بعد 78 عاما من الاستقلال: مسيرة من الإنجازات والتحديات السياسية والاقتصادية

الرابط المختصر

بعد مرور 78 عاما على استقلال الأردن، يتذكر الأردنيون محطاته السياسية والاقتصادية التي بدأت ضمن إمكانيات وموارد بسيطة، وكيف تمكن من تحقيق العديد من الإنجازات في مجالات متعددة، رغم التحديات الكبيرة التي واجهها عبر العقود الماضية.

 وتنامت المدن التي كانت تفتقر إلى أبسط الخدمات، لتشهد اليوم توسعا كبيرا وزيادة في أعداد المراكز الصحية والمؤسسات التعليمية المنتشرة في مختلف مناطق المملكة.

ففي ستينات القرن الماضي، بدأت مظاهر التطور تظهر بوضوح في المملكة، حيث تأسست الجامعة الأردنية عام 1962 كأول جامعة، ثم تأسس مستشفى المدينة الطبية عام 1973، ليصبح أحد أكثر المستشفيات ازدحاما ، بالإضافة إلى العديد من الإنجازات الأخرى.

كما شهد الأردن تضاعفا في عدد سكانه خلال أقل من 20 عاما، إذ ارتفع من 6 ملايين إلى أكثر من 11.6 مليون حاليا، ومن المتوقع أن يصل العدد إلى 12.5 مليون مع نهاية عام 2028، وفقا لتقديرات المجلس الأعلى للسكان.

لم تكن مسيرة الأردن خالية من التحديات، فقد عانى البلد من أزمات اقتصادية وسياسية، إضافة إلى تبعات النزاعات الإقليمية في الشرق الأوسط، ولعل أبرز التحديات التي واجهها هي الأحداث السياسية الراهنة، خاصة بعد الحرب الإسرائيلية على غزة، حيث زادت التوترات الإقليمية وظهرت تحديات أمنية وسياسية جديدة.

 

المراحل السياسية 

أستاذ العلوم السياسية الدكتور بدر ماضي يقول بأنه عندما نتحدث عن استقلال الأردن ، نحتاج إلى النظر في مرحلة صعبة جدا في تاريخ البلاد، وهي مرحلة ما بعد الاستقلال حيث كانت فترة زمنية حقيقية للبعد السياسي الذي تقوم عليه الدولة، في وقت كانت فيه التنافسية قوية في العالم العربي.

ويشير ماضي إلى أنه من أبرز التحديات السياسية التي واجهها الأردن في بدايات استقلاله كان الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وهي الأقرب جغرافيا إلى الأردن، وما زالت تشكل تحديا كبيرا، حتى الآن.

ويوضح أن فترة الخمسينات شهدت محاولات تأسيس جديدة، لكن الأردن واجه تحولا كبيرا في منتصف الستينات، وتحديدا بعد الحرب العربية الإسرائيلية الثانية عام 1967، حيث فقد الأردن الجزء الأساسي من أراضي الضفة الغربية وكان ذلك تحديا كبيرا للأردن.

في بداية الثمانينات والتسعينات، شهدت المملكة مرحلة من الاستقرار والهدوء السياسي استمرت لسنوات طويلة، مما أتاح فرصة لعمليات البناء الذاتي الداخلي، حيث مر الأردن بمحطات سياسية وتحديات كبيرة، لكنه استطاع الصمود حتى وصل إلى المرحلة الحالية، التي تعد واحدة من أصعب المراحل السياسية، نظرا للأحداث الجارية في فلسطين وقطاع غزة.

ويضيف ماضي أن الحروب لا تقتصر على المناطق المحلية فقط، بل لها تبعات على دول الجوار، فالأحداث الجارية في فلسطين، وتحديدا في قطاع غزة، أثرت بشكل كبير على الأردن على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فلا توجد خطة واضحة لما يحدث في الحرب الإسرائيلية على القطاع

كما يبذل الأردن جهودا محلية ودولية في محاولة لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة، بالإضافة إلى مساهمته في الحملات الإغاثية للقطاع حتى انتهاء الحرب.

 

أحداث سياسية 

أصبحت الاردن عضوا مؤسسا لجامعة الدول العربية في عام 1945، وانضمت إلى الأمم المتحدة كدولة مستقلة في عام 1955، ومن أبرز إنجازات الدولة  إصدار دستور عام 1952،. كما تم توقيع اتفاقية  بين الأردن والمملكة العربية السعودية في عام 1965 حصل بموجبه تبادل أراضي بين الجانبين.

