المسرح... عودة الحركة الفنية "رهينة" للقرارات الحكومية
رغم "الهجمات" العديدة التي أوشكت الإطاحة بالمسرح على مر العصور، صَمد "أبو الفنون"؛ إلّا من تبعات "كورونا المستجد". المسرح الذي يَضُم على خشبتِه العديد من الفئات العاملة بالمجال الفني، ظلّ مغلقًا لأكثر من أربعة شهور وسط تجاهل تام من قبل الجهات المعنية حول أهمية عودة القطاع، وحال العاملين فيه.
يعمل في المسرح العديد من العاملين المصنفين ضمن الفئات الفنية: مخرجين/ات، فنيين/ات، ممثلين/ات، عازفين/ات، مغنيين/ات، راقصين/ات، مهندسي/ات صوت، وغيرهم الكثير من القطاعات التي توقف عملها منذ إغلاق أبواب المسارح، فرغم اتساعها وإمكانية الحفاظ على التباعد الاجتماعي فيها، إلا أنها ما زلت رهينة القرارات الحكومية المُنتظَرة لإعادة فتحها.
"اكتشفت أنه نحن نعمل بالتلفزيون أو الإذاعة يا دوب كم مرة بالسنة، بس اللي لاحظته أكثر أنه كان 90% من شغلنا "مسرح" مش بس أنا، لا كمان مجموعة كبيرة من الفنانين"، هكذا استهلت الممثلة أريج دبابنة حديثها لـ"المرصد"، حيث يعتمد الكثير من فناني الأردن على المسرح التوعوي والتفاعلي في عملهم، الذي يتم تنفيذه مع جهات حكومية وخاصة مختلفة.
أردفت دبابنة: "بدنا نرجع نعيش بدنا نرجع نشتغل ونحس بوجودنا"، وذلك بعدما خسرت عملها بشكل كامل أثر الإغلاقات المستمرة للمسرح، وقامت بالتوقيع على عقد عرض مسرحي مع أحد المخرجين قبل كورونا، إلا أنّ الشركة المعنية سحبت كافة الدعم، على أثر الوضع الاقتصادي الراهن. وتابعت: "نفسيًا تضررنا بطل في شيء نشتغله أو نقدمه، صرت أفكر براسي شو ممكن يعوّض عن المسرح؟ لو بدي أعمل مسرح أونلاين؛ لا أنا حاسة بالجمهور! ولا أنا طالع لي مردود مادي".
تؤكد لينا التل، مديرة المركز الوطني للثقافة والفنون، على أهمية إعادة فتح المسارح حيث يعتبر وسيلة دخل الكثير من الأسر الأردنية، مشددةً على ضرورة استغلال الساحات الفارغة لعمل مسارح خارجية، " نحن ممكن ننصاب بأمراض نفسية مزمنة اذا ما كان فيه تفاعل إنساني بين بعض"، تقول التل في تصريحات سابقة لـ"المرصد".
فرغم قدرة المركز الوطني للثقافة والفنون على تطويع كافة التدريبات الفنية التي يقوم بها إلى "الأونلاين"، لكن الخسائر كانت كبيرة بسبب توقف عمل المسارح وتوقف الفعاليات المرافقة لها أيضا، مثل المهرجانات المحلية والدولية، وفيها سؤالها عن إمكانية تحديث المسرح أيضا وتقديم العروض "أونلاين"، أجابت التل: واحدة من أهم خصائص المسرح هي التفاعلية، لذلك من المستحيل تقديم عرض مسرحي على منصات الكترونية.
يصل عدد العاملين في القطاع الفني ككل إلى 3000 فنان، يعمل أغلبهم بشكل غير منتظم (عاملين بالقطعة)، بالتالي؛ فَقَدَ فنانون كثر أعمالَهم خلال جائحة "كورونا المستجد" وتبعاتها المتمثلة بالإغلاق المستمر، فكما يقول أمين غانم رئيس النقابة المستقلة للعاملين بالمهن الفنية الأردنية: "الفنانين يتشغلوا بأعمال تعتمد على التواجد الجماعي، خاصة العمل المسرحي منها".
يُصرغانم على مطلب العاملين في المجال، "إعادة فتح القطاع من خلال فتح المسارح، المنشآت السياحية، الحفلات في الفنادق". حيث قامت وزارة السياحة بتسيير رحلات "أردننا جنة" دونًا عن القطاعات التي تعتبر أيضا شكل من أشكال السياحة الداخلية والتي تعمل على تشغيل العاملين في المسارح ،مثل العروض الفنية، الموسيقية، الندوات الشعرية، "الفنان هو عامل جذب السياحة وين وزارة السياحة عنّا؟" ويواصل غانم: "كأنهم بعاقبونا لأنه نحن فنانون أردنيون".
