بين عبيدات وبدران: حقوق الإنسان في الميزان
إذا كان أحمد عبيدات، الرئيس المستقيل أو المقال لمجلس أمناء المركز الوطني لحقوق الإنسان، وقع ضحية للتقارير التي أصدرها المركز حول واقع الحريات في الأردن؛ فإن الرئيس الجديد للمركز، عدنان بدران، سيكون على المحك في حال محاولته الاستمرار في الحفاظ على إستقلالية المركز ومصداقيته.
والتخوف من شخص بدران، رئيس الحكومة الذي لم يعمر طويلاً والذي ارتبطت مسيرته الأكاديمية بأحداث جامعة اليرموك التي شهدت انتهاكات لحقوق الإنسان عندما اقتحمت قوات الأمن حرم الجامعة عام 1986 لقمع تظاهرات طلابية بمطالب أكاديمية بحتة، أخذ مأخذه في نفوس العديد من ناشطي حقوق الإنسان رغم إجماعهم على صعوبة المهمة وتطلبها لإرادة سياسية بغض النظر عن شخص بدران.
وفي هذه الحالة، فإن إصدار التقارير بصفحات ناصعة البياض، لن يظهر الأردن بصورة ناصعة، كما يعتقد البعض، بل على العكس، إذ ستساهم هذه التقارير البيضاء في اتشاح الأردن بالسواد وتردي الحريات فيها؛ وهذا ما لا يتمناه المجتمع المدني وناشطو حقوق الإنسان.
يقول سليمان صويص، عضو الجمعية الأردنية لحقوق الإنسان، أن مصداقية التقارير القادمة للمركز لن تكون حاضرة بوجود بدران، إذ أن الإطاحة بعبيدات بذريعة بيان ال150 شخصية واستبداله ببدران يعبر بشكل واضح عن إصرار الحكومة على إنضواء المركز تحت جناحها، بل واستخدامه "كسلاح بوجه التقارير التي تصدرها المنظمات الدولية".
ويضيف صويص مشيراً إلى توجيه جمعيته لرسالة تعدد 14 انتهاكاً لحرية التعبير خلال 50 يوم من عمر حكومة بدران آنذاك : "استقلالية المركز سقطت بإقالة عبيدات، ولن يستطيع بدران أو غيره إعادتها".
أحد ناشطي حقوق الإنسان، الذي فضل عدم الإفصاح عن اسمه أوضح بأن على المركز المحافظة على استقلاليته المنصوص عليها في قانونه معتبراً أن الإنحراف عن هذا المسار يعني التبعية التامة للحكومة وبالتالي مخالفة اتفاقيات حقوق الإنسان. "لا شك في أن مهمة عدنان بدران في المحافظة على استقلالية المركز ستكون صعبة وتحديداً في ظل خبرته القليلة في مجال حقوق الإنسان، وإذا كان بدران قد جاء خلفاً لعبيدات لتنفيذ سياسة مختلفة فعلى المركز وتقاريره السلام".
ويرى مدير مركز جذور للاستشارات ودراسات حقوق المواطن، توفيق السمهوري، أن الطريقة التي يتم فيها تعيين رئيس مجلس أمناء المركز الوطني لحقوق الإنسان تنزع منه صفة الاستقلالية، لذا فالأمر لايتعلق بشخص بدران أو غيره وإنما بالإرادة السياسية التي لم تأخذ بأي توصية من توصيات المركز "إلا من أجل التبرج والديكور".
ويزيد السمهوري بأن المركز الوطني لم يكن يتمتع على مدى تاريخه بأي من الاستقلالية أو المصداقية إلا في نطاق خطة حكومية مرسومة له، "ومن يعتقد أن عبيدات أقيل من أجل التقارير فهو مخطئ" معتبراً أن بيان ال150 شخصية سبب إقالته.
أما مدير عام مركز الأردن الجديد للدراسات، هاني الحوراني، فيعتبر أن بدران أكثر ملائمة من عبيدات لرفع سقف التقارير التي يصدرها المركز كونه لا يخشى أن يتهم بتبني أجندات سياسية "وهذا ما وقع فيه عبيدات، حيث تعامل كطرف سياسي من جهة، وكرئيس مجلس أمناء للمركز من جهة أخرى ولم يستطع الجمع بينهما".
وأكد الحوراني على التحدي الكبير الذي سيواجه بدران في المستقبل القريب، إضافة للحاجة الملحة للتفهم الحكومي الأمني ليتم الحفاظ على هذه الاستقلالية.
وسيستمر المركز في التقدم والحفاظ على استقلاليته مع أهمية ظهور الأردن بصورة ناصعة أمام الرأي العام العالمي والمنظمات الدولية في المجالات المختلفة، والتأكيد على "البديهيات بتحقيق الأردن لكثير من التقدم في مجال حقوق الإنسان"، يقول الرئيس الجديد لمجلس أمناء المركز الوطني لحقوق الإنسان، عدنان بدران، .
ويضيف : "المركز سيأخذ بجميع المواد الثلاثين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والبحث عن مواطن الضعف فيما حققناه في كل مادة ومعالجتها من خلال الحوار وإقناع المسؤولين، وباشرنا فعلياً بإعداد "مؤشرات قياسية" لتحديد موقع الأردن على الخريطة العالمية في كل بند من بنود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ".
ويقول المحلل السياسي فهد الخيطان في مقالته "حقوق الإنسان في عهد بدران" بأن على المجتمع المدني عدم الاستسلام للإنطباعات السلبية نتيجة الظروف التي أحاطت بتعيين بدران، والمتمثلة بإقالة أو إستقالة عبيدات، وبالتالي الحكم بشكل سلبي عليه منذ الآن "فهو بالتأكيد يدرك حساسية موقعه ويعلم قبل غيره أن المس بمصداقية واستقلالية المركز سينعكس سلباً على صورة الأردن والمركز، وعلى صورته الشخصية كرجل يصنف نفسه بأنه ليبرالي يدافع عن حقوق الانسان".
إلا أن الخيطان يعود في نهاية مقالته ليبدي شيئاً من التخوف، على خلاف دعوته بعدم الإنسياق وراء الانطباعات السلبية، ليأمل بأن لا يكون التغيير في رئاسة المركز الوطني لحقوق الإنسان مدخلاً "لاجهاض دوره".