في الوقت الذي يحتفل فيه الأردن مع العالم باليوم الدولي للمساواة في الأجر، ما زالت المرأة العاملة تواجه تحديات كبيرة في سوق العمل، أبرزها فجوة الأجور بين الجنسين التي تضعف حضورها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
وتروي إحدى السيدات العاملات في شركة أدوية معاناتها مع هذا الواقع، إذ تعيل أسرتها لكنها لا تستطيع الاستقالة رغم إحساسها بالظلم وفقدان الانتماء للعمل، لأن راتبها يقل عن راتب زميل لها تم تعينه معها في الفترة نفسها ويحمل المؤهلات ذاتها، وتقول بأنها تضطر أن تقبل في هذا الواقع الذي يعد حال كثير من النساء في المؤسسات.
وتؤكد سيدة أخرى تعمل في أحد المصانع بأنها وزميلها تخرجا في العام نفسه ولديهما نفس المهارات، لكنه يتقاضى ضعف راتبها، الأمر الذي انعكس على ولائها وانتمائها للعمل، وأثر أحيانا على أدائها الوظيفي، معتبرة أن الأجر العادل يفتح الطريق أمام النساء للوصول إلى المناصب العليا بسرعة أكبر.
ورغم هذه التحديات، تظهر نماذج نسائية كسرت الحاجز، إذ تقول مديرة قسم مبيعات في إحدى الشركات إنها تمكنت بجهودها وتطوير نفسها من الحصول على أجر مساو لزملائها الرجال، مضيفة أن هذا أعطاني دافعا أكبر للاستمرار والإيمان أن التغيير ممكن.
تشير بيانات دائرة الاحصاءات العامة إلى وجود تفاوت ملحوظ في الأجور بين الجنسين في القطاع الخاص، يبلغ متوسط الأجر الشهري للذكور 515 دينارا، بينما يبلغ متوسط الأجر الشهري للإناث 443 دينارا، هذا يعني أن الذكور يتقاضون أجرا أعلى بمقدار 72 دينارا شهريا مقارنة بالإناث.
وعلى غرار القطاع الخاص، توجد أيضا فجوة في الأجور بين الجنسين في القطاع العام، يبلغ متوسط أجر الذكور في القطاع العام 679 دينارا، بينما يبلغ متوسط أجر الإناث 585 دينارا، هذا يعني أن الذكور يتقاضون أجرا أعلى بمقدار 94 دينارا شهريا مقارنة بالإناث.
البعد القانوني والاجتماعي
توضح مسؤولة مشروع "صوت" في معهد تضامن النساء، زهور الغرايبة في حديثها لـ عمان نت أن فجوة الأجور ليست قضية اقتصادية فحسب، بل تؤثر على مشاركة المرأة في الحياة العامة وصنع القرار.
وتعرف الفجوة بأنها الفرق في متوسط الدخل بين الجنسين، والذي لا يرتبط فقط بالمؤهلات أو طبيعة العمل، بل يتأثر بعوامل اجتماعية وثقافية وقانونية.
وعلى الرغم من وجود معالجة قانونية لهذه القضية في المادة 53 من قانون العمل الأردني، التي تمنع التمييز في الأجور وتفرض غرامات على أصحاب العمل المخالفين، إلا أن التطبيق الفعلي ما زال محدودا، بحسب الغرايبة التي تشدد على أن بعض المؤسسات تفضل الرجال في التوظيف والترقية، مما يؤدي إلى انسحاب آلاف النساء من سوق العمل سنويا.
من جانبها تؤكد وزارة العمل أن التشريعات تنص بوضوح على المساواة في الأجر بين الرجل والمرأة، وأن قانون العمل يعاقب أصحاب العمل الذين يميزون في الأجر بين الجنسين بغرامة مالية تتراوح بين 500 إلى 1000 دينار، إضافة إلى دفع فرق الأجر للعامل، وتتضاعف العقوبة في حال تكرار المخالفة.
تظهر إحصاءات دائرة الإحصاءات العامة أن 2,347 امرأة تركن العمل عام 2020 لأسباب اقتصادية، وانخفض الرقم إلى 253 عام 2022، في حين انسحبت أخريات لأسباب تتعلق بضعف الحوافز.
