المملكة الرابعة..ما بين الاستقرار والقلق

الرابط المختصر



 

شهدت الأعوام الثلاثة والعشرين على تسلم الملك عبدالله الثاني سلطاته، العديد من التحولات والمنعطفات التاريخية التي عصفت بالدولة ضمن التغيرات التي أثرت على المنطقة والعالم عموما، إضافة إلى ما ورثه الملك من ملفات عن والده الراحل، في مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

 

 ففي عام 1999، استلم سلطاته الملكية، فيما يعرف بيوم الوفاء والبيعة، ليعلن بقسمه أمام مجلس الأمة، العهد الرابع للمملكة، حاملا في جعبته العديد من الملفات والمسؤوليات التي حددها الدستور، وشهدت لاحقا تعديلات كانت مثار جدل في الأوساط السياسية والشعبية، لبناء الدولة بمؤسساتها وأجهزتها ومواصلة المسيرة التي بدأت منذ تأسيس إمارة  شرق الأردن عام 1921.

 

 وواجه الملك عبدالله الثاني تحديات إقليمية في مسيرة حكمه" استطاع تجاوزها، مرورا باحتلال العراق وتداعياته على الأردن والتعقيدات في الملف الفلسطيني، وصولا الى ثورات الربيع العربي، والحرب في سوريا، وتمكن الأردن من عبور هذه التحديات بأقل الخسائر.

 

 ومنذ تسلمه للحكم، ظل الملك يعلن عن سعيه إلى تحقيق الإصلاحات في مختلف نواحي الحياة، بدأت بالعمل على التنمية المستدامة، والنمو الاقتصادي، والحماية الاجتماعية، بالإضافة إلى تحقيق العدالة وتكافؤ الفرص وتعزيز منظومة مكافحة الفساد، انتهاء بتشكيل لجنة ملكية  لتحديث المنظومة السياسية، كان من أبرز مهامها إعداد مشروع قانون جديد للانتخاب، ومشروع قانون جديد للأحزاب السياسية، إلى جانب النظر بالتعديلات الدستورية المتصلة حكما بالقانونين وآليات العمل النيابي.

 

 ويجري مجلس النواب حاليا مناقشات لتلك التعديلات، بحيث تترجم هذه المخرجات على أرض الواقع، والتي تهدف إلى تعزيز الحياة الديمقراطية في المملكة وفقا لما أُعلن من غايات لتشكيل هذه اللجنة.

 

 المحللة السياسية والصحفية لميس اندوني تقول إن الكثير من الملفات ورثها الملك عن أبيه، من أبرزها نتائج حرب الخليج عام 1990 ، ومعاهدة السلام وشروطها وتبعاتها في عام 1994.

 

وتوضح اندوني أن الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، أثر على العمق الاستراتيجي للدولة، حيث تسبب بوقف إمدادات النفط للمملكة مما دفع الأردن إلى استيراد مادة النفط من دول مجاورة.

 

 

حاول الملك في بداية عهده إعادة العلاقات مع بعض الدول والتي تضررت بفعل حرب الخليج، فيما حافظ على علاقات الأردن مع بعض الدول الأخرى  كالولايات المتحدة، بالإضافة إلى معارضته لغزو العراق، محاولا   ثني الإدارة الأمريكية في حينه عن رأيها من خلال العديد من المحادثات.

 

 

 

أندوني: القبول بشروط الإدارة الأمريكية يضعف الموقف السياسي للأردن

 

 

 

في ملف القضية الفلسطينية تشير اندوني إلى أن الملك كان يعني ما يقوله "باللاءات الثلاثة" التي أطلقها تأكيدا على الثوابت الأردنية تجاه القضية الفلسطينية، لمواجهة ما يعرف بصفة القرن،  لما كانت تمثله من خطر حقيقي على نظام الدولة.

 

 

 ففي عام 2019، توالت التأكيدات على تمسك المملكة بثوابتها إزاء القضية الفلسطينية، حين بدأ الحديث عن خطة السلام الأميركية.

 

 

 وقال الملك اللاءات الثلاث التي تمثلت برفض التوطين ومبدأ الوطن البديل والمساس بمدينة القدس المحتلة والأماكن المقدسة فيها.

 

 

ولاستمرار الموقف الأردني تجاه القضية الفلسطينية ترى اندوني  أنه "لا بد من أن تتوقف المملكة عن إضعاف قوتها وذلك من خلال عدم قبولها لكافة شروط الإدارة الأمريكية، كملف الغاز، واستيراد المياه مقابل الطاقة الشمسية، فهذا ما يضعف الموقف الأردني السياسي".

