الشطّار يندمجون بعد طول انشطار
الانشطار الذي وقع داخل تنظيم الأخوان المسلمين في الأردن عقب الإطاحة بالرئيس المصري الراحل محمد مرسي وما أعقب ذلك من متتاليات انشطارية خلفت «حزب زمزم» و«جمعية الأخوان المسلمين» والنواة الأم «جبهة حزب العمل الإسلامي»، في ما يبدو ولّدت تفاعلاً عكسياً مع اقتراب دخول قانون الأحزاب حيز النفاذ، حيث بدأت عمليات اندماج تظهر بين هذه الحُزيّّبات الدينية المنشطرة، إذ تم الإعلان عن اندماج حزبي «زمزم والوسط الإسلامي» إيذاناً بخوض المعركة الانتخابية القادمة أملاً في تشكيل حكومة في المستقبل القريب أو مساومتها لحصد بعض حقائبها.
هذا الاندماج بطبيعة الحال لم يكن ليرى النور لولا مباركة وربما تشجيع القوى العميقة في الدولة التي في ما يبدو وجدت في هذين الحزبين اللذين كان أحدهما أول مسمار في نعش تنظيم الأخوان في الأردن والثاني -كما يشاع- لديه ارتباطات وصلات قوية بتلك القوى، الأمر الذي يشي بأن النهج لن يتغير وإن تزحزح المنهاج ظاهرياً والموال لن يتبدل وإن تغير لون المزمار، ف«الأخوان الجدد الموالون المحافظون» كما وصّفوا أنفسهم في مؤتمر إعلان الاندماج، يُعتَبرون أكثر قبولاً عند السلطة من الحركات اليسارية واللبرالية التي تؤمن بالتنوير وحقوق الإنسان، ذلك أن حركات الإسلام السياسي أثبتت براعةً وحرفيةً عالية في التقلّب والتشقلب في المواقف، في ما يسمى «برغماتية بلا حدود ولا قيود»، يسعفها في ذلك إيديولوجية أشبه ما تكون بسوبرماركت كبير يمكنك أن تجد فيه المتناقضات بتضادّاتها ومتنافراتها على رف واحد، فالحلو بجانب الحار والبارد بجانب الساخن والصلب بجانب السائل، وكل ما يطلبه الزبائن على اختلاف حاجاتهم وأذواقهم من منتجات؛ سيجدونها بوفرة. فعلى سبيل المثال، إبرام معاهدات السلام مع إسرائيل يدعمه منتج «الجنوح للسلم.. والمصالح المرسلة.. وفقه المعاهد.. والمعاملات التي نقل الرواة أنها كانت بين الرسول وبعض اليهود المقيمين في المدينة.. »، أما إذا كان المطلوب هو التناغم مع التيار الغالب المعادي لإسرائيل لتحقيق غاية آنية، فإن منتج «البراء.. وعدم جواز موالاة الكفار.. وطرد النبي لليهود من المدينة وتحريم دخولهم إياها ومكة..»؛ في متناول اليد. والشيء نفسه في مختلف القضايا السياسية والتنموية والحقوقية بطبيعة الحال، فإذا كان السياق يتطلب مثلاً تشجيع مشاركة المرأة وتوليها المناصب، فمنتج «يجوز» جاهز للبيع؛ استناداً إلى أن «السيدة عائشة كانت تفتي الصحابة بعد وفاة الرسول.. كما كانت المرأة تخرج مع الجيش..»، أما إذا كان المطلوب عكس ذلك، فلا أسهل من العودة إلى الأصل، بمنتج «حرام» المعروض دائماً على الرف للاستهلاك المجاني، حيث كُتِبَ عليه: «جماع النصوص يقطع بعدم جواز ولاية المرأة.. الدورة الشهرية والحمل والرضاع ظروف تجعل المرأة في وضع لا يمكنها معه أن تقضي أو تدير أو تحكم.. المرأة عاطفية ورأيها غالباً ما يجانب الموضوعية.. المرأة ناقصة عقل ودين، فأنى لها أن تتولى وظائف تتطلب كمال العقل وتمام الدين..»، وهكذا أخي المستهلك وأختي المستهلكة، زورونا تجدوا ما يسركم حتى لو كان سيضركم.
أشار بعض المندمجين يوم أمس أن «7 حُزيّبات أخرى تواصلت معهم طالبةً شمولها في الاندماج، إلا أنه طلب إليهم التريث لحين نضوج التجربة وقراءة نتائجها»، وسواءً كان هذا صحيحاً أم تهويلاً -وهو الأرجح- فإن التيارات العلمانية مطالبة بالتحرك والخروج من القوقعة النخبوية ومواجهة هذه التيارات الأصولية التي بلغت وقاحتها حد وصف نفسها بأنها «أحزاب مدنية» في تعمد لتشويه المفاهيم واللعب بوعي العامة، وعلى القوى العميقة في الدولة أن تدرك أن المتاجرة بحركات الإسلام السياسي ولو مرحلياً مآله دون أدنى شك انقلاب السحر على الساحر، ومن لا يتعظ من الأمس القريب فلا واعظ له.
الانشطار والاندماج وأشكال التفاعلات كافة، سوف تنتج طاقة تدميرية ما دامت مادتها الخام تشتمل على عناصر التطرف والإرهاب الفكري، لذلك فإن القوى السياسية العلمانية واليسارية، مطالبة بأخذ زمام المبادرة وفرض نفسها على الساحة لمجابهة توظيف قانون الأحزاب الجديد وقانون الانتخاب الوليد، وتقليص مساحات تأثير تكتلات سياسية إسلاماوية متطرفة تقتات على شيطنة الخصم بتكفيره أو زندقته، عوضاً عن إقناع الجماهير بصدق نواياها وتقديم ضمانات احترامها للدستور ومواثيق واتفاقيات حقوق الإنسان التي صادقت عليها الدولة بما فيها «سيداو»التي تستخدمها هذه التكتلات الدينية لكسب قاعدة شعبية غير مستنيرة من خلال إيهامها أن هذه الاتفاقية «تمثل بؤرة المؤامرة التي تستهدف قيم الأمة ومعتقداتها..»، هذا فضلاً عن استخدامها في حملاتها الغوغائية ضد خصومها نساءً كنَّ أو رجال.
نوع الطاقة الناتجة عن الاندماج أو الانشطار السياسي تعتمد على المفاعل والمتفاعل والأهم الفاعل، وفي مقامنا هذا، فإن شطّار انشطار الأمس ومندمجوا اليوم قد يغنمون مرحلياً بقدر ما يضعون أجنداتهم رهن التوظيف والاستخدام، أما الرابح على الدوام فهو الفاعل الذي يدير المفاعل، ليبقى الخاسر الأكبر المفعول بهم من العوام الذين أسلموا لمن أسلموا السياسة الخطام.