجة عن مخلفات زيوت المطاعم.
ويؤكد المواطن أن ما تعرض له يسلط الضوء على خطورة شراء الزيت من جهات غير معروفة، وخاصة عبر الإعلانات على وسائل التواصل الاجتماعي، داعيا المستهلكين إلى توخي الحذر وعدم الاغترار بالمظهر الخارجي للزيت أو بالسعر المغري.
إستمع الآن
الغذاء والدواء: ضبط 8.5 طن زيت مغشوش
المؤسسة العامة للغذاء والدواء كثفت حملاتها الرقابية مؤخرا، حيث ضبطت خلال الموسم الحالي 535 تنكة زيت مغشوش (تعادل 8.5 طن) في مختلف المحافظات، وتم التحفظ على الكميات وتحويل المخالفين للنيابة العامة، كما أجرت فرقها أكثر من 1500 فحص ميداني للتأكد من جودة الزيت.
وتؤكد المؤسسة أن حملتها "افحص زيتك قبل ما يدخل بيتك" متواصلة، إذ تتيح للمواطنين فحص عينات الزيت مجانا في مختبراتها وفي المركز الوطني للبحوث الزراعية، مشددة على أن أي زيت يثبت غشه يتم إتلافه فورا مع اتخاذ الإجراءات القانونية بحق المخالفين.
من جانبه يؤكد رئيس الجمعية الأردنية لمنتجي ومصدري الزيتون، فياض الزيود، في حديثه لـ "عمان نت"، أن مادة زيت الزيتون المغشوش موجودة بالفعل في الأسواق المحلية، مشيرا إلى أن أبرز مؤشر على كون الزيت مغشوشا أو غير طبيعي هو السعر.
ويضيف الزيود أن بعض الإعلانات على وسائل التواصل الاجتماعي تروج لزيت زيتون بسعر 50 دينارا للتنكة مع هدايا إضافية مثل مرتبان زيتون أو مقدوس وتوصيل مجاني، ليصل السعر الفعلي إلى نحو 40 دينارا، وهو أمر غير منطقي ولا يعكس السعر الحقيقي لزيت الزيتون، مشيرا إلى أن سعر تنكة الزيت الأردني حاليا يتراوح بين 90 و100 دينار، مما يثبت أن هذه العروض غير واقعية ولا تمثل الزيت الأصلي.
أساليب غش متطورة ورقابة رسمية مشددة
يوضح الزيود أن طرق الغش في زيت الزيتون أصبحت أكثر تطورا من حيث الطعم واللون وحتى الرائحة، لدرجة أن المستهلك لم يعد قادرا على تمييز الزيت المغشوش بسهولة، مضيفا أن هذه الظاهرة ليست مقتصرة على الأردن، وإنما موجودة في مختلف دول العالم وفي كافة القطاعات، إلا أن انتشارها في قطاع زيت الزيتون بات يثير القلق.
ومن أساليب الغش أيضا بحسب الزيود أن يقوم البائع بإرسال الزيت عبر خدمة التوصيل بعد ساعات الدوام الرسمي، بحيث يتم التسليم من خلال طرف ثالث غير معروف، الأمر الذي يزيد من خطورة التعامل مع هذه الجهات، مضيفا أن الرقابة الرسمية قوية وتشمل وزارة الزراعة، المؤسسة العامة للغذاء والدواء، المواصفات والمقاييس، والشرطة البيئية، حيث يتم إخضاع أي كميات يتم ضبطها للفحص وقد يتم إتلافها في حال ثبت غشها، وهو ما حدث في حالات عديدة.
ويدعو الزيود المستهلك الأردني إلى الثقة بوجود زيت زيتون أردني عالي الجودة، والتأكد من مصدره قبل الشراء، مبيناً أن الفحص مجاني خلال الدوام الرسمي ولا يوجد ما يمنع المستهلك من الاستفادة منه، كمؤكدا أن الغش أصبح أكثر احترافية من خلال استخدام ملونات ونكهات وروائح تشبه زيت الزيتون الطبيعي، الأمر الذي يجعل من الصعب التمييز بين الزيت الأصلي والمغشوش حتى على الخبراء.
الزراعة: نظام جديد لتتبع المصدر
وزارة الزراعة بدورها أطلقت حملات وطنية لتوعية المواطنين بخطورة شراء الزيت من مصادر غير معروفة، خصوصا عبر صفحات التواصل الاجتماعي التي تبيع الزيت بأسعار زهيدة لا تقل عن 40 أو 50 دينارا للتنكة، مؤكدة أن هذه الأسعار غير منطقية، إذ يتراوح السعر الحقيقي بين 90 و100 دينار.
