تحديات الوصول لخدمات "الصحة الجنسية والإنجابية" تعترض طريق فتيات ذوات الإعاقة

تُعدّ رحلة جمانة، البالغة من العمر 12 عاما، التي تعاني من إعاقة حركية، تحديا كبيرا في سعيها للوصول إلى الرعاية الصحية اللازمة، حيث تتطلب جهودا لكي تصل إلى المركز الصحي القريب من منزلها في العاصمة عمان، لممارسة حقها في الرعاية الإنجابية والجنسية.

حياة جمانة مليئة بالتحديات الطبية، نتيجة لفتق في العمود الفقري منذ ولادتها، والذي يترك أثره على جهازها البولي والهضمي، حيث تتطلب حالتها زيارات دورية إلى المركز الصحي، إلا أن المعيقات تقف في وجهها لحظة دخوله، والتي تجعل زيارتها له مثقلة على روحها رغم قوتها.

هذه المعيقات التي تبدأ بالصراع مع الدرج الطويل والمتهالك الذي يعترض طريقها، وعدم وجود درابزين للحماية يزيد من الأمور تعقيداً، مما يجبر والدتها على بذل جهد إضافي بحمل ابنتها ونزول الدرج، لتعود بعدها لجلب كرسيها المتحرك لنقلها داخل أروقة المركز.

وعندما تصل إلى "السجل" لفتح ملف ، تواجه جمانة تحديات إضافية، حيث تكون النوافذ مرتفعة وصعبة الوصول للأشخاص ذوي الإعاقة المقعدين، لتضطر إلى الاعتماد على المساعدة والدعم، لتمتد هذه المعيقات إلى نقص المساحة في غرف الانتظار  وهو ما يزيد من ثقل زيارة المركز.

مع هذه التحديات، تظهر الفجوة في تقديم الخدمات الصحية للأفراد ذوي الإعاقة، حيث يفترض أن يتمتعوا بحقوق الرعاية الصحية الجنسية والانجابية نفسها كبقية المجتمع، ومع ذلك، تكمن المشكلة في التصورات الخاطئة والافتراضات التي ترى أن الأفراد ذوي الإعاقة ليسوا نشطين جنسيا، ما يؤدي إلى إهمال حقوقهم في الخدمات الصحية في هذا المجال.


في الوقت الذي تتطلع فيه جمانة للحصول على الرعاية اللازمة، نكتشف فجوة كبيرة في الخدمات المقدمة، حيث تقتصر خدمات الأمومة على السيدات المتزوجات، دون توفير خدمات صحية ملاءمة للفتيات، رغم انتشار أكثر من 520 قسما من أقسام الأمومة والطفولة تابعة لوزارة الصحة في مختلف محافظات المملكة ومناطقها.

ويؤكد خبراء في الرعاية الصحية أن العناية بالصحة الجنسية والإنجابية تبدأ منذ سن البلوغ، فهي ليست مقتصرة على النساء المتزوجات فقط، بل تشمل جميع مراحل حياة الفتيات والنساء، حيث يظهر الفهم الخاطئ للمشكلة عند تقديم الرعاية الطبية، فيتم التركيز أكثر على النساء المتزوجات والحمل والإنجاب. 

رغم أن نسبة ذوي الإعاقة تبلغ 11.2%، من مجمل السكان الأردنيين ممن أعمارهم خمس سنوات فأكثر، ويشكلون ما نسبته، 10.6 % من الإناث ، وفقا لأرقام المجلس الأعلى للسكان، إلا أن الاهتمام بضمان حقوقهم في خدمات الرعاية الصحية الجنسية والإنجابية يظل قاصرا.

 

مرضى غير مرحب بهم

والدة جمانة واجهت أيضا تحديات مريرة أثناء محاولتها الوصول إلى الخدمات الصحية لابنتها، حيث تعاملت مع العديد من التعقيدات في الحصول على مواعيد علاجية، إذ تضطر إلى التنقل بين مراكز الرعاية ضمن إجراءات طويلة، ما أدى إلى إحساسها بعدم الترحيب بابنتها.

وتتحدث والدة جمانة عن واقع مؤلم، حيث يفتقر مقدمو الخدمات إلى الوعي بحاجات الأفراد ذوي الإعاقة، مما ينعكس على جودة العلاج وتلقي الخدمات الصحية.

