المجالي، شاطر غلطته بألف
«المصالح بتتصالح»، الجملة التي تجمّل الانتهازية والوصولية في أوساط البلطجية والمتلونين والمتقلبين في مواقفهم والمنقلبين عليها، يبدو أنها تجاوزت السياق الشعبي إلى النطاق الشعبوي، فبات الوزير والعين والنائب والسفير الذي تقاعد وقعد، يبحث عن بقعة ضوء تبقيه في دائرتها، ليظهر في أي مشهد حتى وإن كان إلى جوار مهرجين من زمن السيرك الروسي القديم.
حينما لحن الراحل محمد عبد الوهاب أغنية "أنت عمري" للراحلة كوكب الشرق أم كلثوم، أطلق المشتغلون بالفن والموسيقى على هذا اللقاء اسم «لقاء السحاب»، لنتفاجأ اليوم بنقيضه في ما يمكن تسميته «لقاء الضباب»، حيث اجتمعت زمرة من حاطبي الليل الذين أجمعوا أمرهم وهم يمكرون ثم تنادوا مصبحين؛ أن اغدوا على قطيعكم إن كنتم قادرين،فأسرّوا النجوى ثم جاهروا بالدعوة إلى العصيان والتهييج والهيجان ، فأصدروا بيان أقبح ما فيه ليس عباراته المرسلة ولا شيفونية من صاغوه ممن نصبّوا أنفسهم «منقذين» لشعب لم يحترموا حتى حقه في أن يستمزج رأيه في من ينطقون باسمه ويتشقلبون ويتقلبون على ظهره، وإنما ما احتواه من خليط شاذ غير متجانس بين أسماء لها ثقل وبصمة من عمل، وأدعياء يتشبثون بأهداب ثوب كل عابر سبيل يهفهف بجوار آذانهم بينما هم في كهوفهم منبطحون متوارون حتى يجنّ الليل فيخرجون مع نعقة كل غراب باحثين عن كلمة باطل تقيم أودهم أو همهمة متخاذل تشد من عضدهم.
البيان الصادر يوم الثلاثاء الماضي عن رهط أو يزيد، ممن اجتمعوا في بيت وزير وسفير وعين ونائب سابق؛ أقسم بالله العظيم في كل مرة تبوأ فيها هذه المناصب أنه سيخلص للوطن والأمة والملك، وأنه حتماً سيحافظ على الدستور؛ لم يأتي خارجاً عن سياق ثقافة ونطاق أخلاق معظم من أصدروه، كيف لا ومن بينهم «بلياتشو» العنصرية والكراهية والحقد الدفين، المنقلب على نفسه الذي ما انفك يصف في كل سرك ينصبه أو يشارك فيه قطاعاً عريضاً من أبناء هذا الوطن وبناته الأكثر منه ولاءً وإخلاصاً وتبصراً ب«المجنسين المدنسين».
المؤلم في هذا البيان من وجهة نظري اقتران اسم شخصية بتاريخ وخبرة السيد أمجد المجالي ببعض الأسماء التي يشعر المرء بالغثيان إذا طرقت مسامعه، فما بالك إذا جالسها وتبنى معها مواقف مشتركة، فهل تقاطع المصالح يبرر اختلاط الصالح بالطالح؟ وهل يعقل أن تمتزج في صفحة تنبعث منها رائحة العبث وتصرخ الأفكار فيها من التيه الذي هي فيه؛ أسماء من كانوا بالأمس رجال دولة بإمّعات لا قوة لهم ولا حولََ؟
أمجد المجالي بخبرته وحنكته قادر على قيادة تيار معارض رصين يعمل وفق الدستور وسيادة القانون بعيداً عن غوغائية المتعصبين الوصوليين أغوات كل زمن وحين؛ الذين يعوضون خوائهم الفكري بدغدغة العصب المتهيج لدى جماعة «العصبية والعنصرية على خازوق».
البيان دعا إلى اعتصام مفتوح على دوار الداخلية، دون هدف ولا غاية ولا أجندة سياسية أو حتى شعبية، الأمر الذي يشي بأن هذا البيان لا يعدو كونه مراهقة سياسية لبعض من شاخوا وداخوا من التأرجح بين مقاعد السلطة وقواعد المعارضة، مذبذبين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، ليستقر بهم المقام خارج الحلبة في صفوف بلطجية وأمراء ميليشيات الحقد والاستئصال.
لم تقف سيئة البيان وسوأته عند تلطخ أسماء كانت مشرقة بنقيضاتها التي عليها غبرة وترهقها قترة، بل تجاوز الأمر ذلك ليصبح هذا البيان سلعةً رائجةً عند تجار الاتّجار بالمظلومليات والشعبويات، مستغلين وجود اسم أمجد المجالي بتاريخه وتاريخ عائلته المشرّف فيه؛ ليبرهنوا لأفراد القطيع المنساق خلفهم أن دعواتهم للتأزيم محقة حيث استجابت لها بل تصدرتها شخصية وطنية شغلت من المناصب أعلاها.
الحنكة السياسية والخبرة التي يتمتع بها أمجد المجالي يبدو أنها خذلته كما سيخذله قريباً من يحاولون التسلق على كتفيه، فكانت من وجهة نظري «غلطة بألف». أمجد المجالي الذي حجب الثقة عن حكومة كان شقيقه فيها وزيراً للداخلية، يستحق أن يكون معارضاً مؤثّراً وليس جسراً من ذهب يعبر عليه صعاليك ولّى زمانهم وذهب.