وترجع الغرايبة بعض هذه الحالات إلى أسباب اقتصادية، في حين هناك أعداد أخرى لم يتم تصنيف أسباب انسحابهن، موضحة أن هناك آلاف النساء يتركن أعمالهن كل عام لأسباب اقتصادية، وأن أبرز هذه الأسباب هي فجوة الأجور بين الجنسين.
التعليم والبطالة مقابل فجوة الأجور
رغم أن النساء يشكلن أكثر من 60% من خريجي التعليم العالي، إلا أن مشاركتهن الاقتصادية لا تتجاوز 14%، في حين بلغت نسبة البطالة بين الإناث 33.3% عام 2024 مقابل 19.6% للذكور.
وتؤكد الغرايبة أن استمرار فجوة الأجور والبطالة المرتفعة يؤثران على فرص النساء في الترقي والوصول للمناصب العليا، مشيرة إلى أن معدل البطالة للربع الأول من عام 2025 سجل 31%، وهو انخفاض نسبي عن عام 2024، مرجعة ذلك جزئيا إلى زيادة الوعي بالدور الاقتصادي للمرأة وجهود مؤسسات المجتمع المدني في تعزيز مشاركة النساء الاقتصادية.
وتوضح أن استمرار فجوة الأجور بين الجنسين وارتفاع بطالة النساء يؤثران سلبا على فرص الترقية في المناصب سواء في القطاعين العام أو الخاص، وأن الفجوة في القطاع الخاص تصل إلى نسب أعلى، حيث بلغت 18% في عام 2019، مشيرة إلى أن هذه الفجوة تؤثر اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا على النساء، وتحد من نمو الاقتصاد الأردني، كما تؤثر على الهدف الخامس من أهداف التنمية المستدامة الذي تبنته الأردن، وتزيد من نسب الفقر بين النساء والأسر التي ترأسها نساء، خصوصا الأرامل والمطلقات والمكلفات برعاية أسرهن.
بين السياسات والتطبيق
ورغم الجهود الرسمية لتحديث السياسات وتمكين المرأة، إلا أن الفجوة بين القوانين والتطبيق ما زالت قائمة، مشيرة الغرايبة إلى أن الرؤى الملكية وخطط تحديث الاقتصاد تعكس جدية الدولة في دعم المرأة، لكن التنفيذ على أرض الواقع لا يزال محدودا، مما يستدعي آليات متابعة وتقييم لضمان العدالة.
وحول مستقبل مشاركة المرأة الاقتصادية في ظل الظروف الحالية وفجوة الأجور، ترى الغرايبة أن المؤشرات الاقتصادية، مثل البطالة ومشاركة النساء في سوق العمل، متذبذبة ولا يمكن توقع خط واحد لها على المدى الطويل، نظرا لتداخل السياسات الاقتصادية والسياسية، مؤكدة أن القانون وحده غير كاف، بل هناك حاجة لوضع آليات متابعة وتقييم للتأكد من تطبيق التعديلات القانونية على أرض الواقع وتفعيل دور الجهات الحكومية لضمان الإنصاف.
خبراء اقتصاديون يرون أن استمرار الفجوة يضر بالاقتصاد الوطني، إذ تفقد النساء الحافز للمشاركة الفاعلة في سوق العمل، على الرغم من أنهن يشكلن أكثر من 60% من خريجي الجامعات.
هذا وصادق الأردن على اتفاقيات دولية مثل اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 100 الخاصة بالمساواة في الأجر، واتفاقية رقم 111 المتعلقة بالتمييز في الاستخدام والمهنة، وأدخل تعديلات تشريعية تحظر التمييز بين الجنسين.
على الصعيد العالمي، تؤكد هيئة الأمم المتحدة للمرأة أن النساء ما زلن يتقاضين في المتوسط أجورا تقل بنسبة 20% عن الرجال، مع فجوات أكبر للفئات المهمشة، وتدعو الحكومات وأصحاب العمل ومنظمات العمال إلى اتخاذ إجراءات عملية لتطبيق مبدأ الأجر المتساوي للعمل المتساوي القيمة، باعتباره حقا أساسيا وركيزة للتنمية المستدامة.












