"دبري راسك ما إلنا دخل".. تقول إحدى مقدمات الخدمة في المركز لوالدة جمانة خلال إحدى الزيارات، حين واجهت إشكالية نقص الدواء لابنتها، واضطرت بعد وقوفها لساعات بانتظار حصولها على الدواء، إلى شرائه من خارج المركز الصحي بمبالغ باهظة.

هذه المعيقات  والتحديات تحول دون تمتع ذوي الاعاقة بحقهم بالصحة الجنسية والإنجابية، كما تعرفها منظمة الصحة العالمية هي حالة من السلامة الجسدية والنفسية والاجتماعية الكاملة في جميع الأمور المتعلقة بالجهاز التناسلي. 

من جانبها تؤكد الأخصائية النسائية الدكتورة أسيل الجلاد، أن هناك احتياجات حيوية لكل فئات المجتمع، بغض النظر عن الوضع الاجتماعي أو وجود أي إعاقة حركية، فالدعم الطبي والتوجيه خلال مختلف مراحل البلوغ، والتوعية بالمشاكل المتنوعة مثل اضطرابات الدورة الشهرية وتقلبات مستويات الهرمونات، ينبغي أن توفر هذه الخدمات لجميع النساء دون استثناء، بما في ذلك ذوي الإعاقة، مع التركيز على توفير العناية الإضافية التي يحتاجونها لتسهيل وصولهم إلى هذه الخدمات بشكل فعال.

 

مراكز صحية دون تهيئة

تكشف معاناة جمانة عن تحديات كبيرة تواجهها العديد من الفتيات ذوات الإعاقة في مجال الرعاية الصحية، حيث تظهر دراسة أعدتها " حملة ابني " مؤخرا، أنه من ضمن العينة، يواجه 56.3 % من الأشخاص ذوي الإعاقة صعوبات في الوصول إلى خدمات الصحة الجنسية والإنجابية، كان أبرز هذه الصعوبات وأكثرها تكرارا الصعوبات البيئية.

وتشير الدراسة التي حملت عنوان " تقييم واقع خدمات الصحة الجنسية والإنجابية الـمقدّمة للفتيات ذوات الإعاقة في المراكز الصحّية الشاملة"، إلى أن 44.2 % من أهالي ذوي الإعاقة يواجهون صعوبة في الوصول إلى الخدمات.

الناطق الإعلامي "لحملة ابني" أنس ضمرة، يؤكد أن الصعوبات في البيئة وصعوبة الوصول إلى المراكز الصحية، يعدان من التحديات الرئيسة، نظرا لعدم توفر التهيئة المناسبة لذوي الإعاقة.

هذا ما يؤكده أيضا المتحدث الرسمي باسم المجلس المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الاعاقة رأفت الزيتاوي، إلى عدم توفر المرافق المناسبة، وعدم تقديم المعلومات بطريقة يمكن فهمها من قبل ذوي الإعاقة، وما يزيد الوضع سوءا، عدم احترام مبدأ الموافقة الحرة المستنيرة، حيث يتم تجاهل رأي الفتيات ذوات الإعاقة وعدم استفسارهن قبل أي إجراء طبي، ويكتفى بسؤال المرافقين حول أي موضوع يتعلق بهن.

تكشف الدراسة أن التحديات تبدأ من المدخل الرئيس للمراكز، حيث تفتقر أغلبها إلى منحدر على بوابتها، ونسبة 35.7% منها ليست مهيأة لذوي الإعاقة، كما تظهر المعيقات أيضا في عدم توفر مصاعد في 73% من المراكز لتسهيل الوصول إلى العيادات في الطوابق العلوية.

ويضيف ضمرة أن ذوي الإعاقة السمعية يجدون أنفسهم منعزلين ومحرومين تماما من الترجمة لهم في المراكز الصحية، وفيما يتعلق بالإعاقة البصرية، يوجد مركز واحد فقط يمتلك تهيئة مناسبة، وهي عبارة عن علامات أرضية بارزة يتم تركيبها باللون الأصفر لمساعدة الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية وضعيفي البصر في معرفة خطوط سيرهم.

