بصدد قبيلات وبرية و"ثأر القبيلة "
لا شيء يشبه الظلم إلا الظالم نفسه.
ولا شيء يبيح للظالم القفز إلى مهنة الخنق والقتل إلا القاتل نفسه..
وكلاهما الظالم والقاتل صورتان لعملة واحدة..
وما جرى للفتيان إبراهيم قبيلات وعدنان برية ما هو إلا بضعة عواطف مشبعة بالثأر وبالعداء وبفقدان الكثير من الإحساس بقيمة العدالة..
وهذا الفقدان هو سرٌ يسري في روح القبيلة على دوار الواحة حين تنحاز لموروثها نصرة لكيانية هلامية لا ترى لها كينونة بغير بسط القوة بالثأر وبدوس روح العدالة، وكأن هذه الروح مجرد أكذوبة داخل نظام اجتماعي منهار لا قيمة لها..
بالأمس صادقت المحكمة الادارية على قرار مجلس نقابة الصحفيين بفصل الزميلين ابراهيم قبيلات وعدنان برية وحرمانهما من ممارسة مهنة الصحافة، وهو القرار الذي جاء مصادقة وتثمينا لقرار "القبيلة " بفصلهما بعد اعتدائهما بالقوة على أعضاء مجلس "القبيلة "، وهو الاعتداء الذي رفضناه وجرَّمناه في حينه ــ ولا نزال نجرمه ــ، لكن أن تذهب القبيلة إلى مضاعفة الجزاء وجمع عقوبتين عليهما في آن واحد فهذا ما لا يقبله المنطق، ولا تبيحه القوانين ولا تقره روح العدالة.
ولربما نعرف بعض حيثيات القصة في أساسها السابق واللاحق، لكننا ندرك بأن روح الثأر لدى القبيلة هو الذي اغتال في النهاية منطوق العدالة وقلبها، بينما أسلمنا نحن الزميلين قبيلات وبرية الى مقصلة الإنحياز لـ"الأنا "، وشاهدناهما يُقدمان على مذبح "تقديس القبيلة "، صونا للأعراض وتمكينا لروح الثأر، وتتويجا لإنتصارات بلا حرب او دماء.
ألم يكن الأحرى بالقبيلة ــ وهذا ما قلناه مبكرا عن مجلس النقابة ــ ايقاع عقوبات مُعزرة، بدلا من العقوبات القاتلة والمركبة، فيما كان المجلس يصادق على عقوبة ايقاف سنتين فقط لزميل صحفي رسم كاريكاتيرا في الصحافة الأمريكية يظهر فيه المقاومة الفلسطينية في غزة وهي تطلق النار على أطفال اسرائيل في السابع من أكتوبر، وكأنه يقدم شهادة صحفي أردني لتخدم الرواية الصهيونية وعن طيب خاطر.
ولا أدري هنا أين موقع العدالة في القضيتين، وأين هو الضمير الذي نظر في القضيتين، بالرغم من أن القضية الثانية أخطر بكثير من قضية اعتداء قبيلات وبرية، التي طالت بضعة زملاء ــ وهي مدانة أصلا ــ ، وبين قضية رسام الكاريكاتير التي طالت أمة بحالها، وخدمت التضليل والأكاذيب الاسرائيلية، وأظنها خالفت كل المنظومة الأخلاقية والقانونية لنقابة الصحفيين.
هذا هو المكيال المخادع الذي وزنت به نقابة الصحفيين القضيتين، وهذا ما يدفعني لمشاركة الشعور بالظلم وفقدان العدالة مع الزميلين قبيلات وبرية، وهذا ما يدفعني للتأشير على "روح الثأر " التي حكمت ضمير من حكم داخل مجلس القبيلة، ولا أريد الخوض في التفاصيل حتى لا تطالني أنا الآخر "مقصلة الثأر " فيكون مصيري أنا الآخر كمصير "عاد وثمود " ، ولكن هذه المرة من على دوار الواحة لإلحاقي بالسلف مهدور الدم.
واليوم يطارحني السؤال: كيف سنقدم أنفسنا في المستقبل ونحن لم نزل نتحاور ونختلف بلا عقل، وبلا مساطر تحكم سلوكياتنا، مرتهنين لعقلية الثأر بكل ما تحمله من تفاصيل وحيثيات تمنعنا كلها مجتمعة ومنفردة من الولوج إلى مستقبل ينفتح على قبول الخلاف والإختلاف بلا عصي أو حبال، وبلا قرارات انتقام وثأر وإقصاء، فيما المستقبل الذي نرتجيه يلفظنا ولا يقبلنا لأننا لم ننجح في التكيف مع متطلباته وشروطه.