 

 

إلا أن الإدارة الأمريكية، بحسب أندوني  تحصل على شروطها بطريقة ناعمة، حيث انها لا تتحدث عن صفقة القرن،  ولكنها تسمح لإسرائيل عمل ما تريد ومواصلة انتهاكاتها بحق الشعب الفلسطيني.

 

 

 "الملك يصر على موقف الأردن من قضايا حل الدولتين والقدس والقضية الفلسطينية المتمثل في إقامة الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية،  لقد عارض خطة صفقة القرن وأكد أكثر من مرة على موقفه من القدس والوصاية الهاشمية عليها".

 

 

 في عام 2019 انحدرت العلاقات الأردنية الإسرائيلية لأدنى مستوياتها، خصوصا بعدما اتخذ الأردن خياراته في استعادة بعض الأراضي الحدودية الأردنية التي احتلتها إسرائيل سابقا وأعيدت منقوصة السيادة للأردن بعد معاهدة السلام.

 

 

 

 

 

الشناق: تطوير الجهاز الإداري هو العمود الفقري للإصلاحات المنشودة

 

 

 

ولعل التحديات الداخلية أرقت المملكة خلال العقدين الأخيرين التحدي الاقتصادي الداخلي، بعد سياسات ضريبة فرضتها   برامج "التصحيح الاقتصادي" التي وضعها صندوق النقد الدولي وشكلت هذا البرنامج جوهر السياسات الاقتصادية للحكومات المتعاقبة التي رفعت أسعار ورسوم سلع أساسية وخصصت مؤسسات في القطاع العام، الأمر الذي اعتبره الأردنيون "سياسة جباية وافقار".

 

أمين عام الحزب الوطني الدستوري، أحمد الشناق يصف المرحلة التي استلم بها الملك للحكم، بانتقال الدولة من مرحلة العواصف إلى مرحلة النوازل، والمقصود بمرحلة العواصف هي مرحلة الراحل الملك الحسين والتي تميزت بذهابها إلى تحقيق الإنجازات، وبناء المؤسسات، وإنشاء المزيد من الجامعات وتحسين القطاعين الصحي والتعليمي.

 

وانتقلت المملكة الرابعة في عهد الملك عبدالله الى مرحلة النوازل، نظرا لما شهدته من تفتيت بالمجتمعات، والصراعات الطائفية والعرق والمذهب، مما أدت الى تراجع الإنجازات، بحسب الشناق.

 

 كما يعتبر الشناق أن بقاء الأردن دولة صامدة محافظة على ثوابتها القومية يشكل تحديا كبيرا، من خلال تعزيز الملك لعلاقاته مع الدول الشقيقة، وحفاظ الأردن على مكانته الدولية، كما كان في عهد الراحل الملك الحسين، وهذا الأمر حقق الاستقرار للدولة.

 

 

 المملكة الرابعة في عهد الملك عبدالله الثاني، كانت وسط إقليم ملتهب، بسبب صراع الأنظمة للدول المجاورة التي ساهمت بتفتيت مجتمعاتها، بسبب الحروب الطائفية كما وقع في سوريا والعراق، نتيجة تدخلات دول كبرى، والتي تسببت أيضا بإسقاط "أنظمة" دول كمصر وليبيا واليمن، يقول الشناق.

 

 

 

 ويرى الشناق بأنه من الطبيعي ان تقوم الانتفاضات في الدول العربية، وهو ما عرف بالربيع العربي، حيث  اتسمت مختلف شعاراتها بالمطالبة بالحرية والعدالة الاجتماعية، كما شهدته مصر وتونس والجزائر، وهو ما يعتبره حقا مشروعا لكل الشعوب العربية.

 

 

 

 لم يكن الأردن بعيدا عن هذه الحراكات حيث كانت الاحتجاجات عامي 2011-2012 مدفوعة  بسبب الوضع الاقتصادي والذي تجلى بارتفاع الأسعار وانتشار البطالة وانخفاض مستوى المعيشة مقارنة بمراحل سابقة.

 

 

 

 

 

وشكلت العشائر الأردنية تاريخيا داعما للنظام والدولة الا أن ظروفا اقتصادية ترافقت مع تهميش لبعض القيادات العشائرية لصالح شخصيات "ليبرالية" جعلت افرادا من العشائر ينتقلون من مربع الولاء الى مربع المعارضة للمطالبة بإعادة أموال القطاع العام التي خُصخصت و محاربة فاسدين، وخلال سنوات أطلقت عشائر حراكات اصلاحية تحمل أسماء العشيرة.

 

 

 

ولتهدئة الشارع الأردني، كان التوجيه الملكي،  دفع الحكومة للتراجع عن قرارها بخفض الدعم المقدم للمحروقات، والذي أثار حفيظة الشارع فور اتخاذه خريف عام 2012.