ومن الأحداث السياسية، دخلت الأردن الحرب مع إسرائيل سنة 1967، مما أدى إلى خسارة القدس والضفة الغربية، ونزوح آلاف الفلسطينيين من الضفة إلى الأردن. وفي عام 1994، وقعت الأردن معاهدة السلام مع إسرائيل.

وفي مطلع عام 2011، شهدت الأردن موجة من المظاهرات والمسيرات الاحتجاجية في مختلف أنحاء البلاد، متأثرة بالاحتجاجات العربية العارمة التي اندلعت في ذلك الوقت، وكانت الأسباب الرئيسية لهذه الاحتجاجات تردي الأوضاع الاقتصادية، وارتفاع الأسعار، وانتشار البطالة، وظاهرة الفساد.

 

الأوضاع الاقتصادية

على الصعيد الاقتصادي،و بعد 78 عاما من الاستقلال، شهدت الأردن جهودا كبيرة نحو تعزيز التنمية الاقتصادية والاستدامة البيئية، حيث تبنت الحكومة إصلاحات اقتصادية متعددة وشجعت على الاستثمار في الطاقة المتجددة والتكنولوجيا الحديثة.

ومع ذلك، يواجه الأردن تحديات كبيرة تتمثل في الغلاء المعيشي وارتفاع نسبة البطالة والفقر. هذه المشكلات الاقتصادية أثرت على الحياة اليومية للمواطنين وزادت من الضغوط على الحكومة لتنفيذ إصلاحات اقتصادية ضرورية. 

المحلل الاقتصادي والأكاديمي الدكتور قاسم الحموري يشير إلى أن الفريق الاقتصادي بدأ بوضح الخطط الاقتصادية والبحث عن أسواق جديدة في الأردن، حيث بدأ قطاع الفوسفات والتعدين بالازدهار بشكل ملحوظ منذ الستينات الستينات من القرن الماضي. 

مع ذلك، يقول الحموري إن الاقتصاد الوطني يواجه تحديات كبيرة منذ 15 عاما، منها ضعف الإدارة العامة للموارد، وعدم جرأة أصحاب القرار الاقتصادي كما في السابق، وغياب الانسجام في الفريق الاقتصادي، مما انعكس سلبا على الأداء الاقتصادي.

ويشير الحموري إلى أن الظروف الخارجية أثرت على المملكة، حيث أصبح الوضع الإقليمي صعبا، وتراجع الدور المحوري والإقليمي للأردن، خاصة بعد التطبيع بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، بالإضافة إلى تأثير موجات الربيع العربي وأزمة جائحة كورونا وأزمات اللجوء المتتالية، مما أدى إلى زيادة كبيرة في عدد السكان مع وجود فقر في الموارد.

 

البطالة والفقر أخطر آفة اقتصادية

البطالة الآن تعد أهم تحدي يواجه الأردن في عيده الثامن والسبعين، حيث لها آثار نفسية واقتصادية واجتماعية وسياسية كبيرة و تعتبر البطالة  التي وصلت عند 22.3% في الربع الثالث من العام الماضي أخطر آفة اقتصادية تصيب الأردن. 

أما فيما يتعلق بالفقر، يشير الحموري إلى أنه بالرغم من أن الأردنيين كانوا يواجهون الفقر في الخمسينات وأوائل الستينات، إلا أن الوضع ازداد سوءا بعد السبعينات مع ارتفاع أسعار النفط بأربع أضعاف، مما أدى إلى ظهور طبقات غنية وفقيرة وتفاقم الفقر ليشمل أكثر من ربع السكان، مما يتطلب تعزيز التكافل الاجتماعي.

ومن التحديات الاضافية التي يواجهها الاردن ضعف تنافسية الاقتصاد بسبب ارتفاع كلفة الطاقة والعمالة والنظام الضريبي الأردني، وخاصة ضريبة المبيعات، التي تحتاج إلى إعادة النظر لأنها تضر بالاقتصاد، كما أن الاستراتيجيات الحالية وخطط الإصلاح الاقتصادي ليست جادة وكافية، وهناك مؤشرات على فشل هذه الخطط، أبرزها تدخلات في الحياة الحزبية وهندسة الانتخابات المقبلة ووجود هيئات ومؤسسات مستقلة ووزارات عديدة، بالإضافة إلى تعيينات غير مبنية على أسس الكفاءة، وفقا للحموري.

رغم كل هذه التحديات، وبمناسبة احتفال المملكة بعيد الاستقلال، فإن الاقتصاد الوطني استمر في تحقيق معدلات نمو جيدة بنسبة 2.5 بالمئة،وفقا لتقديرات وكالات التصنيف العالمية، على الرغم من تأثيرات جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية والعدوان على غزة.