المحامي الزعبي ينشر .. دفاعًا عن مهرجان جرش

الرابط المختصر

لا بدّ من الاعتراف بأنّ اهتمامات الناس مختلفة ومتنوعة، وهذا يقود بالضرورة إلى اختلاف زوايا الرؤية لديهم، فما هو مقبولٌ لدى البعض، قد يكون مرفوضًا جملةً وتفصيلًا لدى البعض الآخر، ولعلّ في هذا الاختلاف ما يجعل من عجل الحياة يسير على خطٍ صحيح، لأنّ الاختلاف يولّد الأفكار، والأفكار نقطة البداية الأولى للعمل.
بحكم وجودي (سابقًا) رئيسًا لرابطة الكتّاب الأردنيين، فقد كنت عضوًا في اللجنة العليا لمهرجان جرش لعدة سنوات، وعضوًا في اللجنة الثقافية المشرفة على الفعاليات الثقافية للمهرجان، ما أعطاني ميزة إمكانية حضور جميع فعاليات المهرجان الفنيّة (الغنائية والمسرحية) والثقافية، ولأنّ اهتماماتي الفنيّة (الغنائية) قليلة، فلم يحدث أن حضرتُ ولو حفلًا فنيًا واحدًا لأيٍّ من الفعاليات الغنائية، سواء على المسرح الجنوبي أم الشمالي، وهذا لا يعني أنّني ضدها، قدر ما يعني أنّني لا أحب الأماكن المزدحمة بالكثير من الناس، عدا عن رؤيتي الخاصة بأنّ الطرب يحتاج إلى هدوءٍ، وإلى نفسية تتقبّل الطرب في وقتٍ محدد، فأن استمع لفنان أو فنانة لوحدي في سيارتي، مختارًا الأغنية التي أحب، أفضل ألف مرّة عندي، من أن أكون مجبرًا على الاستماع، وسط فوضى شعبية لا يمكن ضبطها.
الشاهد في الأمر أنّ التحضير للفعاليات الثقافية بدأ مبكرًا هذا العام، وقد حضرت خمس اجتماعاتٍ للجنة الثقافية، واجتماعًا واحدًا للجنة العليا للمهرجان، قبل إجراء انتخابات رابطة الكتّاب الأردنيين في منتصف الشهر الفائت، وسأتحدّث بأمانةٍ عمّا شاهدته في هذه اللجان، بعد أن خرجت منها باعتباري شاهد عيان، بموضوعيةٍ، وبعيدًا عن أية اعتبارات شعبية أو حتى شعبوية، فكلمة الحق أحق أن تقال.
في بداية اجتماعات اللجنة الثقافية منذ حوالي ثلاثة أشهر، شدّد المدير التنفيذي للمهرجان السيد أيمن سماوي على ضرورة توسيع البرنامج الثقافي وفعالياته بشكل أكبر من كل مهرجان سابق، وكانت العناوين البارزة (لـ ثيمة) المهرجان لهذا العام وباتفاق جميع أعضاء اللجنة، أن تكون في إطار اليوبيل الفضي لتولي جلالة الملك سلطاته الدستورية، ودعم صمود الأهل في غزّة عبر الفعاليات الثقافية)، وهذا ما تمّ التأكيد عليه في اجتماع اللجنة العليا للمهرجان، برئاسة وزيرة الثقافة السيدة هيفاء النجّار.
في اجتماعٍ شخصيٍ مع المدير التنفيذي للمهرجان السيد أيمن سماوي، سألته آنذاك عن الفعاليات الفنيّة وتحديدًا (الغنائية) وصعوبة إجرائها في ظل ما يجري في غزّة، فكان جوابه لي شخصيًا (نحن وأهلنا في غزّة حال واحد، ولا يوجد أي قرار من الحكومة الأردنية بإقامة الفعاليات الفنيّة لغاية اللحظة، لأننا لا يمكن أن نحتفل والدم يسيل، وإنّ هدأت الأوضاع في غزّة قبل موعد المهرجان بمدة كافية، فربما نستضيف أصحاب الفن الملتزم، الداعم للقضية الفلسطينية، مثل مارسيل خليفة وسميح شقير وجوليا بطرس، أمّا إن استمر شلّال الدم، فلن يكون أمامنا سوى إلغاء الفعاليات الفنيّة، وسنتوسع في الفعاليات الثقافية، على أن تكون موجّهة لدعم صمود الأهل في غزة).
ما دفعني لكتابة هذا المقال هو صمت إدارة المهرجان ووزارة الثقافة عن الرد، ومعرفتي أنّ هذا الصمت في مواجهة الحملة التي طالتهم، يعود إلى شعورهم بالظلم، جرّاء هذه الحملة التي لم تتحرّ الدقّة والموضوعية في معرفة ما يجري في الكواليس، فقرار إقامة المهرجان (سواء الفني والثقافي) أو (الثقافي وحده)، أو إلغاء إقامة المهرجان لهذا العام، هو قرار يعود للحكومة الأردنية التي لم تتخذ قرارًا باتًا (حسب علمي) لغاية اللحظة.  
لا حاجة للتسرّع في إطلاق الأحكام المسبقة على المهرجان، فالأردن، قيادةً وحكومةً وشعبًا، يقفون صفًا واحدًا مع أهلنا في غزّة، والعقلاء كثر.                                                       
 الشاعر المحامي أكرم الزعبي الرئيس السابق لرابطة الكتّاب الأردنيين.