 

 

 

ومع ذلك  يعتبر الشناق أن المملكة  لم تنجُ من الإخفاقات بسبب ما شهدته من تراجع في الإنجازات وتقصير في أداء الحكومات  والبرلمانات المتعاقبة، ما تسبب بفقدان الملك ثقته بهما.

 

 

 

 ولإحداث خطوة باتجاه الإصلاح السياسي، تم في عام 2012، سن قانون انتخابي لتجري بناء عليه انتخابات عام 2013،  وقد أدرجت في القانون والذي تضمن مبدأ التمثيل النسبي على مستوى الوطن.

 

 

 

كما  أجريت عدد من الإصلاحات السياسية للحد من بعض سلطات الملك، بما في ذلك تعديل الدستور، وإنشاء محكمة دستورية وهيئة مستقلة للانتخابات وتحسين القوانين التي تحكم حقوق الإنسان وحرية التعبير والتجمع في عامي 2014 و 2016

 

 

 

 أعطت التعديلات الجديدة للملك السلطة الوحيدة في تعيين ولي عهده ونائبه ورئيس وأعضاء المحكمة الدستورية ورئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة ورؤساء وقادة الأجهزة الأمنية بما فيها المخابرات العامة  في البلاد.

 

 

 

ويعتبر الشناق ان تلك التعديلات كانت مؤشرا تدل على تخبط مؤسسات الدولة، والخوف من الشعب الاردني، لتجنب نزوله الى الشارع للمطالبة بالاصلاحات السياسية والاقتصادية، في ظل عدم استقرار المنطقة الذي كان يشكل تحديات للمملكة.

 

 

 

 ويشدد الشناق على أهمية تطوير الجهاز الإداري الذي يعد  العامود الفقري للدولة لكل الاصلاحات المنشودة، على الأصعدة السياسية  والاقتصادية والخدماتية، بعيدا عن الشعارات.

 

 

 

 كما ان انشاء مجلس الأمن القومي جاء لتحديد المهام والصلاحيات مؤسسات الدولة،  حيث ساهم  بالتوسع في الحريات والمشاركة السياسية، بحسب الشناق.

 

 

 

 في عام 2019  تم انشاء مجلس الأمن القومي والذي يختص بالشؤون العليا المتعلقة بالأمن والدفاع والسياسة الخارجية، وهي مرتكزات أساسية تسعى أي دولة إلى الحفاظ عليها، بعيدا عن التداخل في الأدوار وتنازع السلطات في تحقيقها، حيث جاء قرار إنشائها في إطار تعديلات دستورية..

 

 

 

 

 

الملف الاقتصادي والقلق الملكي

 

 

 

 رغم الاهتمام بالإصلاح السياسي الذي يؤكد الملك عليه، إلا أنه لا يدع مناسبة إلا ويشدد فيها على أن "ما يقلقه يتمثل بالوضع الاقتصادي، وليس الوضع السياسي او العسكري او الامني".

 

 

 

بحسب مراقبين في الشأن الاقتصادي بدأ عهد الملك بنمو كبير في الاقتصاد استمر حتى الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008 ، وقد كان له دور كبير في عملية جذب الاستثمارات الأجنبية للأردن وبناء علاقات اقتصادية مع عدد من الدول العربية والأجنبية.

 

 

 

كما وجه الملك الحكومة  بوضع تصور مستقبلي واضح للاقتصاد الأردني، والعمل على خفض نسب البطالة التي وصلت الى 24.8%، وهي الأعلى في تاريخ المملكة، بجانب العمل على توليد فرص عمل، لتأمين حياة أفضل لأبناء الشعب.

 

 

 

يشير تقرير دائرة الإحصاءات العامة الأخير إلى  أن عدد المتعطلين عن العمل بلغ حوالي 400 ألف متعطل، وأن  فئة الشباب هي  النسبة الأعلى، حيث تبلغ 260 ألفا من أصل 400 ألف متعطل.

 

 

 

المحللة السياسية والكاتبة الصحفية، لميس اندوني، تؤكد أن أكثر ما يقلق الملك هي كافة الملفات السياسية والاقتصادية باعتبارها متشابكة ولا يمكن فصلها عن بعضها البعض.

 

 

 

 كما تقول إن الملك ورث "اللبرلة" الاقتصادية،  وسياسة الانفتاح والاقتصاد الحر التي ظهرت بعد حرب الخليج عندما فرضت الإدارة الامريكية، والمؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية كصندوق النقد والبنك الدوليين وشروطها على الاقتصاد الأردني، وذلك بعد فشل  المفاوضات مع هذه الجهات والخنوع لها.