كما تشدد على أن الزيت الذي يعرض في مهرجان الزيتون الوطني يخضع لعدة مراحل من الفحص قبل السماح بدخوله، مما يضمن موثوقيته.
الزيود يبين أن هناك جهودا كبيرة تبذل من الجهات الرسمية والقطاع الخاص لمكافحة هذه الظاهرة، موضحا أن قطاع الزيتون من أكثر القطاعات التي تتمتع بشراكة بين القطاعين العام والخاص، مضيفا أن وزارة الزراعة شكلت منذ ثلاث سنوات لجنة خاصة باسم "لجنة حماية الزيتون الأردني" تعمل على مراقبة السوق وحماية المستهلك.
ويشدد على أن الرسالة الأهم للمستهلك هي ضرورة شراء زيت الزيتون من مصدر موثوق، سواء مباشرة من المزارع المعروف، أو من خلال معصرة الزيتون في موقعها، أو من المتاجر والسوبرماركت المضمونة، مشيرا إلى أن وزارة الزراعة وفرت بالتعاون مع المؤسسة العامة للغذاء والدواء والمركز الوطني للبحوث الزراعية خدمة مجانية لفحص الزيت، بحيث يتمكن المستهلك من التأكد من جودة الزيت الذي يشتريه.
ويضيف أن جميع الجهات المعنية، بما فيها وزارة الزراعة، نقابة أصحاب المعاصر، جمعية المنتجين والمصدرين، المؤسسة العامة للغذاء والدواء، ومؤسسة المواصفات والمقاييس، اتفقت منذ عام 2020 على وضع شعار وسنة الإنتاج على كل تنكة زيت، على أن يتم اعتباراً من الموسم المقبل إلزام المعاصر بطباعة اسم المعصرة أو المنتج على كل تنكة زيت تدخل السوق المحلي، وذلك بهدف تعزيز حماية المستهلك.
الإنتاج والأسعار هذا الموسم
وحول تأثير هذه الممارسات على أسعار زيت الزيتون وسمعته، يقول الزيود إن الأسعار المحلية لا تتأثر بشكل مباشر لأن المنتج الوطني يحافظ على جودته وسمعته القوية عربيا ومحليا، إلا أن المشكلة تكمن في السوق المحلي نتيجة انتشار الإعلانات المضللة على وسائل التواصل الاجتماعي، مؤكدا أن الزيت المخصص للتصدير يخضع لفحوصات ورقابة صارمة سواء في الأردن أو في الدول المستوردة، وبالتالي تبقى سمعة المنتج الأردني في الخارج محفوظة.
أما بشأن الموسم الحالي وكميات الإنتاج المتوقعة، يوضح الزيود أن الاستعدادات قائمة على أعلى مستوى، حيث تعمل وزارة الزراعة على التأكد من جاهزية وترخيص المعاصر ابتداءً من شهر أيلول، مشيراً إلى أن القطاع متطور ويضم معاصر حديثة ومزارعين يمتلكون خبرة عالية في إنتاج زيت زيتون بجودة مرتفعة.
ويضيف أن التغير المناخي أثّر بشكل واضح على الإنتاج، حيث تراجعت كميات الزيتون البعلي إلى نحو 25 – 30% نتيجة ضعف الموسم المطري، الذي يعد من أسوأ المواسم في السنوات الأخيرة. وأوضح أن هذا النقص سيتم تعويضه من خلال الزيتون المروي الذي سيغطي الفجوة في الإنتاج، متوقعاً أن يبلغ إجمالي الإنتاج نحو 150 – 160 ألف طن من الزيتون، منها حوالي 20 – 30 ألف طن ستخصص للتخليل المنزلي والصناعي، فيما سيخصص ما بين 120 – 130 ألف طن للعصر.
وفي ما يتعلق بالأسعار، يوضح الزيود أن سعر التنكة سيبقى قريباً من مستويات العام الماضي، أي بين 95 و100 دينار، داعياً المستهلكين إلى عدم التسرع في شراء كميات كبيرة في بداية الموسم خلال شهر تشرين الأول، حيث تكون الكميات المعصورة قليلة عادة، مؤكداً أن الكميات ستزداد في شهر تشرين الثاني، ما يضمن استقرار السوق وتوفر الزيت بكثرة.
هذا وستطلق وزارة الزراعة خلال الموسم المقبل تطبيق نظام جديد يلزم المعاصر بطباعة اسم المعصرة أو المنتج على كل تنكة زيت، لضمان تتبع المصدر وحماية المستهلك.












