يروي غانم حال العاملين في القطاع بـ: " الفنان الأردني تقطعت فيه السبل، أنا أخجل أنه أصور لك الحالة". فمنذ بداية الأزمة لم يتم تقديم أي دعم يذكر للعاملين على المسارح بالأردن، كما يقول غانم.
تشير الفقرة (أ) من المادة 6 من قانون رعاية الثقافة وتعديلاته لعام 2006: "لمقاصد هذا القانون ينشأ صندوق لرعاية الحركة الثقافية يسمى (صندوق رعاية الثقافة) له حساب خاص ويعمل تحت إشراف الوزارة"، حيث كانت الفكرة من تأسيس الصندوق رفد العمل الثقافي الوطني، وهذا ما لم يتم بحسب مساعد الأمين العام لوازرة الثقافة، أحمد راشد: "صندوق رعاية الحركة الثقافية لم يتم تفعيله من الأساس".
يقول راشد لـ"المرصد العمّالي الأردني": أن الوزارة قَدّمت دعم للعاملين في القطاع عبر نقابة الفنانين الأردنيين، لمساندتهم أثناء فترة التوقف عن العمل، "ما بقدر أقلك كم المبلغ، لأنه ما عندي أرقام دقيقة".
فيما صرّح وزير الثقافة لأحد المواقع الإخبارية، "أن الوزارة قدَّمت دعم لصندوق حساب التكافل الخاص بالنقابة وإن كان هذا الدعم بسيطا لكنه ساهم في حل جزء من المشكلة". وحاول "المرصد" التواصل مع نقابة الفنانين الأردنيين لمعرفة مقدار الدعم المقدم من الوزارة، دون الوصول إلى إجابة واضحة.
فيما أكدت الممثلة دبابنة: أنها حصلت الشهر الماضي على مبلغ 250 دينار من نقابة الفنانين الأردنيين كدعم عن فترة الانقطاع عن العمل، وصرحت نقابة الفنانين: إنّ الدعم الذي قُدِمَ، قُدِمَ لـ 120 عضو من النقابة، غير موظف.
تعاني الحركة الفنية الثقافية في الأردن منذ زمن، فإهمال الحكومات المتعاقبة جعل الفن من "الكماليات"، لذلك؛ قلّ عدد المسارح الخاصة في عمّان حيث تعود ملكية أغلب المسارح في الأردن لجهات حكومية رسمية، أو ملكية خاصة، مثل مسرح "شمس"، حيث يعتبر المسرح الدرامي الخاص والوحيد بالأردن المتخصص بعروض "الريبورتوار" أي: إنتاج عروض خاصة ومنتظمة.
يقول الدكتور عبد السلام قبيلات مؤسس مسرح شمس (2017): "أن إيرادات المسرح السنوية سابقًا كانت تغطي فقط نفقاته أو ما يقدر ب 50 ألف دينار سنويًا؛ يغطيها عمل المسرح بفصلي الربيع والصيف فقط. لذا تقدر قيمة الخسائر لغاية اللحظة بـ 25 ألف دينار". بالإضافة إلى ذلك يلتزم قبيلات بدفع إيجار سنوي يبلغ 16 ألف دينار، "المسرح مديون".
ويشير قبيلات: "المسارح أساسًا فيها تباعد اجتماعي، سعة المسرح 350 شخص، ولا تمتلئ سوى ربع الكراسي أو ثلثها؛ فنحن قادرين على الحفاظ على التباعد الاجتماعي"، ويُكمل حديثه: " فكرة انه نشتغل هذا العام صعبة، ضاعت فرصة أنه يكون عندي شغل لأنه مش قادرين ننتج شيء جديد".
قدم مسرح "شمس" آخر سنتين أكثر من 150 فعالية: (استضافة، إنتاج خاص، شراكة) يحضر الفعالية الواحدة 150 شخص على الأقل، "نحن لولا دعم الناس والشباب المتطوعين، كان زمان سكرنا وما قدرنا نكمّل، وبالأساس نحن ماشيين عالجمر، لأنه لسا ما حدا قدملنا دعم".
تكمن أهمية المسرح في قدرته على التعبير عن مشاكل ومخاوف المجتمعات؛ فيعتبر وسيلة لتفريغ الضغوطات يتحسسها الأشخاص عندما يتم تجسيد واقعهم بشكل مباشر أمامهم، يقول قبيلات.