 

 

 

 وتعتبر اندوني، أن الملف الاقتصادي يعتمد على مدى الهدوء في المنطقة، وامكانية التبادل التجاري مع الدول المجاورة، شريطة أن لا يكون التحرك الاقتصادي الأردني مرهونا بقرارات أمريكية أو خليجية.

 

 

 

 فعلى سبيل المثال كان أمام الأردن خيارات بديلة، عن ابرام اتفاق إعلان النوايا بين الاردن والامارات واسرائيل "الطاقة مقابل المياه" لولا تدخلات وزير الخارجية الاميركي جون كيري وإحدى الدول الخليجية في حينها، حيث تغيرت كافة الاتجاهات نتيجة الضغوطات التي مورست لأعلى الملك، بحسب اندوني.

 

 

 

 وكانت كل من الأردن والعراق وسوريا قد شهدت أيضا تطورا في العلاقات الاقتصادية خلال الفترة الماضية، من خلال الزيارات المتبادلة بين المسؤولين وذلك لتعزيز التعاون الاقتصادي في مختلف المجالات.

 

 

 

وبلغ حجم التبادل التجاري بين المملكة وسوريا 123.2 % خلال الشهور العشرة الأولى من العام الماضي، أما حجم التبادل التجاري بين الأردن والعراق، بلغ ما نسبته 3ر448 مليون دينار خلال 11 شهرا مضت من العام 2020.

 

 

 

 ويرجع خبراء في الشأن الاقتصادي هذا التحسن  إلى إعادة العمل بنقطة الحدود الاردنية السورية معبر جابر وإعادة العمل بالمنطقة الحرة الاردنية السورية، وكذلك زيارة الملك للولايات المتحدة في شهر من تموز من العام الماضي .

 

 

 

 الشناق مناشدا الملك: إطلاق "ثورة بيضاء" في إدارة شؤون الدولة

 

 

 

 أمين عام الحزب الوطني الدستوري، أحمد الشناق يعتبر أن قلق الملك من الملف الاقتصادي مبرر، نظرا لحجم نسبة البطالة الكبير،  الأمر الذي يخلف تداعيات اجتماعية وسياسية جسيمة.

 

 

 

 ويشير الشناق الى ان تردي الاوضاع الاقتصادية جاء بمرحلة عدم استقرار الحكومات، وعدم وجود صانعي قرار قادرين على ترجمة كتب التكاليف الملكية المتعاقبة ، مؤكدا بأنه لا إصلاح اقتصادي دون إصلاح سياسي، مشددا على ضرورة  إعادة هيكلة الهيئات المستقلة والوزارات دمجا وإلغائا، واصفا بعض الوزارات بالعاطلة عن العمل.

 

 

 

الا أن هذا الامر بحسب الشناق يتطلب مشروعا وطنيا كبيرا، يتضمن خبراء مختصين ذوي كفاءة عالية، بعيدا عن المبررات الحكومية التي تتمحور حول شح الموارد وقلة الإمكانيات.

 

 

 

 ويناشد الشناق الملك عبدالله الثاني بإطلاق ثورة بيضاء في إدارة شؤون الدولة، "لإستعادة الثقة بالدولة، ولا نريد أن تذهب الناس إلى الشارع".

 

 

 

 

 

هذا وعصفت في المملكة العديد من التوترات الأمنية خلال السنوات الماضية من أبرزها "خلية اربد" عام 2015، و"عملية الكرك" عام 2016.

 

 

 

وفي العام الماضي، عاش الأردنيون توترا وقلقا لم يسبق أن عاشوا تفاصيلا مشابهة له منذ تأسيس المملكة قبل مائة عام، بسبب ما عرف بقضية "الفتنة"، التي شغلت الرأي العام، لارتباطها بالأمير حمزة بن الحسين، ولي العهد الأسبق والأخ غير الشقيق للملك عبدالله، وغيره من الوجوه السياسية الهامة.

 

 

 

وأسدلت محكمة أمن الدولة الستار على  هذه القضية وذلك بسجن رئيس الديوان الملكي الأسبق باسم عوض الله، والشريف عبد الرحمن حسن بن زيد، المتهمين الرئيسيين في القضية المذكورة، 15 عاما مع الأشغال المؤقتة.

 

  

 

ومازالت المملكة تواجه أكبر هواجسها: بطالة مرتفعة، وجيوش من المتعطلين المحبطين، ونمو اقتصادي متواضع، إذ تعاني من ارتفاع كبير في معدلات البطالة  تفاقمت مع جائحة كورونا  التي فاقمت ايضا مديونية المملكة الداخلية والخارجية، بالتزامن مع تضييق على الحريات العامة.

 

أضف تعليقك