الغزيون في الأردن.. تعليم جامعي شبه مستحيل
في شمال الأردن، يقطن أبو محمد منذ خمسين عاما في مخيم جرش للاجئين أو كما يعرف محليا "مخيم غزة"، كون 95 في المئة من سكانه لاجئون من قطاع غزة. خمسة عقود لم تكن كافية ليحصل أبناؤه على نفس حقوق المواطن الأردني، خصوصا في ملف التعليم الجامعي.
"كل سنتين بكون عندي طالب، وبنتي اكتفت بدرجة الدبلوم"، يقول أبو محمد في معرض حديثه عن تكاليف التعليم الجامعي الباهظة، لكونه من أبناء غزة الذين يعاملون معاملة الأجانب.
يُحرم الطلبة الناجحون في الثانوية العامة من أبناء غزة من منافسة نظرائهم الأردنيين على مقاعد القبول الحكومية، لكنهم يسجلون عبر نظام "القبول الموحد" ضمن شروط تقيد حصولهم على هذه المقاعد. إذ أن عددا محدودا من المتفوقين يحصل على "مكرمة المخيمات"، والتي تمكن 300 منهم من الالتحاق بالجامعات الحكومية دون تغطية نفقاتها. أما البقية فيسمح لها بالتقدم على البرنامج الدولي الذي تفوق رسومه أي برنامج جامعي آخر، والبعض يلتحقون بالجامعات الخاصة إذا توفرت لهم الإمكانيات المالية.
واقع ازداد تعقيدا بعد قرار الحكومة الأردنية عام 1986 حرمت من خلاله أبناء غزة من التنافس مع أقرانهم من الطلبة الأردنيين على مقاعد الجامعات، لتصبح الخيارات أمامهم محدودة، في ظل تكاليف مضاعفة، بحسب ملتقى حقوق ابناء غزة المدنية في الأردن.
يوجد في الأردن نحو 2.5 لاجئ فلسطيني مسجلين لدى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، منهم 175 ألفا من أبناء قطاع غزة. المصدر: وكالة "أونروا". |
تكاليف التعليم.. ستة أضعاف
بالمعدل يضطر أبناء قطاع غزة لتكبد تكاليف تتراوح بين 3 - 7 أضعاف ما يتحمله الطالب الأردني. على سبيل المثال، يدفع الطالب الأردني 16 دينارا فقط للساعة الدراسية في تخصص علم النفس بالجامعة الأردنية، لكن الرقم يقفز إلى 99 دينارا إذا كان الطالب من أبناء قطاع غزة، لأن الشروط تجبرهم على الالتحاق بموجب نظام الموازي الدولي.
فوارق الرسوم دفعت الطالب حمزة هاشم (23 عاما) لتغطيتها من عمره ومجهوده، من خلال عملين في نفس الوقت. يذهب في أيام الأسبوع للعمل في إحدى المقاهي، وفي آخر الأسبوع يعمل في مصنع، "بشتغل شغلين ومش ملحق"، يقول هاشم.
وبالنسبة لأبو محمد، فكانت التكاليف أكبر من قدرته، إذ أن ابنته الثانية ظلت سنة من غير دراسة، لأن اخوانها الاثنين كانا على مقاعد الدراسة في الجامعات.
اضطر لتأجيل دراستها لحين توفير الرسوم "اليوم مضى سبع سنوات على التحاقها في الجامعة ولم تتخرج بسبب التأجيل، أصدقاؤها وزملاؤها تخرجوا، وهي ما زالت تنتظر"، يقول أبو محمد.
التعليم العالي: 300 مقعدا لأبناء المخيمات
وزارة التعليم العالي الأردنية ردت بأنه من غير المطلوب قبول جميع أبناء غزة ومعاملتهم معاملة الأردني، ومن ينطبق عليه شروط "المكرمة" يتمكن من الدراسة على النظام العادي، وفق مهند الخطيب الناطق الإعلامي للوزارة .
وأضاف: هناك نص في السياسة العامة للقبول حدد 300 مقعدا ضمن مكرمة ابناء المخيمات، و150 لأبناء الأردنيات، وإذا انطبقت عليهم الشروط يقبلون على البرنامج العادي. علما أنه يتنافس على هذه المكرمة كل من يعيش في المخيمات، ومنهم أردنيون يحملون أرقاما وطنية.
الأردن يخالف التزاماته الدولية
ترى منظمة هيومن رايتس ووتش التمييز ضد أبناء قطاع غزة في ملف التعليم بأنه يخالف التزامات الأردن بصفته طرفا في اتفاقية مناهضة التمييز في التعليم التي صادق انضم إليها في 6 أبريل/ نيسان 1976. وبموجبها اتفقت الدول تحديدا على منح الرعايا الأجانب المقيمين في إقليم الدولة نفس الحق في التعليم الممنوح لمواطني الدولة.
