الرّمز وتجليّاته في ديوانِ مرايا الضّرير للشّاعرِ أحمد الخطيب
نُشير بدءًا إلى أنّ أحمد نمر الخطيب من أصولٍ فلسطينيّة، وقد غرس جذوره في الأرضِ الأردنيّة، ولد في مخيّم إربد، سنة 1959م، وهو عضو رابطة الكتّاب الأردنيين، ومن أعماله الشّعريّة التي تربو على عشرين ديوانًا، نذكر على سبيلِ الذكرِ لا الحصر: أصابع ضالعة في الانتشار 1985م، حاجز الصّوت 1990م، أنثى الرّيح 1991م، اللهاث القتيل 1993م، مرايا الضّرير 1994م، وغيرها(1).
من هذا المنطلق، فإنّ المقالة محاولة للسياحةِ في عالمِ أحمد الخطيب الرّمزيّ، على أنّ من الأهميّةِ بمكانٍ الإشارة إلى أنّ الأدبَ وسيلةٌ للتّعبيرِ عن حالاتٍ وانفعالاتٍ نفسيّة وظروف ثقافيّة واجتماعيّة واقتصاديّة وسياسيّة وغيرها، وتصويرها تصويرًا فنيًا. ولعلّ من الخيّرِ أن نشير إلى أنّ الرّمزيّة على كونها مذهبًا أدبيًا، لم تظهر في الأدبِ إلّا بفرنسا في النّصفِ الثّاني من القرنِ التّاسعِ عشر"(2). كما تعدّ الرّمزيّة مذهبًا متمردًا على كثير من أعراف المجتمع الفرنسيّ وتقاليده، سواء كانت سياسيّة أو اجتماعيّة أو فنيّة.
والرّمز في اللغة؛ الإشارة والإيماء. ومن نافلةِ القول: إنّ اللغة وسيلة للتّواصل، كما أنّها مادة الأدب شعرًا كان أم نثرًا، واللغة من منظار المذهب الرمزي عبارة عن رموز، هذا ويتخذ الأدب الرّمزي من الإيحاء والرّمز والخيال والغموض مادة للتّعبير عن العالم الخارجي والخواطر النّفسيّة ومكنوناتها، غير أنّ ذلك لا يعني أنّ الأدب الرّمزي يعجز عن الفهم والتّأويل.
مرايا الضّرير
العنوان قائم على ثنائيّة ضديّة طرفاها: المرئيّ واللامرئي، والمرايا هي التّجسيدُ المجازيّ والرّمزيّ للضّرير، حيثُ يرى من خلالها ذاته، والكون، والأشياء، ويكشف ما حوله. والمرايا التّعبيرُ الكامل عمّا يهجس به الضّرير، وتعكس ما هو غير مرئي، والمرايا رمز للحقيقةِ والمعرفة. والضّرير رمز يدل على افتقاد الحقيقة والمعرفة.
وفقًا لذلك، سنحاول في المقالةِ أن نتناول بعض النّماذج الشّعريّة التي تعدّ تمثيلًا على توظيف الشّاعر للرّمز، يقول الخطيب في "نصّ الغائب":
"عادةُ الغيمِ
أنْ لا يجيءَ بلا ثوبه
في النّزوعِ الّذي يسبق العاصفةْ
عادةُ الغيمِ
أن يأخذَ الروح من جذْعِها
ثمّ يمضي إليها
فتبقى على صدره واقفةْ"
يشكل الغيم في النصّ السّابق مؤشرًا أسلوبيًا في تنمية الدّلالة الإيجابيّة؛ بحيث يجسّد الغيم أداة كشف، يمكن من خلاله التّكهن وتوقع الحالة المناخيّة. تتجسد رمزية الغيم في نصّ الخطيب في أنّه باعث الأمل والتّفاؤل والبشرى والخير.
ينهض نص الخطيب الشّعريّ على ابتكار مشاهد فنّيّة غير ممكنة، مبنية على التّخييل الغرائبي؛ من خلال التّوليف بين العناصر المتباعدة والمتناقضة. هذا ويتأسس النّص الشعريّ عند الخطيب على الرّمز، حيث يتم التّركيز على الألفاظ والتراكيب ذات الإيحاءات الرّمزيّة. ثمة موقف فلسفي من ذلك الرّمز والإبهام، ويكاد كل شيء يكون منذورًا للغرابة؛ كون الذّات تعيش في واقع مثقل بالغربة، يقول:
"طافحٌ لحمُ هذي المزاريب بالزقزقات
باحتجاجِ الطّيور السّواقط
بانسيابِ المفاصل في النّص
حين يجيء الفتى
طافحٌ بالرّدى"
من الصّعب جدًّا على القارئ من الوهلة الأولى الإمساك بخيط الرّؤية في نصوص الخطيب الشّعريّة؛ نظرًا لإيغالها في الغموض، وخير مثال نص الشارع، حيث يكرّس الصّورة العجائبية؛ لتعميق الإحساس بالاغتراب، إذ يقول:
"كان الشّارعُ مزدحمًا بالصّمت
وكان الشّارعُ أبيض كالثّلج
برغمِ دمامل هذا الليل"
ونخلص من هذه المقالة الموجزة، بأنّ الرّمز يتجلّى في نصوص أحمد الخطيب الشّعريّة في اللفظة، والصّورة، والغرابة، والغموض، والخيال.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر والمراجع
(1) انظر، معجم الأدباء الأردنيين في العصر الحديث، ط1 ـ 2014، منشورات وزارة الثقافة الأردنيّة، عمّان، ص 16.
(2) انظر، الأدب ومذاهبه: محمّد مندور، دار نهضة مصر، القاهرة، ص 108.