إلى جانب تلك المعيقات، تظهر الدراسة أن 66.7% من المراكز ليس لديها دورات صحية خاصة للأشخاص ذوي الإعاقة، و42% من هذه الدورات مغلقة، الأمر الذي يعكس النقص الحاد في توفير بيئة ملائمة وخدمات متاحة للأفراد ذوي الإعاقة في المراكز الصحية.


الوزارة تقرّ بالمشكلة

عند النظر إلى الرعاية الصحية في المملكة، يظهر أن المشكلات التي تواجهها المراكز الصحية ليست قضية بسيطة، فإحصائيات وزارة الصحة تشير إلى وجود نحو 70 مركزا صحيا شاملا و378 مركزا صحيا أوليا تديرها الوزارة، وهذا يشير إلى تحديات هائلة تواجه المراكز القديمة.

رئيس اختصاص الطب الطبيعي والتأهيل في الوزارة الدكتور مروان الطاهر، يعترف بالصعوبات التي تعاني منها المراكز القديمة، باعتبارها غير مهيئة لذوي الإعاقة وليست ضمن كودة البناء، مؤكدا أن العمل على تطويرها يتطلب جهدا وميزانيات متخصصة لتحسين الرعاية الصحية.

أما المراكز الصحية الجديدة والتي افتتحت مؤخرا، بحسب الطاهر، فهي مهيئة بشكل كامل لاستقبال ذوي الاعاقة وتقديم الرعاية الصحية المناسبة دون مواجهة تحديات، من بينها مركز صحي صخرة كفر، وأسد كفر يوبا، ومركز الأميرة بسمة الذي يعد نموذجا في هذا المجال.

 

تطوير المراكز.. مكانك سر 

قبل 6 سنوات، أطلق المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الاعاقة دراسة حول واقع خدمات الصحة الجنسية والإنجابية، تشير إلى أن ذوي الاعاقة يواجهون صعوبات أثناء تلقي خدمات الصحة الانجابية والجنسية.

وكشفت الدراسة التي أُعدت عام 2017، عن تحديات كبيرة تواجه الأشخاص ذوي الإعاقة أثناء تلقيهم لهذه الخدمات، كان أبرزها يتمثل في نقص التهيئة والبنية التحتية اللازمة للأشخاص ذوي الإعاقة.

التحديات لا تقتصر على ذلك، يقول الزيتاوي "بل تمتد إلى نقص التدريبات للكوادر العاملة في المراكز الصحية حول النهج الحقوقي و"الإتيكيت" في التواصل مع الأشخاص ذوي الإعاقة، بالإضافة الى أهمية رصد وزارة الصحة للمخصصات المالية اللازمة لتتمكن من تنفيذ التزاماتها بموجب قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، بما في ذلك تهيئة المراكز الصحية الشاملة".

 

"مجلس الاعتماد" دوره التوجيه فقط

لرفع مستوى الرعاية الصحية المقدمة، تؤكد مديرة وحدة دائرة المعايير في مجلس اعتماد المؤسسات الصحية الدكتورة أميمة نصار، أهمية برنامج الاعتمادية الذي يقوم على معايير منظمة وإجراءات متقدمة تعزز جودة الخدمة وتشمل رعاية المرضى وخدمات المراجعين، موضحة ن الاعتماد يعدّ مقياسا لجودة الخدمة، والمؤسسات الناجحة تحقق درجة الاعتماد كإشارة لارتفاع مستوى الخدمة المقدمة للمواطنين.

ومع ذلك، يبقى دور مجلس الاعتماد، محصورا على التوجيه والتشجيع على تنفيذ إجراءات متقدمة للتهيئة وتقديم أفضل الخدمات العلاجية لكافة المراجعين في هذه المراكز، دون إلزامها بذلك، بحسب نصار.

على صعيد التقييم، يشير المجلس إلى أن عدد المراكز الصحية التي حصلت على الاعتماد بازدياد، حيث بلغت 109 مراكز نهاية عام 2023، مقابل 104 مراكز عام 2022 و 100 مركز عام 2021، من أصل 448 مركزا في كافة أنحاء المملكة، ويعكس هذا الارتفاع على الجهود المبذولة لتحسين الخدمات الصحية ورفع مستوى الجودة في مختلف أنحاء المملكة.

 

 

مصدر الصور: حملة ابني

 

 

أضف تعليقك