كذلك نص العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1966، على الحق في التعليم. إذ ورد في المادة (13/ج): "جعل التعليم العالي متاحا للجميع على قدم المساواة، تبعاً للكفاءة، بكافة الوسائل المناسبة ولا سيما بالأخذ تدريجياً بمجانية التعليم".
وفي هذا الجانب، يرى المحامي المتخصص في حقوق الإنسان محمد النسور أن الأردن متأخر في في هذه الحقوق، وطالب بأن تضع الدولة نصب عينيها الجانب الحقوقي والسياسي والأمني، "فالتجارب الدولية سبقتنا، اليمن، والعراق، وموريتانيا، وتونس، والمغرب، والجزائر، ومصر، جميعها اعترفت بحقوق أبناء الأجانب".
ويعتبر الخبير السياسي منذر الحوارات، أن معاملة الفلسطيني في التعليم كالأجنبي إجحاف كبير، وتحديدا أنه سمح له بالتملك والعمل.
وبالنسبة للمنح، فلا يحصل أبناء قطاع غزة على أكثر من 10 في المئة منها. إذ حصلوا على 205 منح من أصل 2185 منحة (2009 حتى 2022)، بحسب علا الحلبوني، مديرة العلاقات العامة لجمعية صندوق حياة للتعليم الخيرية، المعنية بدعم طلبة الجامعات والمعاهد المهنية المتفوقين وغير المقتدرين.
عدد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الأردن 10 مخيمات رسمية وثلاثة غير رسمية. يقطن فيها نحو 432 ألف لاجئ، منهم 12.5% من أبناء قطاع غزة يتركزون في مخيمي جرش وماركا. المصدر: وكالة "أونروا". |
تحديات اجتماعية واقتصادية ونفسية
ترتفع نسبة البطالة بين صفوف اللاجئين في مخيمات المملكة الثلاثة عشر لأكثر من 19 في المئة، وفق مدير دائرة الشؤون الفلسطينية رفيق خرفان.
معطيات تُصعّب انخراط اللاجئين -خصوصا أبناء قطاع غزة- في التعليم الجامعي، بنظر الخبير الاقتصادي مازن ارشيد. يقدر ويقول: تتجاوز تكلفة التعليم سنويا ألف دينار (...) في حين أن دخل العائلة الشهري يتراوح بين 200 - 300 دينار.
أوضاع اقتصادية تدفع الأسر إلى استثناء أبنائها من التعليم، وابقائه على واحد أو اثنين في أحسن الأحوال، كما حدث مع أبو محمد من مخيم غزة.
وهذا الواقع من شأنه التأثير على قدرة أبناء غزة على الاندماج الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، وتفاقم شعورهم بأنهم بمعزل عن المجتمع الذي يعاملهم كأقلية منعزلة، كما يرى الخبير الاجتماعي حسام عايش.
شعرت وفاء* بالظلم حينما دفعتها عائلتها على التسجيل في كلية العلوم التربوية والآداب بجامعة ناعور جنوب غرب عمان (تابِعة لوكالة الغوث الدولية) خلافا لرغبتها بالالتحاق بجامعة البلقاء ودراسة تخصص "التربية الخاصة" الذي حلمت به. "شعرت بالظلم للحظة، ولدت بالأردن ليش ما أقدر انافس مع الطلاب الأردنيين؟ ليش أحس أنه لا مكان لي في المجتمع؟" تساءلت وفاء.
يبلغ عدد طلبة جامعة ناعور 1215، بينهم 274 طالب/ة من أبناء غزة، يحصل عدد منهم على منح ومقاعد وفق نسب معينة، ويحصل عدد آخر على مقاعد برنامج الموازي، بحسب لجنة فلسطين بمجلس النواب الأردني.
لم تفلح مطالبات لجنة فلسطين النيابية بمعاملة أبناء غزة مثل الطلبة الأردنيين بإحداث أي تغيير. ويتم الرد غالبا بأن التعامل معهم محكوم بالسياسة العامة للقبول في الجامعات (التي تصدر سنوياً)، بحسب مستشار وزير التعليم العالي عبد الله الحراحشة.
أحلام انتهت
تفاجأ جمال* بعد اجتيازه الثانوية بأنه لا يستطيع التسجيل على نظام التنافس أو الموازي المحلي، وتقيده بالموازي الدولي "رغم أنني مواليد الأردن، ولكن ما عندي أي حقوق". لم تفلح محاولاته في الحصول على منحة لإكمال تعليمه "ما بنسى، درست 12 سنة مع أصحابي، اشتركنا بالحلم والطموح، وتأثرت عندما سجلوا بالجامعة وأنا لا، لأني غزاوي".
أكمل جمال رحلته في الحياة، ليصبح قوت زوجته وأبنائه هو الأهم. أصبح في الخامسة والعشرين من عمره، وحلم الدراسة يكبر معه "خلي الناس تعرف أنه في معاناة"، يختم حديثه.